لقد دخلت حياة الناس في قطاع غزة أظلم مراحلها بعد عشرين شهراً من القصف المتواصل من قبل الحكومة الفاشية الإسرائيلية، وهي جريمة حطمت الأرقام القياسية لوحشية الحروب في تاريخ البشرية. من خلال الحصار الكامل ومنع ما يقرب من مليوني شخص في غزة من الحصول على الماء والغذاء والدواء، بينما يستمر القصف، وضعت إسرائيل الناجين من عشرين شهراً من الإبادة الجماعية أمام خطر الموت جوعاً.
بعد عشرين شهراً من القصف والقتل، وبعد عشرين شهراً من الجريمة المشتركة للغرب وإسرائيل، وبعد ثلاثة أشهر من الحصار الاقتصادي التام ومنع الناس من الحصول على الدواء والغذاء والكهرباء... أخيراً، رفع قادة الدول الأوروبية – الذين رفعوا منذ اللحظة الأولى شعار "نحن نقف مع إسرائيل" بحجة "حقها في الدفاع عن النفس" و"محاربة الإرهاب"، وساهموا في هذه الإبادة عبر إرسال القاذفات والدبابات والمساعدات المالية والعسكرية والسياسية والدعائية – أخيراً "رفعوا أصواتهم" وحذروا إسرائيل وهددوا بـ"معاقبتها"! إنه صوت مقزز وضعيف، "تحذير" فارغ، وعقاب مؤجل إلى مستقبل مجهول!
بعد عشرين شهراً من المجازر وذبح أكثر من 60 ألف إنسان بريء، وتدمير الحياة بكل معانيها – من الموت جوعاً، وقتل أطفال لم تسنح لهم حتى فرصة فتح أعينهم على العالم، وتدمير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، إلى سحق أحلام وآمال أجيال من الفلسطينيين، وتحويل غزة إلى جحيم مغلق أمام أعين العالم – أخيراً أعلن الاتحاد الأوروبي أنه ينوي فرض قيود على علاقاته الاقتصادية مع إسرائيل، وسيفتح تحقيقاً في جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل... ولكن فقط خلال هذه العشرين شهراً!
وفي الوقت نفسه، انقلبت وسائل الإعلام الرسمية، التي كانت طوال هذه الفترة أداة دعائية في خدمة آلة القتل الإسرائيلية، لتبرير هذه الإبادة الجماعية الدموية، فجأةً بدأت تنقل لمحات مصغرة من جرائم إسرائيل في غزة، معتذرةً للجمهور عن عرض مشاهد مروعة! وجلبوا "خبراءهم" ليُظهروا للملايين من المحبين للسلام في الغرب – الذين احتلوا الشوارع منذ أكثر من عشرين شهراً ضد هذه الجريمة المشتركة وصمت الإعلام الدعائي القذر – "أبعاد الجريمة" و"ضرورة اتخاذ إجراء حاسم" ضد إسرائيل!
إن وقاحة "ستارمر" و"ماكرون" و"ميرتس" وغيرهم من شركاء نتنياهو وبني غفير في التعبير عن "قلقهم" من "تجاوزات" إسرائيل، وادعائهم أن "أوروبا تقف كقائدة للضمير الإنساني ضد هذه التجاوزات"، هو أمر لا يُوصف ولا يُحتمل.
بريطانيا و"ستارمر"، كواحد من "قادة الضمير الإنساني"، بينما يهددون إسرائيل بـ"العقاب"، لم يتوقفوا عن إرسال قاذفات "إف-35" – التي لعبت دوراً حاسماً في الإبادة الجماعية – أو عن تحليق طائراتهم التجسسية فوق غزة لمساعدة الجيش الإسرائيلي في تحديد أهدافه.
إن صادرات الأسلحة البريطانية لإسرائيل خلال العام الماضي – رغم ادعاءاتها بفرض قيود – بلغت 170 مليون دولار. وتشير تقارير الضرائب الإسرائيلية إلى أن حكومة "ستارمر" صدرت سراً أكثر من 8500 صنف ذخيرة لإسرائيل، وبعد ثلاثة أشهر من "الحظر"، زادت صادرات الأسلحة مقارنة بحكومة المحافظين بين 2020-2023! بينما كان "ستارمر" يلقي خطابه الفارغ في البرلمان البريطاني، كانت طائرات التجسس البريطانية تساعد في تحديد أهداف القصف الإسرائيلي. وبعد أسبوع من تهديد وزير الخارجية البريطاني بوقف العلاقات التجارية، كانت البعثة التجارية البريطانية في إسرائيل توقع صفقات جديدة!
إن قادة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا... الذين "استنكروا بأشد العبارات" الجريمة بعد عشرين شهراً، ووصفوا الحصار بـ"المخزي وغير المقبول"، وتحدثوا عن "ضرورة إنهاء العدوان واحترام القانون الدولي"، قد أنهوا واجبهم في "وقف هذه الأوضاع" باقتراح بعض العقوبات الاقتصادية والعسكرية... مع التأكيد على "صداقتهم" مع إسرائيل! ولم ينسوا أن يجرموا الداعمين لفلسطين في أوروبا، ويلصقوا بهم تهمة "معاداة السامية"، ويضربوهم، ويفصلوهم من العمل، ويفتحوا ملفات جنائية ضدهم!
وسموا هذا المسخ الدعائي "قيادة الضمير الإنساني" دفاعاً عن "الإنسانية" و"القانون الدولي" و"حقوق الإنسان"! بينما قال جهازهم الإعلامي إنه "تحول مهم في السياسة الأوروبية تجاه إسرائيل"!
لا يعترف هؤلاء القادة "الشرفاء" في الغرب أنهم انحنت ظهورهم تحت ضغط الحركة العالمية التي لم تعد تتحمل تكرار جرائم 75 عاماً من قبل الحكومة الفاشية الإسرائيلية وحلفائها الغربيين. إنها حركة أحدثت شرخاً في المنظومة الدولية حتى أن مؤسساتهم نفسها أقرت بعدم شرعية هذه الإبادة. ولا يعترفون أن إسرائيل اليوم – كأكثر حكومة مجرمة ومصدر للاضطراب في المنطقة – أصبحت منبوذة ومعزولة عالمياً. ولا يعترفون أن الأزمة الداخلية في إسرائيل والانقسام في الصف الصهيوني يتعمقان، وأن الحركة المناهضة للإبادة في إسرائيل نفسها، وإن كانت ضعيفة، قد برزت.
إن أوروبا، التي تم استبعادها رسمياً من قبل أمريكا في حرب أوكرانيا، وفي القضية الفلسطينية، وفي المفاوضات مع حماس والحوثيين وإيران، تحاول تعويض فقدان نفوذها بالضجيج الإعلامي ضد إسرائيل. إنها تحاول أن تظهر كـ"قائدة للضمير الإنساني"، بينما تتخبط في سياستها الخرقاء، من قرع طبول الحرب في أوكرانيا إلى ادعاءاتها الفارغة.
الحقيقة هي أن سياسة ترامب لإقامة وتوسيع العلاقات التجارية مع قوى المنطقة، وإدماج إسرائيل فيها، تتطلب إنهاء المجازر ضد الفلسطينيين. أصبح وجود إسرائيل، كدولة مصدرة للاضطراب، عبئاً على مصالح أمريكا. إن ضغط ترامب على إسرائيل لـ"الالتزام بقواعد اللعبة" يأتي من هذا المنطلق.
وفر الانقسام ما بين أمريكا وإسرائيل الفرصة لقادة أوروبا لادعاء "قيادة الضمير الإنساني"، ليس فقط لتحميل أنفسهم فضل ضغط ترامب على إسرائيل، بل أيضاً لتحسين موقفهم في صراعهم مع أمريكا. إن صراخهم بأن "الكرة في ملعب ترامب" ليس اعترافاً بقوة أمريكا، بل جزء من مناورة.
لكن سياسة أوروبا "لضرب عصفورين بحجر واحد" – للهروب من ضغط الحركة الجماهيرية العالمية ضد الإبادة، ولإعادة نفوذها – قد فشلت قبل أن تبدأ. فاستمرار الاحتجاجات، وتحرك النقابات العمالية، وتوسع الحراك الشعبي في كل القارات لمواجهة الفاشية الإسرائيلية وحلفائها، وإفلاس الشرعية الغربية، وتحول فلسطين إلى محك للإنسانية... كل هذا هو بداية الطريق لإنهاء معضلة الـ75 عاماً.
لقد دفعت جماهير الفلسطيني البريئة ثمن هذا الصراع من حياته، لكن القوى الغربية والفاشية الإسرائيلية ستدفع ثمناً باهظاً. ستنقلب الآية، ولن تنفعهم سيوف فرسانهم الواهية، ولا ضجيج آلتهم الدعائية. ستطوي الملايين حول العالم – القادة الحقيقيون للضمير الإنساني – بساط القوى التي مكنت هذه الجريمة، وسيُحاكم كل من شارك فيها، بما فيهم الصحفيون الذين سكتوا أو برروها كجرائم حرب.
28 مايو/أيار 2025
النسخة الفارسية