حكمتيست: تمّ مؤخراً نشر البيان التأسيسي لـ "الجبهة العمالية الموحدة للدفاع عن الشعب الفلسطيني" المكونة من 23 اتحاداً عمالياً ومنظمة سياسية يسارية وعمالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى نحو أساسي في العالم العربي. من مؤسسي هذه الجبهة ثلاثة أحزاب شيوعية عمالية في الشرق الأوسط، من ضمنها الحزب الحكمتي (الخط الرسمي). أولاً اسمح لي أن أهنئكم وجميع المؤسسين على تشكيل هذه الجبهة.
في البدء وضح لنا كيفية تأسيس هذه الجبهة. ما هي ضرورة تأسيسها في الشرق الأوسط، حيث غالبية الجماهير تدافع عن حرية الشعب الفلسطيني وأكثر حكومات هذه المنطقة تدعي الدفاع عنه؟
خالد حاج محمدي: شكراً جزيلاً على التهنئة، وأنا بدوري بمناسبة بروز هذا القطب العمالي المدافع عن الشعب الفلسطيني وعن العدالة والمساواة، أتقدم بالتهنئة لكافة الرفاق في هذه الجبهة، من أعضاء وفعالي الحزب والرفاق في الحزبين الشيوعيين العماليين العراقي والكردستاني، وللطبقة العاملة في المنطقة وفي إيران وللجماهير المتطلعة للحرية وللمساواة والمدافعة عن جماهير فلسطين المحرومة.
بخصوص هذه الجبهة وعلى الأقل بقدر تعلق الأمر بحزبنا، يلحظ تيارنا فراغاً يتركه غياب قطب عمالي موحد، جماهيري ومقتدر في الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومناهض للحكومة الإسرائيلية وحلفائها ولحكومات المنطقة الرجعية، وعلى الأخص في إيران والبلدان العربية من السعودية مروراً بمصر حتى قطر ... في مجرى تحولات هذه المرحلة وخلال التقتيل الواسع لجماهير فلسطين والاحتجاجات الواسعة للجماهير المتمدنة على الصعيد العالمي بالضد من إسرائيل وشركائها. وظفت الدول الرجعية تاريخياً مصائب الشعب الفلسطيني لصالح امتيازاتها ولتبادل المصالح مع الحكومات الغربية وتسعى عبر الشعار الكاذب في الدفاع عن الفلسطينيين لعسكرة المنطقة وتعبئة سكانها.
خلال الاحتجاجات العالمية الواسعة المناهضة لأعمال الإبادة الإسرائيلية وعلى الرغم من مشاركة عمال كافة البلدان فيها والقيام بالإضرابات والتجمعات في بعض المراكز العمالية مقابل مصانع انتاج الأسلحة وفي الموانئ والمطارات وغيرها احتجاجاً على إنتاج الإسلحة وإرسالها إلى إسرائيل، فما زال موقع قطب عمالي قوي ومستقل ليشكل العمود الفقري للاحتجاجات العالمية خالياً.
علاوة على هذا فإن الجماهير المتطلعة للحرية في الشرق الأوسط، والعالم العربي، وشمال أفريقيا وغيرها يعتريها غضب عميق تجاه عسكرتارية الغرب والجرائم والتقتيل الواسع لسكان المنطقة من قبل تلك القوى في مهاجمة العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا واليوم يضاف إليها قتل الجماهير المحرومة في فلسطين ولبنان من جانب إسرائيل، بمساندة مباشرة من دول الغرب وعلى رأسها أميركا وبريطانيا بحجة مجابهة حماس وحزب الله. في هذه المرحلة تواجه حكومات المنطقة، خصوصاً الحكومات العربية ضغطاً إجتماعياً من الأسفل إزاء استفادة هذه الحكومات تاريخياً من مصائب الشعب الفلسطيني ومتاجرتها بها واحتفاظها بروابط متينة مع إسرائيل وأميركا. كذلك سعت الجمهورية الإسلامية للاستفادة من هذه الأوضاع، ولتقديم نفسها زوراً بوصفها مدافعاً عن الشعب الفلسطيني، ولكسب رصيد من الغضب العام لجماهير المنطقة، خصوصاً في العالم العربي تجاه إسرائيل وأميركا، وتسعى لإحكام موقعها بين جماهير المنطقة تحت يافطة المواجهة مع إسرائيل، ولتقوية التيارات الرجعية الإسلامية المتحالفة معها في المنطقة بعنوان محور المقاومة. في الوقت نفسه وبالاستفادة من هذه الأوضاع تعمل على رفع موقعها في إيران مقابل الطبقة العاملة والنساء والفئات المحرومة لأجل تغيير توازن القوى لصالحها.
بالنظر إلى هذه العناصر، فإننا الأحزاب الشيوعية العمالية الثلاثة في المنطقة قررنا وضع مسألة التركيز الخاص على القضية الفلسطينية في جدول أعمالنا، في كيفية كسب الدفاع عن جماهير فلسطين على صعيد المنطقة والعالم وتشكيل صف عمالي مستقل وراديكالي في الحركة العالمية المدافعة عن الشعب الفلسطيني. في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2023 لفت نظرنا أن سياساتنا ونقاشاتنا بصدد فلسطين وجرائم إسرائيل والحكومات الغربية اكتسبت صدى واسعاً وأصبحت لافتة للنظر في البلدان العربية وعلى الأخص في فلسطين. وقد حازت تعاطفاً في أوساط العمال الشيوعيين والاتحادات والتيارات الراديكالية في فلسطين والعالم العربي. في شهر أكتوبر نفسه تقدم الرفاق من فلسطين في (جبهة النضال الشعبي الفلسطيني) بطلب الاتصال بالأحزاب الثلاثة (الحزب الحكمتي –الخط الرسمي- والحزبين الشيوعيين العماليين العراقي والكردستاني)، وبطبيعة الحال تلقينا هذا الطلب بحفاوة. خلال جلسات الأطراف الأربعة، سواء العلنية منها بصورة كنفرانس حول القضية الفلسطينية وأعمال الإبادة من جانب إسرائيل وشركائها الغربيين، أو في الجلسات الخاصة جرت مناقشات جدية وأصبحت منطلقاً للتواصل مع المنظمات العمالية والراديكالية في المنطقة.
وفي هذا الاتجاه سعينا نحن الأحزاب الثلاثة للاتصال بالفعالين العماليين على صعيد المنطقة من إيران إلى العراق وكردستان العراق والعالم العربي، أولا، لتوضيح ضرورة تشكيل مثل هذا الصف، وثانياً، المساعدة في أن يتخذ فعالو الطبقة العاملة والشيوعيون والمدافعون الفعليون عن الشعب الفلسطيني دوراً عملياً لتشكيل مثل هذا القطب في العالم الواقعي. طرحنا هذه الفكرة بين قسم من الفعالين العماليين في العراق وغيره ومع أصدقائنا في فلسطين، ووضحنا باتفاق فكري مع سائر الرفاق إطار العمل، والإمكانات المتاحة وأهداف هكذا إتحاد. أعددنا الوثيقة الأولية واتفقنا بالاجماع على تشكيل هذا القطب. منذ ذلك الوقت وما بعده في أواخر شهر أيار 2024 ابتدأ السعي المشترك لجذب انتباه المنظمات العمالية، والاتحادات العمالية المستقلة، وقادة العمال والشخصيات في المنطقة. أخيراً وبعد جهود مشتركة وفي اجتماع بحضور حوالي 30 شخصاً من ممثلي المنظمات العمالية وقادة العمال والفعالين والشخصيات السياسية تمّ إقرار وثيقة تأسيس هذه الهيئة (الجبهة العمالية الموحدة للدفاع عن الشعب الفلسطيني) في 22 أيلول واكتسبت رسمية تأسيسها.
بالنسبة لنا تشكيل هذا القطب العمالي مقابل ذينك القطبين، أعني إسرائيل وحماتها الغربيين ورجعية المنطقة من الحكومات العربية ثم إيران والتيارات الإسلامية المتحالفة معها وتركيا، لهو ظاهرة ذات أهمية ولحسن الحظ وصلت لنتيجها المرجوة وعلى الأقل انتظمت. من المؤكد هذه خطوة مهمة جداً وتاريخية لكنها هي بداية عملنا، وأمامنا كمّ كبير من الأعمال الجدية التي آمل أن نتعقبها بإصرار ونصنع تأثيراً واقعياً في المنطقة والعالم.
حكمتيست: جاء في البيان: "إن جهودنا ونضالنا المستمرين لحرية الشعب الفلسطيني جزء من مشروع أوسع لتوحيد الطبقة العاملة ضد استغلال ووحشية الأنظمة الرأسمالية ولأجل إدامة النضال المشترك للعمال للوصول إلى حياة مرفهة وإنسانية، لأجل حياة أفضل، وللمساواة بين المرأة والرجل، ولأجل إنهاء كل أشكال التمييز العرقي والقومي والديني، ولأجل السلام، والطمأنينة، والأمان، والاستقرار والازدهار للبشرية في هذا العالم". إلى أية درجة أنتم متفائلون بتحقيق هذه الأهداف؟
خالد حاج محمدي: من وجهة نظري ليست الإجابة بنعم أو لا ممكنة في حالة مدى تحقق مثل هذه الرغبات الإنسانية. لا شك أن الوصول إلى هذه الأهداف مرتبط بالقيام بأدوارنا ونشاطنا. برأيي الاستحالة ليس لها وجود! إلا أن التاريخ ومسار الأمور ليس شيئاً قد تعين مسبقاً. أي مستقبل واضح لا يمكن تصوره دون دور البشر الذين يسعون إليه، ودون دور القوى التي وضعت مثل هذا المستقبل هدفاً لها وتناضل وتجمع القوى من أجله وتنظمها ويكون لها تأثير على مصيرها ومصير الجماهير. إذا غاب هذا الجهد، وإذا لم يهيئ شيوعيو الطبقة العاملة قواهم الطبقية على أرض الواقع بهدف التغيير للانعتاق، وإن لم يصنعوا الفرص والاستفادة من الفرص الموجودة بخطة واضحة للتغيير لصالح البشرية والنضال للحرية وإنهاء توحش النظام الرأسمالي، فلن يكون ممكناً مثل هذا الأفق والأمل متحققاً في ذاته ومن تلقاء نفسه.
فيما يتعلق بإمكانية نيل هذه الأهداف فمن المؤكد جوابي بالإيجاب وبالدليل نفسه لأجل هذا أسسنا الحزب ونخوض نضالنا. لو لم نكن نحن الشوعيين وأمثالنا موجودين في هذا العالم، ولولا صفوف العمال والجماهير المتمدنة وضغطها لأصبح العالم أكثر ظلاماً بدرجات، وأكثر دموية وتوحشاً. بالنتيجة الوصول لهذه الأهداف ممكن بشرط العمل الهائل وجعله ممكناً. لا شك أن هناك الكثير من العوائق لكن من وجهة نظري هناك إمكانات وظروف مناسبة أيضاً. أرى أن أكبر العوائق القائمة اليوم هي الذهنية السائدة التي يتم سوقها بذرائع تاريخية شتى ونتيجة للمسار الذي قطعه الشيوعييون، والتراجعات التي فرضوها علينا وعلى طبقتنا، والدعاية الواسعة المنظمة للبرجوازية بالضد من السعي لتحقيق عالم أفضل وإنساني ومرفه وحر ومتساوٍ، وجهود نشر الإحباط واليأس من أي تغيير لصالح البشرية بدعوى أن العالم هكذا كان وعلى هذه الحال سيبقى، وأن أي تحول كبير وانعتاق ومساواة هي آمال لا يمكن بلوغها. ينفقون أموالاً من أجل نشر هذه الأجواء المسمومة ويعيدون إنتاجها كل يوم، أعتقد أنها أسهمت في إضعاف التفاؤل والثقة بالنفس بشدة حتى بين الملايين من الطبقة العاملة والمجتمع وحتى بين المنظمات العمالية والشيوعية أيضاً. إن المهمة الأولى هي التغلب على هذه الذهنية التي تردد عبارة "لا يتحقق وغير ممكن" في صفوف حركتنا، الحركة الاشتراكية للطبقة العاملة.
مثلما أشرتم فإننا في البيان أكدنا على مجموعة من الأهداف. أولها مسعانا للتصدي للوحشية وإيقافها، تلك التي ترتكبها حكومة إسرائيل العنصرية والفاشية في فلسطين بوصفها الذراع العسكري لأميركا وبريطانيا وحلفائهم وسياسة النزعة الحربية بالهجمة على لبنان وتوسيع الموجة الإرهابية التي تهدد البشرية على الصعيد العالمي. من الناحية العملية شنت إسرائيل والغرب وعلى رأسهم أميركا وبريطانيا حرباً إقليمية، على الرغم من دعواتهم الكاذبة للسلم، وإن الممارسات الأخرى للحكومات الغربية وحلف الناتو على مستوى العالم ومنها سعيهم الشامل لإدامة الحرب في أوكرانيا والمخاطرة بجرّ العالم لحرب شاملة لهي خطر واقعي، ليست الحربان العالميتان الأولى والثانية بالمقارنة معها سوى ضرب من لعب الأطفال. نحن وعبر الاتحاد الذي أوجدناه في المنطقة نسعى لجلب اهتمام الطبقة العاملة والمنظمات العمالية وجماهير العالم المتحضرة لخطورة الأوضاع ولأهمية الإمكانات والقدرات من أجل إيقاف هذا التوحش، وللتصدي للحرب والتقتيل، والوقوف ضد العسكرة والإرهاب الصريح، وللدفاع عن الشعب الفلسطيني. نسعى لإيقاظ البشرية المتمدنة في العالم، وفضلاً عن تنمية وتوسيع صفوف البشرية المتمدنة واحتجاجاتها الحالية، فإننا نعمل على جعل الطبقة العاملة عمودها الفقري الذي يمكن هذه الحركة من لجم الوحشية الراهنة.
فضلاً عن هذا فإن هدفنا تقوية الاتحاد العمالي، وتقوية الوعي بالمصير المشترك للطبقة العاملة تجاه النظام الرأسمالي وتوحشه المنفلت العقال في الهجمة على مستوى حياة هذه الطبقة، ومهاجمة رفاهية المجتمع البشري والجماهير المحرومة وسلبه مكتسبات الطبقة العاملة والبشرية المتطلعة للحرية ولتأمين حياة أكثر إنسانية. نحن قمنا ببناء بذرة هيئة في الشرق الأوسط تتطلع لتكون أساس هذا الاتحاد بأبعاد أوسع كثيراً من أجل الانعتاق والحرية، والرفاه والأمان والسلم، ولأجل هدم جدران النفاق الوطني والقومي والديني في هذه المنطقة، وفي أوساط الطبقة العاملة العالمية وفيما بين البشرية المتحضرة. في الوقت نفسه قمنا بهذه الحملة في الشرق الأوسط حيث تاريخياً وبسب دور الدين خصوصاً الدين الإسلامي، ولسيطرة الحكومات الرجعية المعادية للعمال والنساء، وسيادة التقاليد والثقافة الذكورية والقوانين الدينية لم تعامل المرأة كإنسان. لهذا ضمّنا مسألة حرية المرأة والعمل لأجلها في وثائقنا الأساسية في منطقة بهذه الظروف.
من هذا الجانب وفضلاً عن القضية الفلسطينية ومواجهة إرهاب إسرائيل المنفلت العقال، أسسنا بذرة الاتحاد العمالي ونسعى لا لحفظ هذا الاتحاد فحسب، بل لتوسيعه، ودون شك هذا الاتحاد لا ينتهي عند ضمان السلم في فلسطين وخلاص جماهيرها المحرومة من التقتيل والتشرد، بل يصبح أقوى وأكثر بروزاً. برأيي الكثير من التيارات والمنظمات العمالية في هذه الجبهة وشخصياتها وعلى الأخص حزبنا ورفاقنا في الحزب الشيوعي العمالي العراقي والحزب الشيوعي العمالي الكردستاني في العراق يعون العوائق والمشكلات القائمة والمؤامرات التي سيحيكونها ضدنا في المستقبل. بيد أن الأمر المؤكد هو أن الشرق الأوسط والعالم ليسا ميداناً موقوفاً لتحركات القوى العالمية، وحكومات المنطقة الرجعية ومختلف أنواع الجماعات والتيارات والعصابات المسلحة والإجرامية المنظمة، فالطبقة العاملة وشيوعيو هذه الطبقة، ومئات الملايين من الشرفاء ودعاة المساواة في العالم هم قوة عظيمة يمكنها دحر الرجعية. نحن لدينا إيمان عميق بهذه القدرة ومثلما قلت عوضاً عن القول "لا يتحقق وغير ممكن" وعوضاً عن نشر التصورات غير العملية والاستسلام لأعدائنا، يجب أن نضع الطرق والخطط الممكنة لتحقيق أهدافنا وأن نجمع القوى اللازمة لها.
أنا لدي تفاؤل عميق بهذا العمل. من الواضح إن مستوى تقدمنا على قدر درجة بذل جهودنا، ووضوح وصحة سياستنا وإن الطريق ليس معبداً أمامنا دائماً. استثمر أعداؤنا في أوساط طبقتنا قدرتهم على التخريب والعسكرة، وبث اليأس واللامبالاة والاستسلام، واستثمروا في النفاق القومي والوطني والديني ...، أما نحن فنستثمر في المصير المشترك لطبقتنا، وفي إنسانية البشر، وفي شعورهم بالنفور من الظلم وغياب الحقوق، وفي الكرامة واحترام الذات.
حكمتيست: إن الدفاع العلني عن الشعب الفلسطيني وحريته من جانب جماهير إيران وخصوصاً الطبقة العاملة يتسم بالتعقيد بسبب سوء استغلال النظام لمصائب الشعب الفلسطيني وادعائه "الدفاع عن الشعب الفلسطيني". على الرغم من هذا التعقيد حتى الآن شهدنا نماذج كثيرة لدفاع المنظمات العمالية والهيئات الاجتماعية والفعالين الاجتماعيين عن الشعب الفلسطيني على نحو مختلف عن ادعاءات النظام. إلى أي مدى تعتقدون أن وجود هذه الجبهة يوفر الإمكانية للهيئات العمالية والمدنية والاجتماعية في إيران لتشكل صفها المستقل والراديكالي للدفاع عن الشعب الفلسطيني ومناهضة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل. ماذا تتوقعون من هذه الهيئات؟
خالد حاج محمدي: برأيي أول تأثيرات هذه الهيئة في كل المنطقة وخصوصاً في إيران، هو تقوية الروح النضالية، وتقوية روحية التضامن والتعاون، وبث التفاؤل والثقة بالنفس في حركتنا، الحركة الاشتراكية للطبقة العاملة وتقوية التضامن الطبقي والشعور الأممي لدى الطبقة العاملة ولدى مجمل الحركة المطالبة بالحرية والمساواة في إيران، وهذا بالنسبة لنا عامل مهم جداً ومصيري.
أنا مطلع على تعقيدات مسألة الدفاع عن الشعب الفلسطيني وإيجاد تحرك مهم ومؤثر، وما يخص حضور الجمهورية الإسلامية ومساعيها للتعلق بالمعضلة الفلسطينية. بيد أنه من جانب آخر فإن الادعاءات الكاذبة للسلطة في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، حق حياة إنسانية، وحق العيش في ظل السلام والأمان وإعلانها الرفض للوحشية الإسرائيلية مع أنها منافقة، إلا أنها تجعل سبل الحكومة أكثر صعوبة في مجابهة الطبقة العاملة والجماهير المتطلعة للحرية التي حضرت إلى الميادين للدفاع عن الشعب الفلسطيني وتعيق قمعها بسهولة. كما أشرتم رغم التعقيدات شهدنا دعم الهيئات والشخصيات العمالية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، ودفاع السجناء السياسيين في السجن عن السكان الأبرياء الذين تعرضوا لما يقرب السنة لهجوم الجيش الفاشي من الجو والبر، من دون إعطاء أي امتياز للجمهورية الإسلامية وادعاءاتها الكاذبة. حركة جماهير إيران المتطلعة للحرية وجدت طريقها للدفاع عن الشعب الفلسطيني، بعيداً عن أكاذيب الجمهورية الإسلامية وسوء استغلالها من المعارضة البرجوازية المدافعة عن إسرائيل. إن جماهير إيران المطالبة بالحرية والهيئات العمالية والمدنية والاجتماعية لم تنطلِ عليها التصويرات المزيفة لكل من الجمهورية الإسلامية وإسرائيل والمعارضة اليمينية والرجعية التي تصور أن الدفاع عن الشعب الفلسطيني يعني دفاعاً عن الجمهورية الإسلامية، أو أن الدفاع عن الإبادة الإسرائيلية لسكان قطاع غزة والابتهاج بقتل 42 ألفاً من الأبرياء في فلسطين يعني مناهضة للجمهورية الإسلامية. هذه الجبهة تعطي الإمكانية للجماهير الإنسانية في إيران لكي تكسب أولاً، داعيمها في المنطقة، وثانياً، الصف المستقل الذي يمكنها معه مجابهة الرجعية في المنطقة، بما فيها الجمهورية الإسلامية.
أحد العوامل المهمة للعمال والفئات المحرومة في إيران رفع راية المطالبة بالرفاه، والحرية، والتصدي للاستغلال، واضطهاد المرأة والاستبداد، وبالضد من السجن والإعدام في مجابهة السلطة، وفي الوقت نفسه الدفاع عن الشعب الفلسطيني ضد جرائم الإبادة الإسرائيلية. برأيي وبكل صدق هاتان المسألتان ترتبطان مع بعض بعمق. إن ارتباط مواجهتنا والاختلاف العميق لدفاعنا عن الشعب الفلسطيني مع الدفاع الكاذب للجمهورية الإسلامية ولرجعية المنطقة، من ضمنها الحكومات العربية والتيارات الإسلامية والقومية وغيرها يظهر لكل إنسان منصف مدى الفرق العميق والصفين المتعارضين بيننا وبين الصف الرجعي، وعداءنا الدموي والطبقي معهم. بالنتيجة فإن القلق من سوء استفادة الجمهورية الإسلامية لا أساس لها.
برأيي تشكيل هذه الجبهة على صعيد المنطقة يمهد الطريق لاتحاد الطبقة العاملة وتقوية التضامن والشعور بالوحدة الطبقية في إيران وكافة البلدان الأخرى، ويرأب الصدوع المدمرة والانقسامات الوطنية والقومية والدينية التي تعيد انتاجها يومياً برجوازية المنطقة وحكوماتها والأحزاب والجماعات الرجعية والعنصرية والمعادية للعامل وللمرأة، وهذه ظاهرة كبيرة جداً.
إيران إحدى المراكز الحيوية، النشطة والمتقدمة للحركة الاشتراكية للطبقة العاملة، وللحركات المطالبة بالحرية بدءاً من حركة حقوق المرأة إلى حركة الخلاص الثقافي لجيل الشباب والبشرية المتمدنة. الاشتراكية في إيران مرغوبة والأحزاب الشيوعية ووجوهها والقادة الشيوعيون في المجتمع لا يحظون بالاعتبار والنفوذ في أوساط الطبقة العاملة فحسب، بل إن قسماً كبيراً من القادة العماليين في هذا المجتمع يعدون أنفسهم اشتراكيين وشيوعيين. فضلاً عن الإضرابات والاحتجاجات العمالية، فإن ملامح الحركة الاحتجاجية العامة في إيران، من احتجاجات النساء والشباب، والمعلمين والممرضين والمتقاعدين ورايتهم ومطالبهم يسارية.
لذلك فليس توقعي أنا وحدي عالياً، بل توقع الجزء الواعي من الطبقة العاملة وكافة الحركات الطليعية التقدمية في المنطقة والعالم من المجتمع الإيراني والطبقة العاملة فيه، ومن محافله وهيئاته العمالية والنسوية والشبابية عالٍ عن حقّ. أنا على معرفة بحساسية المسـألة وكيفية الانضمام إلى هذا الصف، وكيفية دفاع الطبقة العاملة والهيئات والمحافل وتنظيماتها وكيفية دفاع مختلف أنواع التنظيمات والهيئات والتجمعات المطالبة بالحرية في إيران عن "الجبهة العمالية الموحدة للدفاع عن الشعب الفلسطيني"، لكنني على ثقة بأن الفعالين الواعين سيجدون الطريق المناسب. ليس لدي شك بأن قلوبنا تخفق معاً وأن مستوى الإدراك والوعي لدى هذا الصف وفي إيران عالٍ جداً، بحيث إذا عملنا على نحو جاد على المهمة التي بدأناها، يمكننا تجاوز عوائق انضمامهم وحمايتهم من هذه التحولات في المنطقة.
أوكد مرة أخرى أن تأسيس هذه الجبهة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحد ذاتها وحتى هذه اللحظة هي تقدم ناجح جداً وذات قيمة كبيرة، لكننا ما زلنا في بداية عملنا وقد أنجزنا خطوة مهمة وتاريخية التي تتوجب إدامتها وأن نقوم بمهامنا العملية الكثيرة أمامنا. إذا قمنا بعملنا على نحو صحيح، وإذا التزمنا بالوثيقة المتفق عليها وناضلنا من أجلها وهي الدفاع عن الشعب الفلسطيني والاتحاد العمالي من أجل الرفاهية والحرية والمساواة والسلم، أعتقد بإمكاننا أن نحقق مكاسب لا يمكن تصورها اليوم للطبقة العاملة، وللصفوف المطالبة بالمساواة بالضد من توحش النظام الرأسمالي وللضغط على إسرائيل والحكومات الغربية.
30 September 2024