اخـــتـــلافـــاتــــنــا حوار حول الشيوعية العمالية بسوى سوسياليزم: قيمت وثيقة "الاوضاع الدولية ومكانة الشيوعية"(١) ازمة الاشتراكية البرجوازية وافولها. وتحدثت عن الشيوعية العمالية بمثابة المجرى الوحيد الذي يمتلك آفاق التقدم والتطور في الوقت الذي تتراجع فيه الاشتراكية البرجوازية وتتعرض الاشتراكية الى اوسع هجمة من قبل البرجوازية. ومنذ ان تم التصديق على هذه الوثيقة في المؤتمر الثالث للحزب ولحد الان، لم تمض سوى بضعة اشهر. ولكن الاحداث تطورت بصورة مدهشة ؛ احداث بولونيا، التراجع في يوغسلافيا، انعطاف هنغاريا، التغيرات السريعة في الاتحاد السوفيتي نفسه. وفي الفترة الاخيرة الانتفاضة الشعبية في الصين واخمادها الدموي. هل توقعتم سرعةهذه العملية؟ في الوقت الحاضر، اصبح لمصطلح (ازمة الشيوعية) لدى اجهزة اعلام البرجوازية الغربية مكانة خاصة مترابطة مع التفسيرات المستمرة لهذه الاحداث. ماهو رأيكم حول هذه التغيرات الاخيرة؟ منصور حكمت: اعتقد ان احداث الاشهر الاخيرة اثبتتت افضل من أي استدلال آخر صحة تحليلاتنا التي قدمناها ضمن التقرير الى المؤتمر الثالث للحزب. وحتى في هذا التقرير، لم نكن نتوقع فترة طويلة لحدوث هذه التغيرات. ولكن على اية حال، فأن سرعة الاحداث الاخيرة تبعث على الدهشة حقاً. بأعتقادي، أن التغيرات في الاتحاد السوفيتي وما يسمى بالكتلة الشرقية، ومقارنة بالاحداث الاخيرة في الصين، تعكس لنا زوايا مختلفة من المسار العام لزوال الاشتراكية البرجوازية. وهنا، يجب ان لاتغيب عن بالنا الفروقات الاساسية الموجودة بينهما. ان الاشتراكية البرجوازية في الصين بمثابة معسكر معين، وكقطب من اقطاب مايسمى بالحركة الشيوعية، انهارت وفقدت اعتبارها منذ أمد بعيد. الماوية انهزمت وخرجت من الميدان السياسي منذ السبعينات. وقد لوحظ انعزال الصين بعد ماو عن اية ادعاءات اشتراكية قبل هذه الفترة بكثير. ان الاحداث الحالية في الصين تشير، بصورة اوضح، الى صراع للتطابق المادي بين الاشكال السياسية والادارية مع التوجهات الاساسية والتغيرات التي حصلت من قبل على صعيد الاقتصاد السياسي والميدان الايديولوجي لهذا البلد. نحن نواجه، الان، في الصين، مآل العمليات التي كانت قد بدأت قبل هذه الصراعات. وقد انهت مصير واعتبار الاشتراكية البرجوازية في داخل الـصين وكذلك على الصعيد الدولي. لذا، فأن الوقــائع الحالية في الصين، بالرغم من بروزها، هي اقل اهمية بالنسبة لاحداث المجتمع السوفيتي وآثارها على الساحة الدولية. نحن في الاتحاد السوفيتي امام انعطافات تأريخية. وبالاضافة الى تأثيراتها على العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية، فانها تطوي ملف المسار الرئيسي للاشتراكية البرجوازية الراهن. لقد كانت التغيرات السياسية والفكرية في الاتحاد السوفيتي اسرع من التحولات القتصادية. ولكن بدء هذا المسير الذي لا رجعة عنه حطم، في خطوته الاولى، كل انماط رأسمالية الدولة. ويتزامن مع ذلك، في المطاف الاخير، الاضمحلال التام لما يسمى بالمعسكر الاشتراكي ونهاية الاشتراكية البرجوازية الروسية. وبالطبع، فأن هذه ليست فاجعة التحريفية وحدها. فبأعتقادي، مع زوال هذا التيار، ينتهي أجل كل الاتجاهات والميول شبه الماركسية وغير العمالية التي كان مبرر وجودها نقد هذا الميدان الرئيسي. أ هذه (أزمة الشيوعية) أم (نهاية الشيوعية)؟ في الحقيقة، انا لا اعتبر العالم ميداناًً لجدال المدارس الفكرية. فالتأريخ الواقعي هو تأريخ الحركات الاجتماعية والطبقية. ومن الواضح انه في هذا الاثناء انهار (شيء) وانتهى اجله. ان هذه التغيرات تدل على انهيار حركة رأسمالية الدولة البرجوازية. فقد سمت البرجوازية هذه الحركة بالشيوعية وعرّفتها لملايين الناس بأنها الحركة الشيوعية. ومن الناحية التأريخية كذلك، نمت وتطورت هذه الحركة الى جانب الحركة الشيوعية وثبتت نفسها، في مراحل معينة، كقطب رسمي للشيوعية. ان حركة الاشتراكية العمالية، أي تلك الشيوعية التي هي رمز النضال العمالي المعادي للرأسمالية في المجتمع المعاصر عاشت بجوار هذه الشيوعية الرسمية وتعرضت بدرجة كبيرة، دون شك، الى التهاوي والتراجع مع انتصار تيار رأسمالية الدولة. ان هذه حركةاخرى اتحدث عنها كما كان يتحدث عنها البيان الشيوعي. حركة اطلق عليها أسم الشيوعية العمالية . ان انهيار الاشتراكية البرجوازية في روسيا و افول كل اشكال الاشتراكية اللاعمالية ابتداءاً من القومية الاصلاحية اليسارية وحتى الشعبوية وغيرها، شدد دون شك من الاقاويل البرجوازية المعادية للماركسية و وضع الشيوعية العمالية أيضاً تحت وطاة ضغط فكري اشد. ولكن ازمة هذه الاشتراكية البرجوازية لن تُضْعِفْ ارضية الشيوعية العمالية ولن تأزّمها. بل بالعكس تماماً. وكما ذكرت في التقرير المقدم الى المؤتمر، وكما اوضحت في الندوة الاولى حول الشيوعية العمالية قبل عدة اشهر(٢)، فأن ما ينتظرنا هو عهد جديد من النضال الشيوعي العمالي. ان الميدان الرئيسي الذي يُسمى، رسمياً، بالشيوعية هو اليوم بصدد الانتقال الى قلب الطبقة العاملة مرة اخرى. والشيوعية العمالية، كحركة اجتماعية، هي الان بصدد استعادة موقعها الحقيقي مرة اخرة في المجتمع . ان قدرة هذه الحركة جبارة. وبعكس الذين زعموا انها نهاية ماركس والماركسية، أرى ان المرحلة القادمة هي عهد الارتقاء الجديد للماركسية. حيث ان هذه الحركة الاجتماعية، حركة العامل الاحتجاجية المعادية للرأسمالية والتي تستطيع هذه الماركسية ان تكون رأيتها، وبعد انهيار ثورة اكتوبر، وبعد عشرات السنين من سيطرة الحركات شبه الماركسية للبرجوازية، هي الان بصدد النهوض المجدد. وكنموذج قريب، فأن عقد التسعينات بأعتقادي هو عقد اتساع وتنامي الاحتجاجات الثورية العمالية في المراكز الصناعية في اوربا الغربية. عقد ظهور جيل جديد من الاحزاب الشيوعية. احزاب شيوعية عمالية. وارى ان الماركسية باعتبارها نقداً عميقاً وعظيماً للمجتمع الرأسمالي وكنظرية،لا تقبل النيل منها والتأزم. ونفس احداث اليوم تثبت، مرة اخرى، صحة الماركسية. ان الحركة العمالية والنشاط العمالي هما اللذان يستطيعان فقط ان يثبتا النظرية الثورية العمالية. وان سقوط التيارات اللاعمالية التي تعلقت بالماركسية، في سبيل تحقيق المسائل القومية والديمقراطية والاصلاحية والتنمية الصناعية، لا تثبت شيئاً غير هذا. بسوي سوسياليزم: يبدو ان الحزب الشيوعي الايراني، ارتباطاً بالعالم الذي يحيط به، على اعتاب تغيرات مهمة. باعتقادي، ليس فقط اعضاء الحزب، بل وحتى أي مطلع ومتابع لما نطرحه من افكار وبالاخص بعد المؤتمر الثالث يرون ان هناك جدالات او حتى صراعات داخل الحزب الشيوعي الايراني. في التقرير الذي عرضتموه على المؤتمر الثالث، وفي خطابكم بعد ذلك في المؤتمر، وفي مقالاتكم حول موضوع نشاط الحزب في قلب الطبقة العاملة، ونشاطنا في كردستان المنشور في جريدة (كومونيست- الشيوعي) العدد ٢(٣)، ومسألة العضوية العمالية وغيرها، كلها أدلة على وجود مثل هذه الى الجدالات. ما هو رأيكم بهذه المسألة، والى أي حد يُطرح موضوع الشيوعية العمالية في هذا الاطار، وما هي اهميته؟ منصور حكمت: ان الحزب الشيوعي الايراني، حاله حال أي حزب سياسي واقعي آخر، فيه اجنحة واتجاهات من يسار ويمين و وسط. ومنذ بداية تأسيس الحزب، كان الصراع موجوداً بأشكال مختلفة بين هذه الاتجاهات والتي هي نتيجة الضغوط والميول الاجتماعية الواقعية. وان ما يبعث على الدهشة والاستغراب حقاً هو انعدامها. ولكن في السنوات الاخيرة، وبالاخص في السنة الماضية، ولاسباب سياسية مفهومة تماماً، زادت المواجهة والهوة داخل الحزب. ان هذه الظروف لاتتعلق مباشرة بقضية الشيوعية العمالية ونقاشاتنا في هذه الفترة فحسب، وانما هي في المطاف الاخير انعكاس لهذه الوقائع الاجتماعية والسياسية التي تحدثت عنها في جواب السؤال السابق. ان موضوعة الشيوعية العمالية لم تُستنتج من وضع الحزب الشيوعي الايراني. اذ هي توضيح للركائز الاساسية للشيوعية والاشتراكية المعاصرة. وعلى أي حال، فأن هذه المسائل لها وجود مستقل عن حركة الحزب الشيوعي الايراني، وتُطرح امام كل شيوعي للاجابة عليها بشكل ما. ومع ذلك، فأن الشيوعية العمالية هي نظرة وبحث يطرحه الميل اليساري داخل الحزب. نقد للعقائد والاساليب ونظريات الميول الاخرى داخل الحزب. نقد للمكانة التي تفرضها هذه الميول على الحزب الشيوعي الايراني. ان موضوع الشيوعية العمالية يطرح امام الحزب (ماالعمل) وبرنامج سياسي وعملي خاص يختلف عن تصور الاتجاهات الاخرى حول مسائل وافاق الحزب. ومن جهة اخرى، فقد طرأت، في السنوات الاخيرة أيضاً، تحولات على مكانة الميول الاخرى. فنفس المسار العالمي الذي ادى بالاشتراكية اللاعمالية، على الصعيد العالمي، الى طريق مسدود، ادى كذلك بالنزعات الاشتراكية غير العمالية داخل الحزب الى انعدام الافاق. لذا، فقد شهدنا مسار تباعدي داخل الحزب. اليوم، وقبل أي وقت مضى، يواجه اليسار واليمين والوسط بعضهم بعضاً بأفاق متمايزة. واذا اردت ان ابين لكم المكانة الحالية، وان اوضح لكم المحتوى الاجتماعي والمسيرة التباعدية للنزعات المختلفة داخل الحزب، يجب ان اتحدث عن الحزب الشيوعي الايراني بصورة عامة والمكانة التأريخية والاجتماعية التي يتمتع بها الحزب. ان الاوضاع الحالية هي حصيلة مسيرة تكاملية. يجب ان نعرف العوامل والظروف المتدخلة فيها . بسوي سوسياليزم: ان قسماً مهماً من هذا الحديث يخص الحزب الشيوعي والتغيرات الطارئة عليه. ولكن بأعتقادي من الافضل ان نتطرق الى هذا الموضوع حينما نكون قد تحدثنا، بما فيه الكفاية، عن الشيوعية العمالية. لااقصد هنا تناول مضامين كنتم قد اوضحتموها قبلاً، بل اود توضيح الزوايا الخاصة لهذا البحث. لقد اكتسبت عبارة الشيوعية العمالية معاني مختلفة بيننا. وفي الحقيقة، حتى استعمالكم لها انتم كان في ظروف مختلفة: كرؤية او تصور اوحتى كمدرسة فكرية معينة، كحركة مادية اجتماعية، كأتجاه سياسي أو حركة حزبية وغيرها. سؤالي هنا هو أيُّ من هذه التعابير ادق من غيرها او لها مكانة اساسية في بحثكم؟ منصور حكمت: ان جواب هذا السؤال بسيط جداً. انا استخدم كلمة "الشيوعية العمالية" بدلاً من كلمة "الشيوعية"، حيث ان كلمة الشيوعية في زمننا فقدت خصوصيتها الطبقية كماكان الحال وقت انتشار البيان الشيوعي عام ١٨٤٨. فقد كانت كلمة الشيوعية حينذاك مرادفة للاشتراكية العمالية. يوضح انجلس بدقة السبب الذي جعلهم يختارون هذا العنوان للراية التي رفعوها بالبيان الشيوعي في ذلك الوقت. ان ماركس وانجلس، ولكي يبينوا اختلاف تعريفهما مع الاشتراكية غير العمالية في عصرهم، اختاروا نفس التسمية التي حملتها الحركة الاشتراكية العمالية. وكل كلمة من كلمات البيان الشيوعي تؤكد بأنه بيان الاشتراكية العمالية، وماذا يبغي هذا التيار الطبقي الخاص قوله حول العالم والمجتمع والاشتراكيات الموجودة. ولوكان ماركس وانجلس اليوم احياء ويرون كيف يُستخدم أسم الشيوعية نفسه من قبل تيارات محتجة شبه اشتراكية للطبقات الاخرى، حينها، وبالتأكيد، كانوا يفكرون بحال عنوان البيان الشيوعي وبكلمة الشيوعية عموماً. ربما كانوا مثلي يضيفون في آخرها صفة "العمالية" حتى تعبر تماماً عن مضمون البيان والحركة الاجتماعية التي كان البيان معبراً عنها. بهذا التوضيح، يتبين جوابي على اساس سؤالكم. كما ان معنى الشيوعية يختلف بأختلاف ظروف استخدامه. كرؤية، مدرسة فكرية، حركة اجتماعية، وتيار حزبي وغيرها. كذلك ان الشيوعية العمالية، ولكونها ادق اسم لنفس الظاهرة في نهاية القرن العشرين، تعود الى كل هذه المصطلحات، وتحمل في طياتها مجمل هذه المعاني. فالشيوعية العمالية تختلف من جميع الاوجه عما سمّي بالشيوعية في النصف الاخير من هذا القرن. انها مدرسة فكرية اخرى، حركة اخرى، تستوجب احزاباً من نوع اخر. لها تأريخ اخر، لها اصول ومباديء اخرى … الخ. وان النضال من اجل الشيوعية العمالية نضال من اجل تبيان هذه الفروقات وتنظيم وتعبئة هذه الحركة الاجتماعية المغايرة. بسوي سوسياليزم: أَ ليست الشيوعية العمالية، على هذا الاساس، نفس الموضوعة القديمة (العودة الى الماركسية) الاصيلة ؟ منصور حكمت: كلا. ليست الشيوعية العمالية، من الناحية الفكرية والنظرية، شيئاً سوى الماركسية وكما تظهر في الكتابات الكلاسيكية الماركسية. ولكن صياغة الموضوع على هذا النحو، أي "العودة الى الماركسية الاصيلة" لا هي صحيحة من وجهة نظر بحثنا، ولا توضح لنا العوائق الفكرية والعلمية التي نتطرق اليها تحت العنوان العام للشيوعية العمالية. وذلك لعدة اسباب: اولاً: (العودة الى الماركسية)، بحد ذاته، يعود بالاذهان الى اتخاذ نوع من المواقف الفكرية والنظرية. فمجمل الحركة المسماة بالحركة (المناهضة للتحريفية)، وفي مراحل مختلفة، وبفروعها المختلفة، لم تكن تدعي شيئاً غير ذلك. ليست الشيوعية العمالية نمطاً اخر من انماط الحركات المناهضة للتحريفية. قبل هذا، حين كنا نملك نفس هذا التصور العقائدي والفكري لهويتنا وعملنا، كنا نطلق على تيارنا اسم "الماركسية الثورية" والتي كانت تعبر، بصورة دقيقة، عن نفس هذاالولاء للأرثذوكسية الماركسية. الشيوعية العمالية عبارة عن تعلق وأنتماء أجتماعي، ومن ثم حركة فكرية. الشيوعية العمالية بصدد تنظيم الحركة الاشتراكية الموجودة حالياً لطبقة خاصة، الطبقة العاملة. والماركسية بالنسبة لنا، على وجه الدقة، عبارة عن الراية لنفس هذا التقليد الطبقي. ثانياً، يستطيع شخص العودة الى شيء ما حين يكون بعيداً عن ذلك الشيء. الواقع هو كذلك حين يكون تيار معين قد شخّص نفسه ضمن تأريخ الشيوعية غير العمالية وطبعاً غير الماركسية المعاصرة، ولكي يبتعد عن هذا التقليد، يجب ان يرجع الى الماركسية. من الناحية الفكرية او الاجتماعية، يجب العودة الى موضع وموقع آخر. ولكن بحثنا هو ان الشيوعية العمالية حركة وتيار اجتماعي متمايز عن الحركة الشيوعية غير العمالية لحد الان ومستقر في مكانه الطبيعي. في البداية، ظهرت النظرية الماركسية في قلب هذه الاشتراكية العمالية، وكانت الاحزاب الشيوعية العمالية لفترة ما ذات نفوذ فكري ومتحدثين للماركسية في زمنهم. وبعد التغيرات التي طرأت على الاممية الثانية، وبعد انتصار القومية والاصلاحية في روسيا نهاية العشرينات، وبتطور القومية اليسارية في البلدان الواقعة تحت سلطة الامبريالية وخاصة مع الثورة الصينية، مع ظهور (الماركسية الغربية)، ومن ثم اليسار الجديد، بدأ تغير الاستخدام الاجتماعي للماركسية خطوةً خطوة، واصبحت الحركات الاجتماعية غير العمالية، في اشكالها المختلفة، المفسرة الرسمية للماركسية . ولم يكن بالامكان تغيير الاستخدام الاجتماعي لنظريات ماركس دون المساس بمحتواها العمالي والثوري الواضح. وان توجّه نحو المضمون الواقعي والطبقي للماركسية، بالنسبة للتيارات التي ظهرت من رحم هذه التقاليد، يعتبر عودة للماركسية. بعبارة اخرى، انا لاارى المسألة توضيحاً فكرياً. فالشيوعية العمالية، من الناحية الفكرية، تعني الماركسية. ومن الناحية الاجتماعية، تعني حركة العامل الاحتجاجية المعادية للرأسمالية. ان هذه الحركة موضوعية، وتلك النظرية موجودة ايضاً. فاذا كنا نتحدث في قلب هذه الحركة، حينها تتمحور المسالة حول كيفية تنظيمها وجعل هذه النظرية مرشدها وموجهها بالتمام والكمال. ثالثاً، صيغة "العودة الى الماركسية" تبتعد عن الحلقة الاساسية في بحثنا الحالي. نحن ماركسيون في عالم مغاير وفي مرحلة مختلفة. وكان ينبغي حتى على ماركس اليوم ان يتحدث عن هذا العالم وعن الاوضاع بنفس الطريقة وبنفس المصالح الطبقية. العودة الى الماركسية، تعني لدى الكثير، تكرار الاحكام والتعابير الاساسية للماركسية. اما بالنسبة لحركتنا، للشيوعية العمالية، والتي لم تعد النظر مطلقا في هذه الاحكام والتحليلات الاساسية، فأن المسألة الاكثر حياتية هي استخدام الماركسية كنقد لعالم اليوم وللقوى الطبقية والسياسية الموجودة فيه. بأختصار، عبارة العودة الى الماركسية الواقعية لاتوضح ابداً اطار نقدنا و بحثنا الحالي. فلوفرضنا بقاء وثبات الاساس والهوية الاجتماعية لهذه الحركة، عندها يمكن الحديث عن التحريفية والنضال ضدها كمقولات مرتبطة بهذه الحركة الطبقية. ولكن حين تكون كل هذه الحركة، أوبالاحرى معسكرها العالمي، واقفة على حركات طبقية غير عمالية، لاتبقى المسألة، على الصعيد النظري، العودة لهذه او تلك النظرية والنضال ضد هذه التحريفية أو تلك. يجب أن ننتقد كل الاسس الاجتماعية للشيوعية الحالية، و من ثم افكارها. يجب ان يكون نقدنا هذا من موضع حركة اجتماعية مغايرة. ان شيوعية ماركس، الشيوعية العمالية، قبل ان تنتقد افكار الاشتراكية غير العمالية في زمنها، وقبل ان تنادي بتغيير العقائد، اوضحت المكانة الاجتماعية لهذه الحركات كحركات غير عمالية؛ وابرزت مقابل هذه الحركات الحركة الاجتماعية للطبقة العاملة واحتجاجها الاشتراكي العمالي. ان ماركس انتقد ونبذ اشتراكية عصره في قلب حركة اجتماعية مغايرة. وهذا هو ما نريد انجازه اليوم، وذلك بطرح بحث الشيوعية العمالية. بسوي سوسياليزم: نريد توضيحاً اكثر حول النقطة الاخيرة. تقولون بأن اختلاف وتباين الشيوعية العمالية مع الشيوعية والاشتراكية الموجودة هو اختلاف وتباين اجتماعي ومن ثم يأتي الاختلاف النظري. اريد ان يتضح اكثر سبب هذا التأكيد ومكانته في بحثكم . منصور حكمت: في السابق، وضحت الشيوعية العمالية وكشفت عن نفسها وعن تمايزها مع الاشتراكيات الاخرى. فالبيان الشيوعي كان في الاساس بياناً من اجل هذا. وكانت طريقة ماركس في البيان الشيوعي هي الفصل الاجتماعي للشيوعية العمالية عن سائر الاتجاهات وليس فصلها الفكري المدرسي. وهنا، بعد ان يوضح ماركس الشيوعية العمالية كحركة اجتماعية وكرّدِ فعلٍ طبقي خاص ضد المجتمع الرأسمالي، يَعِدُّ الفروقات والاختلافات بين هذه الحركة واشتراكية الطبقات الاخرى: الاشتراكية الاقطاعية، الاشتراكية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة. يشخص البيان الشيوعي هذه التيارات كحركات طبقية معينة، ناتجة عن اوضاع معينة، وقائمة من اجل مصالح معينة، وليست كمدارس فكرية، ثم يفصلها عن الشيوعية العمالية. أي بعبارة اخرى، يتحدث ماركس عن تجابة حركات اجتماعية. وعلى هذا الاساس فقط، يتحدث عن تجابة الاراء والافكار. الشيوعية العمالية لدى ماركس حركة واقعية، آنية، موضوعية، اجتماعية، تسبق افكاره ومحاولاته، افرزت من داخلها حتى الان القادة المفكرين والصياغات النظرية. كان هدف الماركسية هو تنظيم وتعبئة هذه الحركة وتسليحها بأفاق واهداف واضحه، كنقد عميق راسخ للمجتمع القائم، واصبحت الماركسية بسرعة راية الشيوعية العمالية. نحن ننظر اليوم الى العالم بنفس طريقة البيان الشيوعي والشيوعية العمالية، بالنسبة لنا، قبل كل شيء، حركة اجتماعية موضوعية، وعلى هذا الاساس، فقط نلج باب الفكر والسياسة الموجهة لهذه الحركة واختلافها عن سائر الاتجاهات الاشتراكية في المجتمع المعاصر. ان هذا، بالضبط، هو عكس تصور جميع الاتجاهات الشيوعية القائمة حول المسألة. ان احد اوجه انفصال هذه الشيوعية عن الطبقة العاملة والشيوعية العمالية هو انكار هذه الموضوعية الاجتماعية للشيوعية العمالية. فالاشتراكية العمالية لدى هؤلاء مشتقة من الايدولوجيا الاشتراكية، وان المدرسة الفكرية الاشتراكية تخلق الاحتجاج الاشتراكي للطبقة العاملة. انهم يعتبرون الماركسية، رغم كل ما لديهم من تصورات حولها، مصدر الاشتراكية العمالية. فالعلاقة بين الحركة والفكر، بين المجتمع والادراك بالنسبة لهم، علاقة مقلوبة تماماً. فاذا اعتبروا هذه الماركسية ماركسية محرفة ومعاد النظر فيها، لابد ان ينكروا حينذاك موضوعية الاحتجاج الاشتراكي للعمال. نحن نتبنى الحركة الاجتماعية والاحتجاجية العمالية ضد المجتمع الحالي. واليوم، عندما نرى هذه الماركسية وتلك الشيوعية الحزبية التي آلت على نفسها و وضعت نصب اعينها هدف تنظيم وتعبئة هذا الاحتجاج الاشتراكي العمالي قد أُجبرت على التراجع، وان الشيوعية الحالية تتعقب اهداف اجتماعية أخرى، فان هذا لا يعني شيئاً سوى ضعف هذه الحركة وغموض افاقها وغياب قادتها وليس فناءها. ولوكان ماركس اليوم على قيد الحياة، وينظر الى المجتمع ويرى احتجاج العمال، لبدأ بكتابة بيان شيوعي عمالي كي يرفع راية الاحتجاج الاشتراكي العمالي، ولأعطى هذه الحركة افقاً وانتقاداً في مواجهتها مع جميع اشتراكيات الطبقات الاخرى والتي للاسف وضعت على صدرها اسم الماركسية. نحن اليوم نفتقر الى ماركس. ولكننا نملك حركتنا الاجتماعية والطبقية. ولحسن الحظ، هناك النفوذ العميق لماركس فيها بشكل ميل غريزي واخر عفوي للعامل المناضل بالماركسية . ان موضوع الشيوعية العمالية، بالنسبة لنا، يعني رفع راية هذه الحركة والاحتجاج الاجتماعي المغاير وليس ابداع اتجاه او مدرسة فكرية اخرى ضمن اصول وقواعد الشيوعية الموجودة. جوابنا على هذه الشيوعية جواب اجتماعي. انتقادنا عملي واجتماعي. موضوع عملنا مختلف. جوابنا هونفس الجواب الذي نجيب به البرجوازية بصورة عامة: اقامة حركة شيوعية عمالية مقتدرة. بسوي سوسياليزم: ادرك تماماً الاهمية التي توليها للفصل الاجتماعي للشيوعية العمالية واسبقية تحليلها على أي شكل من اشكال التمايز الفكري والسياسي. ولكن هناك سؤالان اساسيان يطرحان نفسهما الاول: هو الموقع الذي تحتله النظرية وفق هذا الترتيب، والتمايز النظري مع الفروع الاخرى التي تدعي الماركسية والاشتراكية في وجهة النظر هذه. والثاني: المواضيع التي يجب ان تتمحور حولها مثل هذه المناقشات النظرية حسب رأيكم. بالنسبة للسؤال الاول، أي مكانة النظرية والجدال النظري. اريد ان اوجه انظاركم الى هذه النقطة وهي ان التقابل بين النظرية والحركة هي اسلوب تعامل قديم في الحركة الشيوعية. الا تعتقدون بأن يُدان بحثكم الحالي على انه يخوض نفس الاطار الفكري القديم لليسار حيث يؤكد على الحركة بدلاً من النظرية ؟ منصور حكمت: يُحتمل ان يتهم بحثي باتهامات كثيرة منها "تقديم الحركة على النظرية"او"الاقتصادوية" اوتقديس "العفوية" مقابل الادراك والوعي او غير ذلك. اعتقد بان سمة بحثنا، قبل ان تذكر شيئاً بصدد محتوى نظراتنا و كشف نواقصها، تُبَيّن التفكير المتحجر لمنتقدنا المزعوم. المسألة ليست مسألة "النظرية ام الحركة". السؤال الاساسي هو: "اية حركة؟". حديثنا كله يتمحور حول فروع الاشتراكيات المختلفة الحالية، وعلى الرغم من وضعها صورة المطرقة والمنجل فوق رايتها او ترديدها لاسم ماركس اولينين، هذه الاشتراكيات كلها كانت حركات اجتماعية طبقية ساخطة اخرى هدفها اصلاحات وتحولات غير اشتراكية. اما فيما يتعلق بالعلاقة بين النظرية والعمل السياسي للاحزاب في هذه الحركات، ايهما يقع تحت تأثيرالاخر وغير ذلك يمكن تناولها داخل هذه التقاليد. حديثنا يخص الانتماء الى حركة اجتماعية اخرى تتواجد وتوجد بالقرب من هذه الاشتراكية غير العمالية بنظريتها المختلفة وبممارستها المختلفة. ومن البديهي في هذه الحركة التي نحن بصددها، أي الشيوعية العمالية، فأن النظرية والحركة لا يمكن الفصل بينهما الى ميادين مختلفة قائمة بذاتها. ان مسألة تقديم النظرية على الحركة او بالعكس، لاتعني شيئاً في منهجنا الفكري. انها عبارة عن اوجه مختلفة لابراز وجود حركة اجتماعية واحدة. باعتقادي، ان من يقرأ البيان الشيوعي بصورة دقيقة يفهم ان هذا البيان هو بيان لحركة احتجاجية عمالية وليس طرح خطوط علمية لمعرفة المجتمع تُجيز لكل فرد بمعزل عن هذه الحركة الاحتجاجية الطبقية القيام بتدريسها وتمحيصها وتحويلها الى فرع من فروعه . باعتقادي، ان المصير الذي آلت اليه الماركسية من الناحية النظرية والعقد النظرية التي طُرحت داخل التقليد الماركسي الحالي والتي اصبحت ركائز للتمايز بين الخطوط والاتجاهات والاقطاب المختلفة داخل الحركة المسماة بالحركة الشيوعية، لا يمكن إدراكها بمعزل عن المصير الاجتماعي للماركسية والاستخدام الطبقي لهذه النظرية عملياً. مثلما ان نظرة فلسفية معينة، مدرسة فكرية، لايمكن تقييمها بصورة مفصولة عن اسسها الماديةالاجتماعية وضروراتها التأريخية الطبقية. كذلك ان الموضوعات التي تُساق داخل تلك المدرسة الفكرية وتصبح موضوع جدال، لايمكن ادراكها دون العودة الى المصالح الطبقية التي تقف وراءها. الماركسية، كنظرية، وكمدرسة فكرية، لها انسجام داخلي، لها منهج، وتصل الى استنتاجات معلومة ومحددة حول المجتمع والسياسة والعمل النضالي. الماركسية، كنظرية، بحد ذاتها، يمكن مطالعتها وفهمها. يشتد الجدال والتمايز داخل المدرسة الفكرية، وتُطرح مسألة التفسيرات المختلفة والمتناقضة احياناً لهذه النظرية، وحين تبرز مسألة استخدام هذه النظرية في العالم الواقعي، تبحث الميول والتيارات الاجتماعية المختلفة في هذه النظرية لكي تُجيب بها على مشاكلها الخاصة. على سبيل المثال، اعطت نظرية ماركس وجهة نظر معينة حول الثورة الشيوعية وشروط تحقيقها و وظائفها. اما "عقدة الاشتراكية في بلد واحد" في روسيا، فانها ظهرت ضمن صراعات تأريخية واجتماعية بين الاتجاهات الحية الموجودة في الثورة الروسية حول التطور الاقتصادي الروسي. لقد وضع ماركس بطريقة معينة ومعلومة العلاقة بين السعر والقيمة في المجتمع الرأسمالي في كتاب الرأسمال. ولكن مشكلة "تحول القيمة بأسعار انتاجية" تتحول فقط الى عقد نظرية ضمن اوضاع تأريخية واجتماعية معينة ومن قبل اتجاهات اجتماعية معينة. مسألة دكتاتورية البروليتاريا، مسألة العلاقة بين البنية التحتية والبنية الفوقية وتأثيراتهما المتبادلة، الاشتراكية والسوق وغير ذلك والتي كانت مصدر جدال مهم ومطول داخل التقاليد التي تدعي الماركسية، كذلك لايمكن بحثها بدون ادراك المصالح الاجتماعية التي تقف وراءها وبدون معرفة ما اذا كانت هذه العقد النظرية وهذا النقاش النظري هو اطار لأيةِ صراعات مادية وموضوعية اجتماعية. خلاصة قولي هو ان هذه المجادلات والمشاكل والعقد النظرية غير ناتجة من التعمق والتفحص العبقري في نظرية ماركس وايجاد "الابهامات والغموض" فيها كمدرسة فكرية، بل هو نتيجة صيغة خاصة حاولت التيارات الاجتماعية المختلفة استخدام الماركسية وفقها. يمكن ان تكون هذه الجدالات في الواقع قد وجهت انظارنا الى وجود غموض في النظرية نفسها. الاّ انني شخصياً لا اعتقد ذلك. وحتى في هذه الحالة كذلك، فالمسألة الاساسية لاتكمن في قابلية النظرية على التفسير، بل وجود مفسرين مختلفين ووجود مصالح اجتماعية مهمة في عرض تفاسير متنوعة للماركسية. باعتقادي، كل المصائب التي حلت بنظرية ماركس ناتجة من محاولات حركات اجتماعية متنوعة لتحويل هذه النظرية الى وسيلة من اجل احراز تقدم في مجالات لا تنسجم معها هذه النظرية. ليست الماركسية نظرية اقتصادية لحساب الاسعار والقيم والوصول الى معادلات رياضية من اجل ايجاد التوازن بين الاقسام الانتاجية، فاذا ما حاول امرء ما الاستفادة من هذه النظرية، من هذا المنطلق، فهو يحتاج، دون شك، الى احداث تغيرات فيها وهو عمل لايقدر عليه دون نقد نظرية القيمة لدى ماركس او تبديل ماركس بريكاردو. وفي الحقيقة، أعتقد ان القسم الاعظم من هذه العقد النظرية في التقليد الماركسي، لحد الان، ترجع في جذورها الى صراعات بين التيارات التي ابعدت الحلقة الرئيسية لهذه النظرية، اى نقد الرأسمالية وضرورة الثورة العمالية، جانباً، وحاولت ان تخلق من هذه النظرية علم اجتماع علمي او علم اقتصاد بديل للجناح البرجوازي اليساري او ان تصنع منها مبررات نظرية لاكثر المصالح المادية لاعمالية، قومية روسية وصينية واختلافات عُصبوية وغير ذلك. لذا حين تسألني عن كيفية تعاملي مع النظرية. يستوجب توضيح حدودي مع هذه الاستخدامات الاسكولاستيكية المدرسية او الانتهازية للماركسية. فالنظرية والنضال النظري لهما مكانة مهمة ومصيرية بالنسبة للاشتراكيةالعمالية. ولكن، بالنسبة لنا، الماركسية اداة نقد ووسيلة لمعرفة اعمق جذور المصائب التي يرزح تحت وطأتها البشر في هذاالمجتمع بصورة عامة والعامل بصورة خاصة. وسيلة لكسب وعي ذاتي اجتماعي وتأريخي عميق للعامل ومعرفة الامكانات الموجودة التي تؤدي الى تغيير المجتمع الحالي. ان هذه خواص ايجابية لنظرية ماركس والتي كان يمكن بثها مباشرة في المجتمع والطبقة، لولا استخداماتها اللاعمالية لحد الان، وايجاد صف فكري مقتدر مقابل الاراء السائدة في المجتمع. يجب ان تكون الشيوعية العمالية تياراً فكرياً مقتدراً في المجتمع مقابل الاتجاهات والتمايلات الفكرية الاساسية للبرجوازية كالليبرالية، الديمقراطية، القومية، الانسانوية، الاشتراكية الديمقراطية وغيرها. ولا تكون فقط رواية اخرى عن الماركسية بوجه تيارات مثل الماوية، التروتسكية، الاشتراكية الروسية او اليسار الجديد. هذه هي المكانة التي نعطيها للنظرية. لاحظ نحن جئنا وتحدثنا عن الخصائص الاجتماعية والطبقية للشيوعية. نحن قلنا بأنه، قبل ان يكون السؤال المطروح هو: "ماذا يقول الشيوعيون؟"، المسألة المطروحة هي: الشيوعية راية أي قسم من اقسام المجتمع، راية اية طبقة؟ قلنا بأننا مستعدون لفهم الشيوعية فقط بأعتبارها الحركة الاحتجاجية للعامل. وضمن الاحتجاج الاجتماعي لهذه الطبقة فقط، يمكن ادراك وفهم الشيوعية والنضال من اجلها بأعتبارها مدرسة فكرية اورؤية ونظرية ثورية. قبالة هذا، كان ردّ الفعل "ماذا يحل بالنظرية؟". اعتبر هذه ردة فعل طبيعية لنفس القسم والطبقة الاجتماعية ونفس الاصول السياسية التي انا بصدد انتقادها. فالشيوعية، بالنسبة للاشتراكية الراديكالية الموجودة، نظرية بحد ذاتها. والتقليل من شأن الشيوعية الى حد اعتبارها نظاماً فكرياً ذا منفعة عامة، الى مستوى "علم التأريخ" وغير ذلك ماهي الا قناة معينة يحاول عن طريقها المثقف البرجوازي اليساري والبيرقراطي، الاصلاحي، القومي والديمقراطي الصيني و البوليفي و الايراني ان يصبح كالعامل ذا حق على الماركسية والشيوعية. عندما نقول بان الشيوعية تستحق هذا العنوان فقط عندما تكون تياراً عمالياً، يقولون ماذا يحل بالنظرية. واعتقد ان غايتهم هي "ماذا يحل بنا نحن؟". اعتقد باننا نضع حالياً النظرية في مكانها الواقعي. فاذا كانوا لم يفهموا من ماركس كون الشيوعية ليست حركة عقائدية، بل انها حركة اجتماعية طبقية معينة، حركة عمالية، حينها يجب ان لانعير اهتماماً لعدم اطمئنانهم على النظرية قبالة بحث الشيوعية العمالية. ان انتقاداً من هذا القبيل لموضوعنا يعني عدم ادراك اسس الماركسية بمثابة نظرية. دعونا نقول "ماذا يحل" بالنظرية. ستتحول النظرية من وسيلة لصياغة الغموض ، وسيلة لتبرير المصالح اللاعمالية تحت اسم الماركسية، وسيلة لنشر الاوهام حول الجناح اليساري للبرجوازية، وسيلة لاعطاء الاولوية للمتعلمين وحتى داخل الاحزاب الماركسية ومسائل من هذا القبيل، الى نفس النقد القاصم، العمالي، العميق والمدرك الذي نراه في الماركسية الكلاسيكية. تتحول النظرية مرة اخرى الى سلاح قاطع في النضال الطبقي، تتحول الى بيان فضح، واضح، شفاف، يمكنه ادراك المجتمع الحالي وكل الياته التي تبدو معقدة، تتحول الى قوة مادية في المجتمع تكون عقلية العامل المحتج في العالم المعاصر. ان بحث الشيوعية العمالية، بالنسبة لنا، كان حصيلة تعمّق نظري فائق، وهو يضع امامنا وظائفاً نظرية متنوعة اكثر جدية من ذي قبل. اعطتنا الشيوعية العمالية من الان فصاعدا اطاراً يمكن، على اساسه، البدء بحملة نظرية واسعة. بسوي سوسياليزم: تتضمن هذه الحملة النظرية، دون شك، التمايز النظري مع الفروع المختلفة لما يسمى بالحركة الشيوعية الموجودة، وتحدد بالتالي ما يمكن عمله اتجاه المعضلات والاسئلة المحورية والعقد المطروحة داخل هذه الحركة، أي بعبارة اخرى، يجب ان نبين كيف ان الشيوعية العمالية بمثابة رؤية وتقليد ماركسي معين تميز نفسها عن التقليد الذي يدعى الماركسية. سؤالنا هو ان هذا الجدل والتمايز النظري مع هذه التيارات والمدارس الفكرية يجب ان يتمركز حول اية محاور، ويتبع اية اولويات؟ منصور حكمت: دعني، باديء ذي بدء، ان اوضح نقطة معينة. ان التيارات اليسارية الراديكالية، بصورة عامة، حين تتحدث عن النضال الفكري تقصد، في البداية، جدالا "حول الماركسية" مع كل فروع اليسار الاخرى. ان لـ"النضال الايديولوجي" لدى هذه التيارات معنى الجدل داخل المدارس الفكرية. وحتى نحن، في السابق، عملنا على هذا المنوال كثيراً. انا لا استطيع هنا الخوض في موضوع كيفية واثناء اية مسيرة اكتسب النضال الفكري هذا المعنى الضيق؟ ولكن يجب على ان اقول بأن هذا كان انعكاس للخاصية غير الاجتماعية والفئوية لليسار الراديكالي وما يسمى بالشيوعي. النضال الفكري، بالنسبة لنا، وجه من اوجه النضال الطبقي، وهو، بالتالي، نضال ضد الاراء السائدة في المجتمع، اراء نفس الطبقات التي وقفنا ضدها كطبقة في العالم المادي وعلى الصعيد العملي. نضال ضد الافكار والمدارس الفكرية والتقاليد النظرية البرجوازية والتي استطاعت ان تطبع اذهان عشرات الملايين من الناس بطابعها. الجدال مع مُدَّعي الماركسية زاوية من هذه المسألة ولكنه ليس المحور الاصلي ابداً، وهو بالاخص ليس المجرى الذي تتوضح من خلاله المعالم النظرية للشيوعية العمالية. وان الحملة النظرية التي تحدثت عنها، الحملة التي تبدأ بها الشيوعية والاشتراكية العمالية والماركسية بمثابة حركة طبقية، حملة ضد التقاليد الفكرية الاساسية للبرجوازية. التقاليد التي لاتملك حتى ادعاءات ماركسية. نحن في ميدان الصراع الفكري، نواجه الليبرالية والديمقراطية، نواجه القومية والاصلاحية والاشتراكية الديمقراطية والفوضوية وما شاكلها. في الحقيقة، اعتقد ان الجدال مع الاطراف التي تدعي الماركسية يستحيل دون العودة الى النفوذ العميق لهذه التقاليد الاكثر اصالة من الناحية النظرية والسياسية في تفكير وتصور اشباه الماركسيين. بسوي سوسياليزم: يجب ان توضح هذا الموضوع بصورة اكبر، ذلك ان الجدال داخل المدرسة الفكرية او داخل الحركات جزء لا يتجزأ من التقاليد الشيوعية والتي كانت نفس التقاليد الشيوعية العمالية لماركس ولينين، لدينا جدال ماركس والماركسيين ضد افكار برودون ولاسال، جدال لينين مع مفكري الاممية الثانية والتي تعرّف الى حد كبير الخصائص السياسية والفكرية لللينينية، ومن ثم لدينا مسألة التحريفية والتي كانت منذ مدة بمثاية العائق الواقعي الحائل دون تشكيل الاحزاب الماركسية الثورية وتطور الاشتراكية العمالية الواقعية. ماهي مكانة هذا البعد النضالي الفكري من وجهة نظركم؟ منصور حكمت: انا لا انفي ابداً الجدال داخل المدارس الفكرية، وبالطبع لا انفيه داخل الحركات. ولكن دعنا نرى هذا الجدال عندما كانت الماركسية والشيوعية العمالية في الواقع احد اطرافه. في أي اطار تأريخي قد جرى، وماذا كان دوره ضمن النضال الفكري العام للشيوعية العمالية. ان الذي يجعل من الماركسية ماركسية والشيوعية شيوعية ليس التمايز الجدلي لماركس مع برودون ولاسال. انه انتقاد ماركس الكلي للرأسمالية والفكر البرجوازي بصورة عامة. وينتقد ماركس الايديولوجية الالمانية والفكر الفلسفي الذي سبقه. ينتقد، بأدق التفاصيل، مفكري الاقتصاد السياسي الذين عاصروه ومن سبقوه. والاهم من هذا كله، ينتقد ديناميكية المجتمع الموجود وظواهره من اضطهاد وفقر واستعمار وعبودية وفحشاء واديان وديمقراطية وقومية وغير ذلك. يعلن ماركس الحرب على الطبقات الحاكمة والاراء الحاكمة في المجتمع. فبدون كتاب رأس المال والايديولوجيا الالمانية، لايمكن نقد برنامج غوتا، ولايشكل مدرسة وتقليداً فكرياً. تنتقد الماركسية وضيعة اقتصادية، سياسية وفكرية عامة وسائدة. وتمضي، على هذا الاساس، صوب المنتقدين السطحيين وغير الثوريين لهذا النظام كذلك. ضربتم مثلاً على الاممية الثانية ومناظرات لينين معها. انا اسأل: بدون نقد الامبريالية والقومية، وبدون نقد الديمقراطية البرجوازية بمثابة اراء وافكار خارج حدود التقاليد الماركسية، كيف كان يمكن مجابهة الاممية الثانية. كان هذا الانتقاد الشامل الذي اعطى لللينينية شكلاً بمثابة تيار فكري ثوري وذي اعتبار ونفوذ مقابل الاممية الثانية. ويجب ان اضيف هنا بان كل من ماركس ولينين وجدا انفسهما امام ميول شبه اشتراكية مقتدرة. انها كانت تيارات وضعت فكر العامل المحتج تحت تأثيرها على الصعيد الاجتماعي. وباعتقادي، فان الجدال مع التيارات الحية الاخرى داخل الحركة الطبقية بالمعنى الواقعي للكلمة مسألة حياتية دوماً ولا اضع هذا تحت عنوان مناظرة المدارس الفكرية. يجب ان يُبحث موضوع التحريفية بتفصيل اكثر. فكلما تقدمنا الى امام اصبح معنى التحريفية اكثر دينيةً واكثر فقهياً. وبالنسبة لشيوعية عهد ماركس، لم يكن بالمقدور طبعاً طرح مقولة التحريفية. بالنسبة للينين كان لاعادة نظر الميول الاخرى في الفكر الماركسي لها علاقة مباشرة مع الحركات الاجتماعية والقوى المادية التي تستوجب اعادة النظر هذه. أي بعبارة اخرى، التحريفية، لدى لينين، هي راية تيارات مادية واجتماعية غير عمالية معينة كانت، في البدء، وبحكم مكانتها السياسية والاجتماعية، موضوع انتقاد. في هذا الاطار، أي في الجدال مع الحركات السياسية للطبقات الاخرى، يدافع لينين عن صحة الاحكام الماركسية ويحاول منع تحريف الماركسية من قبلهم. هنا اقصد بأن التحريفية، قبل ان تُطرح في اطار المدرسة الفكرية او تبرز كونها حرّفت أي من الاحكام الماركسية، تعني الراية الفكرية لمصالح وحركات اجتماعية غير شيوعية وغير عمالية. تعني التحريفية، بمعناها غير الديني، ظهور حركات اجتماعية غير شيوعية وغير عمالية بأسم الماركسية. وقد عمل فرع من فروع حركة رأسمالية الدولة في الاتحاد السوفيتي بأسم الماركسية، وبالطبع اعطى تفسيراً خاصاً لهذه النظرية. ان هذه تحريفية. وكذلك الحركة القومية والمعادية للاستعمار في الصين. هذه تحريفية اخرى كذلك. الشيوعية العمالية، بمواجهتها للقومية ورأسمالية الدولة الموجودة، كذلك تواجه الجدل مع الفروع شبه الماركسية التابعة لهذه الحركات. اما الهوية السياسية والنظرية للشيوعية العمالية، على العكس من حركة اليسار الراديكالي المعادي للتحريفية، لاتُستنتج من التمايز مع الماوية او مع ما تم التصديق عليه في المؤتمر 20 و 22 للحزب السوفيتي ومع اطروحة طريق التطور اللارأسمالي وغير ذلك. بعبارة اخرى، ان الخاصية المدرسية نفسها للحياة الفكرية لليسار الراديكالي وحقيقة انهم يستنتجون هويتهم الخاصة على اساس التمايز النظري مع الاقطاب والمعسكرات الاشتراكية والشيوعية القائمة دليل على تعلق الطرفين بموقع واحد وحركة اجتماعية واحدة. يستقر اليسار الراديكالي، ولحد الان، مع الاقطاب التي ينتقدها في ميدان اجتماعي وطبقي مشترك واحد. ان تمايز هؤلاء مع التحريفية في الاتحاد السوفيتي والصين تمايز مدرسي وشبه ديني. حيث انهم، وفي الميدان الاجتماعي، لم يمثلوا حركة مستقلة ومختلفة ولم يدافعوا عن اهداف وامانِ مختلفة. كان لديهم نفس الانتقاد للرأسمالية ونفس التصور للاشتراكية. وكانت مشاكلهم تتلخص في "انحراف" هذه الاقطاب عن احكام نظرية او سياسات او تاكتيكات معينة. ان مجمل فروع اليسار الراديكالي، من الناحية الاجتماعية، من البورديغية والتروتسكية، ولحد الان، تواجدت كمنتقدة لهذا الميدان الرئيسي، أي التحريفية السوفيتية، واستناداً الى وجود هذا الميدان الرئيسي. فلا يستطيع احد ان يُعّرف التروتسكية بصورة مستقلة باعتبارها تياراً يواجه المجتمع البرجوازي. هذا التيار هو نتاج فرعي لنفس هذا الميدان الرئيسي. رواية خاصة في نفس الحركة الاجتماعية. خلاصة قولي هو انه، وان يكن على الشيوعية العمالية بالطبع ان تقول كلمتها مقابل هذه التقاليد ايضاً، ولكن هويتها السياسية تتجسد في مواجهتها للمجتمع البرجوازي، بصورة عامة، ومع الميول والحركات السياسية والاجتماعية الاصيلة للبرجوازية في كل مرحلة. ضربتم مثلاً حول الجدال السابق للاصول الماركسية والشيوعية العمالية. حسناً، ولكنني اسأل أي جدال نظري ضروري اليوم لتشكيل صف الثورة العمالية هل هو الجدال مع الماوية والتروتسكية واليسار الجديد وغيرها أم مع القومية، التريدونيونية، التاتشرية وغيرها، أي بمعنى الجدال مع تلك الافكار والتفاسير عن المجتمع الحالي التي تشكل ذهنية العمال و المجتمع بوجه عام. منذ ماركس ولحد الان، ارادت الشيوعية العمالية مجابهة طبقية شاملة مع البرجوازية والمجتمع البرجوازي وليس الحفاظ على الصفاء والنقاء الفكري فقط بالمقارنة مع اكثر التيارات المجاورة يسارية. اسمح لي ان اضيف بعض النقاط: اولاً، يجب ان نلاحظ في المرحلة التي نحن فيها الان ما هو مدى ارتباطهم بماركس. يظهر، في الواقع، انهم اما يرددون "نهاية الماركسية" مع هذا وذلك او يطأطؤون رؤوسهم حتى تمر هذه الموجة. في اواخر الستينات واوائل السبعينات، عندما كانت الماركسية سائدة بين المثقفين، كان الشعور اقوى بضرورة تدخل الاشتراكية العمالية في النضال من اجل اثبات حقانية الرواية العمالية للماركسية. ثانياً، يجب ان لا نقع في فخ النضال المدرسي. ولكي ننتقد الماوية والشعبوية، على سبيل المثال، لسنا بحاجة الى العودة بشكل مستفيض الى ما قاله ماركس. يستطيع المرء ان يبحث عن لب القومية وحلقتها الاصلية بصورة مباشرة ويفضح مضمونها. وبأعتقادي، ان الافراط في الجدل "داخل المدارس الفكرية" مع هذه التيارات يزيد من الغموض حول هويتها ووجودها الاجتماعي. ثالثاً، مثلما ذكرت، فان الروايات الاخرى عن الماركسية ليست نابعة من سوء الفهم اوالتباين في المعارف، انها تفسير نزعات اجتماعية اخرى عن الماركسية بصفتها نظرية بحتة، تفسير القومية والاصلاحية والديمقراطية بصفتها حركات اجتماعية لمدرسة فكرية وسياسية. هذه التيارات لم تتلاعب بالماركسية فقط. على سبيل المثال احد اركان القومية هي العنصرية. وعبر هذا المسير يمكن ان تعطي كذلك تفسيراً خاصاً عن الداروينية. ولكن الجدال في ميدان البايولوجيا ونظرية التطور الطبيعي لم تخلق التمايز فحسب، بل وتسدل الستار على اصل الخلاف ايضاً. رابعاً، بريق الجدال النظري وموضوع "ماذا كان يقول ماركس في الواقع" يعكسان، الى حدّ ما، وجود جماعة من المخاطبين اوجدتهم النزعات غير العمالية لنظرية ماركس. فقد صنع المثقف البرجوازي من هذا الجدال مهنة. وبقيت هذه المهنة الى سبعة اوثمانية سنوات سابقة مستقلة عن النضال الشيوعي وجذابة بالنسبة لهم. واعتقد انه بقدرما ينتقل مركز ثقل النشاط الشيوعي الى داخل الطبقة العاملة، وبقدر ما يصبح القادة العماليون المخاطبين الرئيسيين لهذا الجدال النظري، تقل الخصائص المدرسية للتمايزات النظرية وتظهر بحالة اكثر كلاسيكية مثل تقابل الاشتراكية والقومية، الاشتراكية والليبرالية وماشاكله. ولكن على أي حال، حتى في النضال الفكري مع التيارات التي تدعي الماركسية، يجب ان تكون الركيزة الاساسية في عملنا هي رؤية انعكاسات الحركات الفكرية الاساسية للبرجوازية في تفسيرها للماركسية والسياسة الشيوعية. فقط حينما يظهر تعفن القومية بمثابة نوع من التفكير، بمثابة نافذة معينة يُنظر منها الى العالم الحالي، حينها يمكن كشف المحتوى غير العمالي وغير الماركسي للشعبوية والماوية. فاذا ماكان هناك يسار كاليسار الراديكالي الايراني في السنوات العشرة الاخيرة أو جميع تقاليد الشعبوية والماوية والتي تفتخر كذلك بقوميتها، وعلى أي تقدير لم تتعود على النفور من القومية، فأن الجدال مع هؤلاء حول الماركسية والسياسة الماركسية خدعة للنفس وبدون طائل. يجب، باعتقادي، ان نتصور اليسار اللاعمالي كقسم معين من حركة اجتماعية أعم واكثر اصالة للبرجوازية في المجتمع. ان الطرق على هذا الجزء شبه الماركسي لهذه الحركة الاعم للبرجوازية يأتي ضمن الاجابة الفكرية والسياسية على هذه الحركة العمومية. واخيراً، يجب ان اذكر كذلك بأنه، ومنذ أمد بعيد، تحولت الماركسية كنظرية الى فن وعلم للحفاظ على الانسجام والابقاء على الخط الفكري كل لعصبته. وقل شأن المنظر الماركسي ليصل الى مستوى شخص يستطيع الاجابة عن اسئلة افراد اعلنوا مسبقاً انضمامهم معه الى مدرسة واحدة. وخارج هذه الحدود، خارج هذا"السوق" المعروف مسبقاً، فأن المنظر المذكور ليس حتى مفكراً او ناقداً ذا اعتبار ونفوذ في عالمه المعاصر. وفي الحقيقة، حتى من ناحية القدرة الفكرية والمكانة المعنوية، يعتبر عادة مفكراً من الدرجة الثانية. لقد دخل ماركس المعركة مع العفاريت الفكرية للعالم البرجوازي وكان انتصاره عليهم انتصاراً معنوياً. وقد حطم هيغل وفيورباخ وريكاردو وسمث وميل ومالثوس على اساس تناقضاتهم. ويمكن ان يقال الشيء نفسه كذلك بالنسبة للينين، لوكسمبورك، تروتسكي، بوخارين، بروبراجنسكي والقسم الاكبر من قادة الشيوعية في اوائل هذا القرن. اما اليوم، فالمفكر والقائد الفكري لليسار الراديكالي، وبالاستناد الى مقدرته على الجدل مع النزعة الفكرية المجاورة والتمايز داخل المدرسة الفكرية مع نزعة اخرى، يمتلك مخاطبين ومؤيدين ومكانة ذات اهمية. ان فكره رائج في داخل العصبة، واهميته تكمن في اهمية عصبته وتياره. فاذا ما ازحت الماوية من الساحة، لن يبقى أي بتلهايم في ميدان التفكير النقدي. بأعتقادي، النظرية الشيوعية، وعلى اساسها المنظر والناقد الشيوعي، يجب ان يقف بوجه الاراء السائدة. يجب ان يجعل العالم مفهوماً وقابلاً للادراك من قبل السواد الاعظم للطبقة. يجب ان يلعب دوراً من اجل تشكل الشعور الطبقي العام. ولا يكون فقط مرشداً لجماعته والملتفين حوله. هكذا كانت الشيوعية العمالية. فمع ظهور هذا التيار، وبالاخص بعد تشكل وبروز رؤية هذا التيار للعالم من قبل ماركس والماركسية، ظهر تيار انتقادي ذو ابعاد اجتماعية واسعة. وبعد ظهور هذا التيار، تغير مفهوم المجتمع للدولة، الاقتصاد، الدين، العدالة، التأريخ ومستقبل البشرية، وبأختصار، كل جوانب المجتمع الانساني، تغيراً لا رجعة فيه. نحن الان بحاجة الى هذا. من الذي يقبل من الشيوعية والطبقة العاملة ان تنشغل في الجدال مع الماوية والتروتسكية واليسار الجديد وتعرّف نفسها بأنها نزعة فكرية حية، تيار انتقادي ذو نفوذ في العالم المعاصر، في الوقت الذي تطبع التقاليد الفكرية الاساسية للمجتمع البرجوازي اذهان مئات الملايين من الناس وفي كل ساعة وثانية في قالب اصالة الملكية، القومية، الاصلاحية، الديمقراطية، الليبرالية والعنصرية وغيرها. علينا ان نجيب على هذه الجماعات التي تدعي الماركسية. اما الشيوعية العمالية عليها، مرة اخرى، وبمثابة نقد اجتماعي عظيم، ان تقف بوجه الافكار السائدة في المجتمع. هذا مانريده نحن. الشيوعية العمالية بوصفها فكراً معيناً وتصوراً معيناً للعالم لا تستطيع ان تكتسب ابعاداً اجتماعية الا اذا تصدت للعالم البرجوازي والذهنية البرجوازية على صعيد اجتماعي. بسوي سوسياليزم: هذا صحيح تماماً. نفس الطريقة لتصور النظرية والوظائف النظرية للشيوعية العمالية دليل على انفصال فكري جدي عن اليسار اللاعمالي لحد الان. ولكن يمكن ان يقال بأن هذه المسألة لم يكن بالمقدور طرحها قبل اليوم، أي بمعنى انه في أوضاع وصلت فيها الاشتراكية البرجوازية بفروعها المختلفة الى طريق مسدود وكما ذكر في التقرير الى المؤتمر. اليوم، معاداة التحريفية بالذات لا تكشف شيئاً ولا تستطيع ان تكون دليلاً على حقانية تيار معين او صيغة تُعّرف وتُحدد الهوية السياسية والنظرية لتيار شيوعي ثوري. ولكنكم لو رجعتم الى ما قبل ثلاثين او اربعين سنة، ومع تسلط المعسكر شبه الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي على اذهان واعمال الشيوعيين حينها، يمكن ان يقال بأن ظهور أي تيار شيوعي واقعي وفي الواقع تطور الشيوعية العمالية كحركة حزبية يمر في مجرى النضال ضد التحريفية. هل هناك مكان بأعتقادكم لتقليد معاداة التحريفية، بالاخص في الاربعين سنة الماضية، في تأريخ الشيوعية العمالية؟ منصور حكمت: دون شك، اصبح ادراكنا وطرح نظراتنا اليوم اكثر بساطة من ثلاثين أو اربعين سنة مضت. حتى لو لم تكن حركة رأسمالية الدولة في الاتحاد السوفيتي قد فقدت مكانتها الكاذبة كوصي على الماركسية بعد، فأن للشيوعية العمالية وظائف تتعدى طراز "النضال ضد التحريفية". اما ظروف تلك الفترة لا تغير شيئاً في اساس موضوعي ولا تجر الى حكم ايجابي على التيارات المعينة التي وقفت بوجه هذا الميدان الرسمي (التحريفية السوفيتية) طوال هذه الفترة وانشقت عنها. ولا تقربهم اكثر من الاشتراكية العمالية بوصفها حركة او تصور للعالم ولا تعطيهم فيها مساهمة اكثر. ومن الطبيعي حين ننظر بشكل معين الى المحتوى الاجتماعي والانتقادي لهذه التيارات الناقدة لما يسمى بالمعسكر الاشتراكي، نرى ان ظهورها يتزامن مع ابتعاد الشيوعية، كنظرية وحركة، عن اسسها الطبقية. الماوية تنتقد الاشتراكية الروسية، ولكنها بنفس الدرجة غير ماركسية وغير عمالية. كذلك اليسار الجديد والتروتسكية والاوروشيوعية والتيار المؤيد لالبانيا وكذلك الاشتراكية الشعبية. وفي الواقع، يمكن مشاهدة انفصال الاشتراكية الراديكالية عن العامل والشيوعية العمالية بصورة اوضح خلف هذه التيارات وذلك لان ماضيها لم يكن ماضي ثورة عمالية عظيمة. وقد ظهرت وتموضعت، بصورة واضحة، في مراكز غير عمالية في المجتمع. وعلى الصعيد العقائدي، فأن الركائز الاساسية للاشتراكية البرجوازية في روسيا لم تتعرض الى النقد قط من قبل هذه التيارات. اذ هي تملك نفس الفهم والادراك للاشتراكية والملكية الاشتراكية. وعندما تمعّن النظر في خلافاتها، يظهر لك فيها بوضوح المصالح اللاعمالية وترى فيها نفوذ النزعات الفكرية والسياسية البرجوازية. ان نقد الاوروشيوعية، الماوية، الشعبوية لهذا الميدان الرسمي هو نقد قومي تماماً. وان نقد التروتسكية، الليبرالية اليسارية، واليسارية، واليسار الجديد للميدان ذاته هو نقد من موقع ديمقراطي. فلم تكن هذه التيارات الانتقادية، من الناحية العملية والاجتماعية، مطلقاً تمثل العمال في ميدان المواجهة مع هذا القطب الرسمي. بالعكس، كانت راديكاليتهم السياسية تتزامن مع تحول قواهم الفعالة الى قوة الطلبة والمثقفين مع انتقال مركز ثقل الاهتمام بالماركسية الى الجامعات ومحيط الاحتجاج الجامعي. انهم لم يرفعوا راية الاحتجاج العمالي ابداَ. انهم لم يكونوا ابداً حاملي راية الاحتجاج الاشتراكي العمالي ومنظميه بوجه الاشتراكية البرجوازية في روسيا. ولهذا، بعد عدة سنين، حين يتفتت هذا القطب الرسمي ويضمحل تحت ضغوط مادية اقتصادية وهجمات البرجوازية المؤيدة للسوق، نرى العمال لم يلتفوا حول راية هذه التيارات، بل وحتى نراهم يائسين من الاشتراكية بصورة عامة. فلو ان الشيوعية العمالية نظمت صفوفها بوجه هذه الاقطاب، لما كنا رأينا اليوم تدخل الكنيسة والمحافظين الجدد في الحركة العمالية الناهضة في بلدان المعسكر السوفيتي، ولما كنا رأينا سيطرة الاشتراكية الديمقراطية والتريديونينية على الاحتجاج العمالي في اوروبا الغربية. يمكن العودة الى ماقبل ثلاثين او اربعين سنة ومعرفة وظائف "معاداة التحريفية" للشيوعية العمالية، الوظائف التي لم تتحدد ابداً بتحطيم احزاب هذا التقليد. ولكن بأعتقادي لا يتصف نضال من هذا النوع من قبل الاشتراكية العمالية بالخصوصيات النظرية والعملية لليسار الراديكالي الناقد لروسيا. ليس لهذا اليسار الراديكالي بأعتقادي اية مشاركة مباشرة في تأريخ الشيوعية العمالية. يمكن ان يكون ذلك في تأريخ ظهور اشتراكية راديكالية ومقاتلة ولكن في تأريخ الاشتراكية العمالية، فلا. بسوي سوسياليزم: ذكرتم بأن النضال والتمايز الفكري والنظري مع التيارات الاشتراكية ومع التقاليد التي تدعي الشيوعية يتبع مواجهة الشيوعية للتيارات الفكرية الاساسية والاصيلة للبرجوازية في المجتمع، ماهي هذه التيارات؟ واثناء تطور وتقدم الشيوعية العمالية، ما هو بالتحديد التيار الذي يقف بوجهها؟ منصور حكمت: ماكنت أود التأكيد عليه اثناء اجابتي علىاسئلتكم السابقة هو أن الشيوعية العمالية ليست حركة فكرية تبحث عن ركائزها العملية. بالعكس، انها حركة مادية عملية متمايزة، وعلى هذا الاساس، يجب ان تكون متواجدة في جدال فكري عظيم على صعيد المجتمع كذلك. لذا، عندما نعرِّف جيداً صفنا الاجتماعي، كحركة، بوجه المجتمع الحالي وكل الحركات الاحتجاجية الاخرى، ومنها ما يكون تواجدها تحت اسم الاشتراكية والشيوعي، عندها فقط نستطيع ان ندخل في مواجهة نظرية مع هذا المجتمع وهذه الحركات. الشيوعية العمالية، الماركسية، انتقاد اجتماعي معين للنظام القائم، أي الرأسمالية، انتقاد قسم من المجتمع، انتقاد اساسي هدفه قلب هذا النظام من قبل طبقة ليس لها اية مصلحة في الحفاظ عليه. الشيوعية العمالية تعادي كل النظام الرأسمالي وتعادي وجوده. ولكن ليس هذا هو النقد الوحيد. فهناك، في قلب هذا المجتمع، رايات انتقادية اجتماعية اخرى رفعت، وحتى قبل الاشتراكية العمالية، واستقطبت حولها المجتمع البرجوازي. انها اتجاهات فكرية كونت المحيط الفكري والسياسي للمجتمع البرجوازي. وفي نفس الوقت، فأنها وقفت موقفاً انتقادياً بوجه هذا المجتمع لان كل منها (اي التيارات- م) تتضمن نماذج خاصة لتطور الرأسمالية، وتتخذ هنا وهناك، في هذا البلد او ذاك، مساراً محدداً لتطورالرأسمالية. اعتقد بأن الاتجاهات الاكثر اصالة والتي طبعت الفكر الرسمي والفكر الانتقادي في المجتمع البرجوازي بطابعها هي القومية، الديمقراطية، والاصلاحية. تأريخ الشيوعية العمالية هو تأريخ صراع مع هذه الحركات الاجتماعية ومع هذه الاهداف الراسخة في المجتمع كذلك. برأيي عانت الشيوعية العمالية، بمجملها، ولحدالان، من هذه التيارات على الصعيد الاجتماعي وكذلك حتى من ناحية امكانيتها وقدرتها العملية داخل الطبقة العاملة. وقد وقعت تحت تأثير هذه الحركات، ماعدا في مراحل زمنية قصيرة مثل اوائل العشرينات في المانيا وروسيا. ان نفس هذه التيارات، اساساً، لاتمثل الانقسام الطبقي في المجتمع، بل الانقسامات الموضوعية داخل البرجوازية. انها، سواء كان كل منها بمفرده او جميعها، كانت مصدر سلسلة من الحركات السياسية والاجتماعية في التأريخ المعاصر. وكل منها، وفي مراحل مختلفة، في هذا البلد او ذاك، كان لها اليد الطولى وتحولت الى الخط السياسي السائد في نفس صفوف الطبقة البرجوازية . كانت الميول المختلفة للشيوعية والاشتراكية السائدة حتى الان، برأيي، حصيلة هذه الميول القومية اللاعمالية في المجتمع مع درجة معينة من المساومة مع الاشتراكية العمالية. واستناداً الى كلٍ من هذه الميول والحركات السياسية وما تتمتع به من دور وفعالية في تشكيل هذه الفروع من الاشتراكية، نواجه بفروع مختلفة من الاشتراكية والشيوعية. ان عنصر القومية في الماوية طاغ في الوقت الذي لاتتمتع القومية بدور يذكر في التروتسكية التي تتمتع الاصلاحية والديمقراطية بمكانه بارزة فيها. والشعبوية مزيج من القومية والاصلاحية، وهي خصيصة البلدان الواقعة تحت سيطرة الامبريالية. فيما تتمتع الديمقراطية، على الاقل في مراحلها الاولى، بدور وحصة اقل. وكان اليسار الجديد ثمرة انتقاد للخط الرسمي (السوفيتي - المترجم) من زاوية الديمقراطية. ان الشيوعية الروسية، كما ذكرنا في ابحاث نشرة (الماركسية والمسألة السوفيتية)(٤)، نتاج هيمنة النزعتين القومية والاصلاحية على الشيوعية العمالية، وتتخلى اليوم عن الاصلاحية في سبيل الديمقراطية. ان هذه التيارات ليست بمؤسسات ومدارس فكرية محض. انها حركات اجتماعية تمور. انها قسم من آراء الطبقة الحاكمة التي شكلت اذهان ملايين البشر، وتحولت الى قوة مادية وشكلت مقدرات المجتمع الراهن. ان ضغطها على الاشتراكية العمالية لهو ضغط واقعي وكبير. ونحن، بوصفنا حركة مختلفة، وقفنا بوجه هذه التيارات. ان اختلافاتنا مع الميول المختلفة في الاشتراكية القائمة حتى الان، في الواقع، انعكاس لاختلافاتنا مع هذه الحركات والتيارات العريضة والمقتدرة للبرجوازية. ولانعترف لهذه التيارات الاساسية بحصة في الاشتراكية وفي الثورة العمالية. عند التغيير الموضوعي للاوضاع الاجتماعية، من الممكن ان تسهل هذه التيارات او تعقد عملية الثورة الاشتراكية للعامل. اننا حركة اجتماعية مستقلة في صراع مع الرأسمال بمجمله ومع مجمل التيارات والحركات المنتقدة اللاعمالية في المجتمع. ان الاشتراكية اللاعمالية تعصف بها، اليوم، ازمة تشمل كل فروعها. ان ذلك يعود، اساساً، الى حقيقة ان الاصلاحية، بوصفها تقليداً اجتماعياً، بوصفها تقليداً يؤمن المحتوى الاقتصادي للاشتراكية اللاعمالية، قد فقدت افقها تماماً. وتبعاً لذلك، فأن الميول الاخرى الديمقراطية، والى حد ما القومية، اصبحت لها اليد الطولى. ولهذا، فأن الجدل النظري الجدي مع الميول القائمة لليسار اللاعمالي قد فقد صلته بالواقع تماماً. وسنُواجه بالميول الام ببساطة وشفافية. على اية حال، الى الحد الذي يكون فيه الجدل معها ضرورياً فذلك فقط بهدف تسليط الضوء على الذاكرة التأريخية للعامل و طريقة رؤيته للعالم المعاصر. سنوضح اختلافاتنا معهم على اساس نقد نفس الميول الاساسية التي تشكل هذه التيارات. لقد غدا اليوم موضة لشبه الماركسيين رؤية أي من هذه العناصر الثلاثة قد كان له مكاناً اقل في تشكيل اشتراكيتهم. انهم يبغون جعل اشتراكيتهم اكثر ديمقراطية. وإن يفسح مجال اكبر للقومية وغيرها. انها عقيدتهم، بمقدورهم ان يعملوا بها ماشاءوا. اما بالنسبة للشيوعية العمالية، فأن أي خلط لها مع أي من هذه الميول ليس ضرورياً. على العكس من ذلك تماماً. لقد ازفت الساعة لجعل الشيوعية العمالية مستقلة عن أي نوع من نفوذ هذه التيارات على صعيد اجتماعي واسع مثلما سحقت الشيوعية العمالية النزعة القومية ابان الحرب العالمية الاولى وردت على الديمقراطية في ثورة اكتوبر. ان التيارات شبه الاشتراكية التي ترعرعت في احضان نفوذ وتأثير هذه الميول البرجوازية الاساسية، قد شوهت، بصورة لامندوحة عنها، مجمل محتوى الماركسية من منهجها وفلسفتها الى النظرية السياسية والنقد الاقتصادي، محولة اياها الى شيء آخر يتناسب ويتطابق مع حاجاتها واغراضها. وبتقديمي لبحث الشيوعية العمالية في الندوة التي عقدت قبل اشهر قليلة، سعيت الى توضيح فهمي للاسس المحورية لنظرية ماركس في تلك الميادين الاساسية بأختصار. ان هذا هو فهم أي امرء يشير الى كتابات ماركس نفسه من وجهة نظر عامل محتج. بنظري، ان اختلافاتنا مع التصورات الخاطئة الرائجة لنظرية ماركس على صعيد اسس هذه النظرية، وليس فقط على صعيد الاسئلة الملموسة اكثر التي تقف في طريق مسار التطور العملي للحركة الشيوعية. واشير هنا فقط الى مجموعة من الاختلافات الاساسية. ان تمايزنا النظري الاول يتعلق بأسلوبنا لتقييم تأريخ الحركة. أي كيف تفهم الشيوعية وتعرف لنفسها ماضيها. اين تبحث الشيوعية الراهنة عن تأريخها؟ وتنتمي لأية زاوية واقعية في المجتمع؟ انا لاافهم لماذا يتحتم علينا اعتبار جميع اولئك الذين يتعقبون، تحت راية المطرقة والمنجل، تخطيط الاقتصاد الوطني وتنظيم العمل المأجور في بلدانهم، أؤلئك الذي يبغون استرداد حقوقهم القومية، والذين يتعقبون استهلاك الخبز والزبدة المنتجة في وطنهم الام المقدس، والمطالبـين بالديمقراطية أو اولئك الذي يشعرون بـ"اغترابهم" في مجتمع "مافوق صناعي جزءاً من تأريخ الشيوعية، ولكن يصنف اضراب عمال المناجم في بريطانيا الذين صارعوا وطيلة سنة كاملة البرجوازية برمتها، من شرطتها حتى كتابها المأجورين، ضمن تأريخ النقابية . أو يصنفون الحركة المجالسية للعمال في هذا البلد اوذاك ضمن تأريخ الفوضوية والنقابية الفوضوية. وعليه، ان اختلافنا الاول مع مجمل الاشتراكية القائمة حول تأريخ الشيوعية ذاته، لا التأريخ المنصرم فحسب، بل، بالأحرى، التأريخ الحي الجاري امام اعيُننا. بالنسبة لنا، ان تأريخ الشيوعية ليس بتأريخ الايديولوجيا، بل تأريخ الاحتجاج الطبقي. وحين ننظر الى الامور من هذه الزاوية، سندرك حينها ماذا عمل هؤلاء الناس بالايديولوجيا نفسها. وكيف انه عندما وصلت حركتهم الى خاتمتها ومأزقها اليوم، يعلنون ايضاً خاتمة ونهاية الماركسية، أي نقد العامل للرأسمالية. ان طريقة النظر المختلفة هذه لتأريخ الشيوعية لاتوفر لنا المجال لرفض السيناريوهات والمعضلات الراهنة فحسب، بل ستواجهنا عادة بجملة واسعة ومختلفة كلياً من المعضلات النظرية والعملية والتي لاتخاطبها اساساً الشيوعية الراهنة. وعليه ان بعض اختلافاتنا مع هذه التيارات تجد تعبيرها في مالم يبوحوا به ويفهموه. ان الاختلاف الاخر حول الاشتراكية ذاتها. ماهي الاشتراكية؟ انّ ما يحدده ماهية الجواب على السؤال التالي: ماهو سر مصائب الانسان في المجتمع القائم؟ ان ماركس، ومن زاوية المصالح الجلية للطبقة العاملة، حدد ذلك على انه نظام العمل المأجور والملكية البرجوازية لوسائل الانتاج. ومن هنا، عرَّف الاشتراكية على انها انهاء هذه الوضعية، على انها الغاء عبودية الاجر واقامة مجتمع يستند الى الملكية العامة. واستطاع ماركس، بناءاً علىذلك، انتقاد وتحليل مجمل معاناة البشر من انعدام الحقوق السياسية وغياب الامن الاقتصادي الى سقوطهم فريسة العلاقات الاجتماعية التي يستعصي فهمها ظاهرياً والخرافات الفكرية. الاشتراكية هي الخلاص التام للانسان من مجمل اشكال الحرمان والعبودية وسيطرته على مقدراته الاجتماعية والاقتصادية. بيد ان مجمل هذه تعد اموراً ممكنة فقط بأزالة الرأسمال بوصفه قوة تتخطىسيطرة وتحكم المنتجين المباشرين، وبالمجابهة معهم. لكن هذه ليست مشكلة الميول الاخرى. فبالنسبة للقسم الاعظم منهم، تعني الاشتراكية رداً و جواباً على "فوضى الانتاج" او استراتيجية خاصة لتطور القوى المنتجة. لقد فهمت هذه التيارات، بصورة تقليدية، الاشتراكية على انها دولنة الانتاج والتخطيط. ان اشتراكيتهم، بناءاً على ذلك، راية حركة اخرى في المجتمع الرأسمالي لاتنطلق من نقد العلاقة بين العمل والرأسمال، ولا من نقد نظام العمل المأجور، بل من نقد نواقص الانتاج والتوزيع في الرأسمالية غير المسيطر عليها. ان اختلافنا مع هذه الشيوعية اللاعمالية، بناءاً علىذلك، نفس مااشار اليه ماركس في البيان الشيوعي في نقده للاشتراكية البرجوازية. في الحقيقة، لقد تبنت هذه الحركة الاشتراكية البرجوازية راية ماركس والماركسية. وان ذلك يأتي، بالطبع، انعكاساً لقدرة الماركسية بوصفها ايدولوجيا، وحيوية الشيوعية العمالية بوصفها حركة اجتماعية. بيد ان هذا لم يغير الطابع الاجتماعي للاشتراكية البرجوازية. انهم يتخلون عن الماركسية اليوم لان حركتهم من اجل اصلاح الرأسمالية بالشكل الذي يتوخوه قد انهزمت. لكن مآسي ومصائب النظام الرأسمالي وكذلك نقد العامل باقيان على حالهما سواء من الناحية النظرية او العملية. ذلك ان ماهو نقدنا للنظام القائم، وماهو الوضع الذي تلغيه الاشتراكية بالتالي هي نقطة اختلاف محورية للشيوعية العمالية مع الفروع المختلفة للشيوعية والاشتراكية المعاصرة. ان هذا الاختلاف حول نقد المجتمع القائم وحول الاشتراكية بوصفها وضعية اجتماعية معينة هو مصدر جملة من الاختلافات البرنامجية والسياسية الاساسية بينها وبين الاخرين. ان هذا يعلن عن نفسه في برنامجنا، في تحليل وظائف الثورة العمالية وفي تصنيفنا النظري والاجتماعي لليسار. وقد شهدنا مثالاً على هذا الاختلاف في الرؤية في الابحات حول التجربة السوفيتية في نشرة (الماركسية والمسألة السوفيتية). وينطبق هذا كذلك على تقييم تأريخ اليسار الايراني وتصورنا لاسس برنامج الحزب الشيوعي. وفي المرحلة المقبلة، سنطرح ونناقش الكثير من الاختلافات النظرية والسياسية. ان الاختلاف الاخر مع سائر الميول المسماة بالشيوعية والاشتراكية، اوبعبارة اخرى، السمة المشخصة للشيوعية العمالية هي كيفية التعامل مع الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ومع النضال الاقتصادي للطبقة العاملة. واعتبر هذه المعضلة احد اكثر أسس انفصال فروع الشيوعية القائمة عن الطبقة العاملة والاحتجاج العمالي اساسية، وأحد الاسباب الاساسية لانعزال اليسار الراديكالي في المرحلة الراهنة. بالنسبة لنا، فان النضال الاقتصادي للعامل وسعيه الدائم من اجل تحسين اوضاع الطبقة، عبر فرض الاصلاحات السياسية والاقتصادية على البرجوازية، جزءاً لايتجزأ من النضال العمالي وجزءاً من المسلمات الاساسية لهذا النضال. ان مسألة علاقة الثورة العمالية بالاصلاحات وبالنضال الاقتصادي الجاري للطبقة يمثل، بالنسبة لنا، احد القضايا المحورية في الفعالية الشيوعية. ان الاشتراكية والشيوعية لحدالان قد سَلَّمَتْ قبالة هذه المسألة. وان تلك التيارات التي تزعم اعطاءها اهمية للنضال الاقتصادي والنضال من اجل الاصلاحات، وكانت هذه صفة تيارات الخط الرسمي للشيوعية الى ماقبل الستينات، عملت كتيارات اصلاحية اساساً. ان اشتراك اتجاههم في النضال من اجل الاصلاحات كان مبنياً على حذف مسألة الثورة العمالية واهدافها من جدول اعمالهم. وكان الجناح البرجوازي اليساري سباقاً ونشيطاً، باستمرار، في ميدان النضال من اجل الاصلاحات، وهو ايضاً التقليد السياسي لهذا الجزء من المجتمع. ويقف، مقابل ذلك، اليسار الراديكالي الذي حضر الميدان عن طريق نقد هذا الخط الرسمي، ناهيك عن اشكاله ان كانت ماوية اوالى حدما تروتسكية. فهو اولاً، انقطع عن النضال الاقتصادي الجاري للطبقة وحوّل مركز نشاطه اوساط مثقفي المجتمع بصورة رسمية وطوى ملف الاصلاحات. ثانياً . تبدل شعار "الرأسمالية غير قادرة على الاصلاحات" الى احدى ركائز ادعائاتهم الثورية. ولم تكن مجمل ثوريتهم شيئاً غير فرض الاصلاحات الاقتصادية و الادارية والثقافية على البرجوازية. اما على الصعيد النظري، وفي الميدان العملي، فكان النضال من اجل الاصلاحات يعد كفراً في قاموسهم السياسي. الشيوعية العمالية حركة من اجل الثورة العمالية والشيوعية. نحن نعتبر هذه الثورة ممكنة الان وضمن منهاج العمل. ولكن كوننا طبقة تعاني من الظلم والضغط نناضل، ودون أي تزلزل، من اجل تحسين الاوضاع الاجتماعية وبأي حدِّ كان لكي تزداد القدرة السياسية والاقتصادية وتعلو الكرامة الانسانية للعامل والكادح وحتى من اجل ادنى درجات الانفتاح السياسي والثقافي لتسهل طريق نضالنا. أن التواجدفي ميدان النضال من اجل تحسين الاوضاع مسألة اولية ومسلم بها لدى الشيوعية العمالية. وليست مسألة تحتاج الى مصادقة قرار معين بها كي تصبح نافذة المفعول. نحن نريد حكومة عمالية ونريد الحد الادنى للاجور كذلك. غايتنا جعل ملكية وسائل الانتاج اشتراكية، وكذلك جعل التقاعد في سن اقل. نريد الانتفاضة على الحكومات البرجوازية، ونريد التأمين ضد البطالة. مساواة حقوق المرأةوالرجل، بالنسبة لنا، شيء مهم. فصل الدين عن الدولة شيء مهم. التعليم مهم. الصحة مهمة. حرية الرأي والحقوق الفردية مهمة. لأننا لم نستنتج أهميتها وضرورتها من الكتب، بل كطبقة نشعر بها في حياتنا اليومية. هذا هو وجه الماركسية الذي ليس لليسار لراديكالي مصلحة في فهمه. وكما يقول ماركس، الشاخص المميز للشيوعية العمالية هو النضال من اجل "دفع وتقدم الحركة الطبقية بأكملها الى امام" في كل مراحلها ومفرداتها. لدينا اختلافات كذلك على صعيد نظرية التنظيم، علاقة الحزب بالطبقة، خصائص الحزب الطبقي، الاسس العامة للتاكتيك، فهم الاممية وغيرها مع الاتجاهات المختلفة للاشتراكية لحد الان. وعندما نضع كل هذه مع بعض، نرى بأن الاحساس بأي تقارب بين اليسار الراديكالي والشيوعية العمالية مخادع وبلا طائل. اما الشيء المهم، وبألاخص هذه الايام، هو انه مع زوال الاشتراكية البرجوازية، اصبحت الارضية ملائمة من اجل الطرح المباشر والايجابي للماركسية. اعتقد بأن هذا يسهل الى حد كبير عملنا من اجل "اعادة تعريف" الماركسية عبر العودة الايجابية الى الهيكل الاساسي لهذه النظرية. بسوي سوسياليزم: اسمح لي بالعودة، ولو للحظة، الى المسألة السابقة وما قلتموه بصدد الشيوعية العمالية والاصلاحات. يبدو وجود تناقض هنا، على الاقل عند الوهلة الاولى. فعندالاجابة على السؤال السابق وكذلك في ندوتكم حول هذا الموضوع، تحدثتم عن الديمقراطية والقومية والاصلاحية بشكل سلبـي. اعتبرتم هذه التيارات في مواجهة مع الاشتراكية العمالية. من جهةاخرى، تأكيدكم على اهمية الاصلاحات. كيف توفقون بين هذه وتلك؟ الا تتضمن احداهما الابتعاد عن الحركات الديمقراطية والاصلاحية، والاخرى تستوجب الاقتراب منها؟ منصور حكمت: هذه نقطة مهمة جداً. اعتقد بأن هذا التناقض موجود في وجهة نظر اليسار الراديكالي لحد الان حول مسألة الاصلاحات في المجتمع الرأسمالي. اذا ماقَبِلتَ بالاصلاحات كونها مسألة لا بأس بها، عندها ترى نفسها قد عانقت المعارضة البرجوازية بالرغم منها حيث تعتبرها صاحبة الامتياز للنضال من اجل الاصلاحات. واذا ما حاولت تجنب ذلك واذا ما ارادت ان تكون قوة مستقلة في الميدان السياسي، حينها يجب ان تقلل من شان الاصلاحات وترميها جانباً وتتحول الى تيار تائه، ضال، منطوي على نفسه في هامش المجتمع لا تأثير له على الظروف الموضوعية. والسؤال هنا : ماهو النقص الولادي الذي يجعل من العامل والحركة العمالية، كما يزعمون، غير قادرين على رفع راية الاصلاحات الاجتماعية؟ في الوقت الذي تثبت الوقائع عكس ذلك تماماً. وكما ذكرت، فان تحسين الاوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية في اطار هذا المجتمع نفسه امر دائمي ومستمر بالنسبة للعامل والاشتراكية العمالية. وان فرضية وجوده تسبقه كتيار للثورة الاجتماعية. لماذا يقرب النضال من اجل رفع الظلم القومي العمال من النزعة القومية كقضية وكحركة اجتماعية لقسم من البرجوازية؟ لماذا يجب ان تدفع المطالبة بتوسيع الحقوق السياسية للانسان في هذا المجتمع بالعامل خلف الديمقراطية البرجوازية كحركة معروفة وحاملةراية الطبقة الحاكمة . طالما نحن بصدد التحدث على الصعيد النظري، ارى ان المشكلة تدور حول التصور اللامادي واللاتأريخي لليسار الراديكالي عن المجتمع. يغيب عن بال اليسار بان الاراء والافكار والمباديء السائدة في المجتمع، وحتى وان كانت تبدو كأنها نابعة من الانسان ذاته، هي آراء ومباديء الطبقة الحاكمة، هي اشكال معينة ومحددة جسدت ووضعت فيها البرجوازية اهداف وامال الانسان. الحرية موضوع وهدف لكن الديمقراطية هي حركة البرجوازية من اجل الحرية، ومبنية على التصور المحدود للبرجوازية عن الحرية كهدف. والديمقراطية حركة اجتماعية معينة. لديها تفسير خاص عن الانسان والمجتمع وعن العلاقات التي يجب ان تكون فيه. ليست الديمقراطية عنواناً للتحرر بشكل عام، بل هي تفسير خاص عن التحرر قام به قسم معين من المجتمع، أي البرجوازية . العامل ينشد الحرية، ولكن لماذا يجب ان يقبل بالتفسير البرجوازي لها، لماذا ينضم الى الحركة البرجوازية من اجلها. ليست الديمقراطية حالة خاصة من الاشتراكية. ليست تصوراً ذا بعد ثنائي سياسي للاهداف ذات الابعاد الثلاثية والاجتماعية - الاقتصادية للعامل، انهاحالة اجتماعية عامة بأفتراضاتها و مسلماتها الاقتصادية والاجتماعية. يجب ان نبحث عن الديمقراطية، كمقولة، في القاموس السياسي. اما كحركة، فحينها ليست مسألة الديمقراطية سياسة فقط، بل هي انسان ومجتمع انساني بشكل عام بكل ابعاده الاقتصادية، السياسية، الحقوقية، الادارية والاخلاقية وغيرها. وعندما تقتصر الديمقراطية، كحركة، على السياسة وادارة المجتمع وتتخذ شكل حركة من اجل الاصلاحات السياسية والادارية، فذلك لاجل الابقاء على الواقع الاقتصادي والاجتماعي الموجود كمسلمة لا تتغير. ان الديمقراطية ايضاً مثل الاشتراكية العمالية بالضبط، وبمثابة حركة، تطرح احكامها للمجتمع ككل وبكل ابعاده ولا تقتصر على السياسة والحقوق السياسية للافراد. لذا فأن الاشتراكية العمالية كحركة والديمقراطية لا يكملان بعضهما البعض، بل هما في حالة صراع. ان تطور الاشتراكية العمالية يعني دون شك افول الديمقراطية، القومية وغيرها كحركات اجتماعية. ان الديمقراطية كهدف، رؤية خاصة وبيان خاص عن الحرية بشكل عام. هذه صيغة معينة تحدثت بها، تأريخياً، طبقة معينة، أي البرجوازية. وللماركسية نظرتها الخاصة عن الحرية. فالنظرة الماركسية لحرية الانسان وعلاقة الفرد بالمجتمع هي بمثابة نقد كاسح وقاصم للديمقراطية. ان ماركس يبدأ بالانسان وليس بكميات الاكثرية والاقلية. وفي الواقع، فأن نفس هذه الطريقة هي طريقة البرجوازية الوحيدة للمساومة مع هدف حرية الانسان والمساواة بين الناس، أي ترسيخ مكانتهم غير العادلة في الانتاج وأضفاء المساواة الصورية والحقوقية بين الافراد في الظاهر. ان نقطة انطلاق الديمقراطية ليست الانسان بمثابة كائن مُسَّلمْ به مسبقاً، معتبر، مقدس، بل كفرد او كشيء قابل للعد. تقلل الديمقراطية من شأن الانسان الى رأي فقط. وينسى ديمقراطيونا بأن الاعتراف بشرعية العامل والمرأة والمهاجر والحمر والسود كأفراد يمكن عدهم وشمولهم بالديمقراطية هو حصيلة عشرات السنين من النضال غير الديمقراطي للانسان ضد الديمقراطية الموجودة في وقت لم يتم العمل بها في القسم الاعظم من البلدان الديمقراطية التي تعتبر قِبْلَتِهمْ. وكمثال، يغيب عن بال الديمقراطيين الايرانيين خارج البلد اليوم بأنهم، كمهاجرين وفي مركز الديمقراطية، ليس لهم اقل رأي في الانتخابات التي تجري مرة واحدة خلال عدة سنوات بين ميتران ولوبن و تاتشر وكيناك. ولا اشُك في ان القسم الاعظم منهم لن يقبل بهذا الحق للمهاجر الافغاني في ايرانهم الديمقراطي. يغيب عن بالهم بأن رأياً واحداً، أي رأي انسان واحد، لا اهمية له ولا تأثير بالنسبة للديمقراطية كما هو عليه الحال لدى الانظمة الاكثر استبداداً، وهذا دليل على انعدام قيمة الانسان بوصفه انساناً لدى الديمقراطية. انهم ينسون كيف ان البرجوازية استفادت من نفس هذا المفهوم الديمقراطي والوقوف بوجه الحرية والنضال التحرري كلما برزت امامها مسألة حقوق الانسان بالمعنى الواقعي للكلمة ومسألة المساواة بين الناس بشكل واقعي. انهم ينسون بأن الديمقراطية، وفي كل لحظة، عبارة عن توازن قوى بين الانسان والمجتمع اللاانساني البرجوازي. وهنا لا اتطرق الى الموضوع الرئيسي للماركسية حول علاقة الحرية السياسية والحقوق الفردية بالبنية التحتية الاقتصادية وضرورة قلب اقتصاد المجتمع من اجل تحقيق الحرية السياسية للانسان لانى اعتقد بأن هذه المسألة بديهية لدى أي ماركسي. على اية حال، نحن الشيوعيين، لاجل حريتنا، لسنا بحاجة الىالمساومة مع الديمقراطية او الاستلهام منها. نحن نقاد الديمقراطية من موقع الحرية ومساواة البشر. والانسان بالنسبة لنا هو الاساس. ان عنوان تحررنا وعنوان ايماننا بالحقوق الجماعية والفردية للانسان وراية نضالنا من اجل تثبيت هذه الحرية وهذه المساواة هي الاشتراكية. نحن ندافع عن حقوق الانسان لا في ابعادها الحقوقية والسياسية وحسب، بل في ابعادها الاقتصادية الاكثر اساسية لاننا اشتراكيون. وهذه هي احدى اصول مبادئنا حتى اذا ما قامت البرجوازية باجراء استفتاء ضدها بين جميع سكان العالم. اما فيما يتعلق بالقومية، فالمسألة اوضح من ذلك. فهي ليست حتى كلمة ركيكة او تعبير ناقص عن احدى الاهداف العادلة والمشروعة او الداعية للمساواة بين الناس. انظروا وتمعنوا. ما هي رسالة القومية لمعدمي العالم. فكل ما تحتويه القومية هوحماية طبقتها الحاكمة في اضطهادها، في حروبها، في ترويج خرافاتها، وفي نقضها لحقوق الانسان. القومية، كحركة معينة، وكحركة سياسية، هي وسيلة لتقرير المصير الداخلي للبرجوازيةعلى صعيد العالم وصراع اقسامها المختلفة من اجل الحصول علىحصص من عملية تراكم الرأسمال. كانت القومية الايديولوجيا الرسمية للامبريالية. واذا كانت القومية البرجوازية في بلد تحت سلطة (الامبريالية) اوبين الشعوب التي تعاني من الظلم وجدت نفسها، لفترة قصيرة من التأريخ، في مواجهة مع سمات معينة من الامبريالية، فهذا ماادى باليسار اللاعمالي والذي يصنع خميرته من هذه القومية الى اعتناق القومية وتطهير سريرتها. اما العامل الشيوعي والماركسية، فيرون خصال ومعالم البرجوازية في القومية ولا شيء غير ذلك. القومية، بأعتقادي، كفكر ونزعة معينة، هي جزء من خرافات واوهام البشرية في عصر الجاهلية والتي يجب التخلص منها. القومية، من الناحية الفكرية، تعني انفصال البشر عن صفتهم المشتركة الانسانية والعمالية. القومية تُناقض مبدأ أصالة الانسان. الحصيلة الاجتماعية للقومية،على أي حال، عبارة عن تجزئة الطبقة العاملة الى اجزاء واضعاف معسكر الثورة العمالية. بدلاً من ان يصف العامل نفسه كأنسان او كعامل، يعتبر نفسه بريطانياً او تاميليا او هندياً او ايرانياً او غير ذلك. وفي الوقت نفسه اخضع رقبته وتقبل طوق العبودية والحرمان من الحقوق. التعصب القومي، بأعتقادي، عاطفة تبعث على الخجل والاستحياء حقاً. وهي ليست لها علاقة بالاشتراكية العمالية، ليس هذا فحسب، بل تناقض أي نوع من انواع الارتقاء المعنوي للانسان. الاصلاحية هي، ظاهرياً، ذلك التيار الذي يستطيع ان يبين بأنه يهدف الى تحسين الاوضاع المادية. فقد اصبحت ساعات العمل اليومية ثمان بعد ان كانت عشر ساعات وقبلها ستة عشرة ساعة، وتم التصديق على قرار التأمين على البطالة في بعض الاماكن، وهم الان بصدد تلقيح عدد من اطفالنا وغير ذلك. أنا لا اعتبر هذا كحسنات للحركات الاصلاحية. نطالب بهذه الاصلاحات الواحدة بعد الأخرى من صميم القلب. ولكن ذلك التيار الاجتماعي الذي يتشفع للانسان عند البرجوازية ويتعهد بعدم المساس بأسس المجتمع القائم والتستر على اسس هذا النظام، ويحصل على امتيازات جزئية من البرجوازية، لايمكن ان يكون حركة العامل في اواخر القرن العشرين. الاصلاحية تحدد وتضبب افق النضال العمالي لتغيير المجتمع. ان الاصلاحات لحد الان حصيلة النضال والضغط الثوري للعامل والجماهير المحرومة والمسلوبة الحقوق في المجتمع. الحركة الاصلاحية تلجم هذا النضال وهذا الضغط. تستطيع الاشتراكية العمالية، مباشرة، ودون أي وسيط، ان تناضل من اجل فرض الاصلاحات على البرجوازية. ولكن الاصلاحات، بالنسبة لنا، هي فقط جزء صغير من ذلك الشيء الذي تستطيع حركتنا تحقيقه. لوكان الامر بأيدينا، لوكان بيد العامل والاشتراكية العمالية، لما مات بسبب الجوع وانعدام الغذاء والدواء كل بضع دقائق طفل في السودان وبنغلادش وفي الاحياء الفقيرة من عواصم الديمقراطية والاصلاح، لو كان الامر بأيدينا لتوفر الغذاء والملبس والمسكن والتعليم والصحة والامان الاقتصادي كالهواء الذي نتنفسه مجاناً وفي متناول الجميع. لو كان الامر بأيدينا لغدا القانون الاساس للمجتمع تفتق الطاقات والابداعات الخلاقة للفرد لابقاءه حياً. كل هذا يمكن تحقيقه اليوم. يجب ان لا يراودنا أي ابهام حوله. اليوم وصلت القدرة الانتاجية للانسان الى حد لا نستطيع ان نجد مبرراً وسبباً لبقاء المشقات الاقتصادية والاجتماعية، باي شكل، سوى العلاقات الاجتماعية القائمة. ان هذا ما تخفيه وتتستر عليه الاصلاحية. تقلل من تطلعات الانسان للتغيير وتسكت صوت الاحتجاجه. الاشتراكية العمالية حركة مستقلة قائمة بذاتها في السعي لأقامة الحريات السياسية والاصلاحات الاجتماعية. نضالنا من اجل تنظيم الثورة الاجتماعية،الثورة العمالية لا يؤدي بحركتنا الى الابتعاد عن النضال من اجل التحسين المضطرد للاوضاع وتركها رهينة للحركات الاجتماعية للطبقات الاخرى. الاشتراكية العمالية تعتبر بديلاً ومدعياً مستقلاً في هذا الميدان كذلك، أي في ميدان النضال من اجل تحسين الاوضاع السياسية والاقتصادية للجماهير. بناء على هذا، ارى ان الاشتراكية العمالية في جدال وصراع ليس مع المجتمع البرجوازي فحسب، وانما مع المنتقدين البرجوازيين للمجتمع البرجوازي والحركات اللاعمالية في سبيل اصلاح المجتمع البرجوازي ووضع شروط له. أو لأننا، بالضبط، نعير اهمية لتحسين الاوضاع السياسية و الاقتصادية، لا نستطيع التخلي عن ميدان النضال من اجلها لحركات توعد الجماهير بأكثر التحولات والتغيرات مسخاً وتشويهاً. وبعملها هذا، تبعد مجمل النظام القائم عن النقد العملي للطبقة العاملة وتبقي عليه. أَ يعني هذا تعاملاً عدائياً او لامبالياً تجاه الحركات اللاعمالية الداعية للاصلاحات؟ ابداً. لايمكنك ان تتواجد في ميدان النضال من اجل تغيير ما وتخاصم الذين يطالبون بنفس التغيير او بجزء منه بغض النظر مصالحهم. يتناول بحثي هنا العلاقات بين الحركات الاجتماعية مع بعضها وعلاقات كل منها مع الجماهير وخصوصاً مع الطبقة العاملة. ان الاختلاف الرئيسي للاشتراكية العمالية مع الميول الاصلاحية غير العمالية يجب ان يظهر من خلال سعينا لتحجيم نفوذها وعدم سيادة آفاقها الفكرية على مجمل الحركة الاجتماعية من اجل تغيير الاوضاع. وهذا مايبقى مرهوناً بقدرة الاشتراكية العمالية على لعب دورها كبديل واقعي في ميدان العمل السياسي. يجب ان نقوى النضال من اجل رفع الظلم القومي وان نضعف في الوقت نفسه افق القومية وقدرتها الاجتماعية. يجب توسيع النضال من اجل الحرية السياسية دون توسيع الاوهام بالجمهورية والبرلمانية البرجوازية. تستطيع الشيوعية العمالية ان تقف على رأس الحركات الداعية للاصلاحات ورفع الظلم القومي، وان تكون قوة فعالة في النضال من اجل تحسين اوضاع العمال اليومية وان تقود وتدفع الى امام هذه الحركات بصورة عامة دون ان تعطي للاصلاحية و القومية امتياز وتفسح لهما مجال التطور. بسوي سوسياليزم: ماهي الصلة المحددة لبحث الشيوعية العمالية باليسار الايراني. مااقصده هو الى أي حد ترون موقفكم ووجهة نظركم الحالية امتداداً للتحولات التي طرأت على اليسار الايراني، وما هي الصلة بين هذا البحث ومكانة اليسار الراديكالي الايراني بعد عشر سنوات من ثورة ١٩٧٩ ؟ منصور حكمت: اعتقد بأنه يجب ان نفصل مسألتين عن بعضهما. المسألة الاولى هي علاقة الشيوعية العمالية، كنظام فكري وانتقادي، بالتكامل الفكري والسياسي لليسار الايراني، والمسألة الثانية، على صعيد اخص المسار المحدد الذي حدى بنا كأفراد معينين للوصول الى هذا المنظور. لكي نرى الشيوعية العمالية كحركة اجتماعية، ولكي نعرفها كنظام فكري وسياسي، لا حاجة ابداً للرجوع الى اليسار الايراني والتحولات التي طرأت عليه. ليس هناك شيء ايراني خاص في هذا البحث. يتمثل بحثي في ان الاشتراكية العمالية تيار مادي وموضوعي في المجتمع الرأسمالي والماركسية، من الناحية النظرية، رايته. ومن الناحية التحليلية لم يستنتج بحثنا الحالي حول الشيوعية العمالية من اليسار الايراني او حتى من الصراع الطبقي في ايران، ناهيك عن عدم استنتاجه من التحولات الداخلية في الحزب الشيوعي الايراني، بل هو وجهة نظر معينة وتقييم شيوعي عام من موقع الحركة الطبقية و مصير الاشتراكية كنظرية وممارسة اجتماعية. لكنه من الواضح كوني فرداً معيناً وميلنا بوصفنا مجموعة من الافراد، كان وصولنا لهذا التقييم ووجهات النظرهذه ضمن تجربة سياسية معينة. نحن فعالوا الجيل الاخير للشيوعية في ايران. كان لنا دور في تشكل الفكر والعمل السياسي للحركة الاشتراكية في زمننا وفي هذا البلد. حرضنا، نَظمْنا، اوجدنا التمايزات والاتحادات في هذا اليسار الراديكالي. اما ما استخلصناه اليوم، وان كانت معطياته عامة، ولكن علي اية حال بقدر ما نتحدث عن التحولات الذهنية لهؤلاء الاشخاص فهو امتداد تأريخي لتجربتنا السياسية. ولكن ينبغي عدم تصور نفس هذه التجربة السياسية كتجربة محلية وقطرية فقط، وان كان العمل السياسي لهؤلاء الافراد منحصراً بصورة رئيسية في بقعة جغرافية سياسية معينة، لكنهم، كشيوعيين واشتراكيين، تأثروا بمشاكل ومشاهدات اوسع واشمل على الصعيد العالمي واظهروا ردود فعل اتجاهها. اعتقد بأن هذا لاينطبق على الحزب الشيوعي الايراني فقط، بل على كل الفعالين في اليسار الايراني وحتى على اولئك الذين لديهم تصوراً استثنائي، قطري ومحلي محدود عن انفسهم وهويتهم السياسية. اعتقد بأن انسياق اليسار الايراني لاعادة نظر اساسية بعد عشرة سنوات من ثورة ١٩٧٩ (الثورة التي اطاحت بالشاه- م)لاندحة عنه. جرب اليسار الايراني انعدام صلته بالمجتمع، رأى بام عينيه كيف انتُقدَتْ كل راديكاليته الشعبوية و الاصلاحية وتلاشت وتناثرت. لاحظ كيف فقد ما كان في الظاهر بنية فكرية وافية من اجل النضال البطولي ضد الاستبداد الشاهنشاهي قدرة الاجابة على مسائل النضال السياسي الاولية وعدم تمكنه من حشد اقل حدٍ من القوى والاتحاد حول أي شكل من اشكال الاحتجاج الاجتماعي، ولم يستطيع حتى ان يبرز تواجداً فئوياً محدوداً. هذه التجربة، وبالاخص لدى ضحاياها، تخلق حتماً ميلاً نحو اعادة التفكير واعادة التقييم. بيد أن ما اعطى هذا التقييم سماته الحالية ونتائجه الراهنة هو اوضاع الاشتراكية على الصعيد العالمي. في الحقيقة، ان التجربة الموضوعية لثورة ٧٩، وسيادة الرجعية البرجوازية - الاسلامية والكابوس الذي تحاول الجماهير الايرانية لحد الان التخلص منه هي حصيلة اوضاع عالمية و بالاخص انها كانت تحمل طابع ازمة الاشتراكية البرجوازية واي نوع من انواع الثورية غير العمالية على الصعيد العمالي. الاوضاع في الصين والاتحاد السوفيتي والانهيار الكامل للاشتراكية البرجوازية امام هجمات الاتجاه اليميني داخل البرجوازية وعلى الصعيد العالمي، تجبر اليسار الراديكالي الايراني على ان يعيد النظر على صعيد عالمي وبالعودة الى وضعية الاشتراكية الراديكالية على الصعيد الاممي، وتجبره حتى على التفكير في تجربته الايرانية في اطار عالمي. وهذا ما حصل اليوم. فنتائج هذه الحصيلة تظهر كتغيرات وتحولات جدية فكرية وتنظيمية في اليسار الايراني. ونتيجة لهذه الاوضاع، توجه القسم الاعظم من فعالي اليسار الايراني السابق نحو اليمين. فإبان تمحيصهم لشعبويتهم السابقة، تبين لهم بأنها كانت تنقصها ديمقراطيتها وقوميتها. اكثرهم ازاحوا قشوة راديكاليتهم القديمة ويريدون ان يكشفوا من تحتها عن انفسهم كجيل جديد من الوطنيين والديمقراطيين الايرانيين ويحتفلون بهذا الظهور ويباركون لانفسهم بصوت عالٍ. يسير هذا التيار نحو اشتراكية ديمقراطية وليبرالية ايرانية جديدة تتمتع بأسس اجتماعية واسعة في داخل البرجوازية الايرانية. تيار يريد بناء الاقتصاد ويعادى العمال وينزعج من اية ثورة. تيار يريد في نهاية الامر ان يخرج البرجوازية الايرانية من ظل الشاه والجبهة الوطنية- الاسلامية وحزب تودة (حزب الشعب، حزب اصلاحي- قومي موالي للسوفيت سابقاً- م) ويدخلها في صلب الصراع الطبقي لعالم نهاية القرن العشرين . ان الشيوعية العمالية ايضاً حصيلة اعادة نظر. بنظري، ان هذا هو تقييمنا لهذه المرحلة وهذا العالم. احدثت الثورة الايرانية، ورغم هزيمتها السياسية، نضجاً اجتماعياً وسياسياً هائلاً. وتتمثل احدى نتائجها في ردمها للهوة بين السياسة والاقتصاد في المجتمع الايراني. لقد كان عصر القمع الشاهنشاهي عصر التطور الرأسمالي من جهة و ثبات وركود البنية الفوقية السياسية من جهة اخرى. لقد ازالت الثورة القيود عن السياسة. وعليه، ان تلك التحولات السياسية والتي اكتسبت، ولفترة طويلة، ضرورة موضوعية، وعلى وجه الخصوص، داخل المعارضة الايرانية، حدثت وبفترة قصيرة مثل فلم تم تسريعه. ان ملف التيارات التقليدية للمعارضة البرجوازية قد تم فتحه واغلاقه بسرعة. اما اليسار الراديكالي من الفدائيين(٦)وحتىالاشتراكية الشعبوية على غرار منظمة بيكار(٧)، ظهروا لسنة او سنتين، ثم انتقدهم المجتمع وغادروا الساحة. ولجت الميدان قوى طبقية جديدة كانت قد سُيجَتْ بالقمع قبلها، وعليه لم يكن باستطاعتها ان تبرز سياسياً بصورة علنية. لقد كانت اهمها الحركة العمالية وفي صلبها الاشتراكية العمالية. وقد قلبت هذه القوى اليسار الايراني. انها نفس الحقيقة التي اجبرت الدولة البرجوازية في ايران على تشكيل المجالس الاسلامية، ومارست الضغط على اليسار القومي الاصلاحي اللاعمالي والمعادي للنظام في ايران. وتشكل نوع جديد من اليسار الراديكالي الذي يعكس، على وجه الخصوص، ضغط هذه الاشتراكية العمالية. ان الحزب الشيوعي الايراني، على وجه التحديد، حصيلة هذه الاوضاع. برأيي، ان طرح ابحاث الشيوعية العمالية يعني انهاء تعايش الشيوعية العمالية مع الراديكالية القومية الاصلاحية للمعارضة اللاعمالية في ايران. ان ابحاث الشيوعية العمالية تعني، على وجه الدقة، فصل مصير الاشتراكية العمالية في ايران عن اليسار الراديكالي اللاعمالي في ايران، وعن تأريخ هذا اليسار. وان ذلك يتطلب وضع اسس هذه الحركة في ايران استناداً الى تأريخها العالمي الخاص بها واستنتاج مكانتها من المكانة العامة للشيوعية العمالية بالتعارض مع البرجوازية والاشتراكية اللاعمالية على الصعيد العالمي. ان اعادة نظري، بوصفي فرد، في تجربة السنوات العشرة الاخيرة قد اوصلتني الى نتائج مختلفة كلياً. يجب النظر الى اليسار الايراني والحزب الشيوعي الايراني من زاوية حركة طبقية تتعدى بالطبع اطر بلد ما ومن زاوية راية عالمية لتغيير المجتمع. ومن هذه الزاوية، وقبالة اشتراكية افلة، يمكن، وبوضوح، رؤية حركة اشتراكية اخرى تستند، تماماً، الى اسس طبقية اخرى ومتخندقة في رحم احتجاج اجتماعي آخر. حركة اشتراكية حية ولها ردها. اعتبر نفسي فعال هذه الحركة، بغض النظر عن كيف ترى المعارضة اليسارية للبرجوازية الايرانية نفسها اليوم؟ وبغض النظر عما حصل لحركة رأسمالية الدولة على الصعيد العالمي، وبغض النظر عما في بالهم عن الماركسية، ماذا تعني وما لاتعني؟ بوصفي فعال الحركة الاجتماعية للعامل، عليّ الانشغال بتنظيم وتطوير هذه الحركة. وعليه، ومع ابحاث الشيوعية العمالية، خرجنا من هذه التجربة براية الماركسية وبأعتبار الاحتجاج الطبقي اساساً. ان ذلك يعارض المسار العام الذي اتخذه اليسار الراديكالي الايراني الذي استعرض بلوغة السياسي، على وجه الخصوص، عبر التأكيد على انعدام ايمانه بكليهما. اعتقد ان الشيوعية العمالية من جهة والليبرالية والاشتراكية الديمقراطية الجديدتين من جهة اخرى ستشكلان التقاليد النضالية والميول الحزبية الاصلية في المعارضة الايرانية في المرحلة المقبلة. ان مجمل الاحزاب والتيارات اليسارية القائمة ستغير اشكالها وتُستَقْطَبْ حول تأثير هذين التيارين الاصليين. في الواقع، عندها ستتطابق الساحة السياسية بشكل ما مع الوقائع الاقتصادية للمجتمع. ان أي شكل من اشكال التحزب بين كلا التيارين تحت اسم اليسار لن يتعدى نفس التذبذب الفئوي للجيل السابق لفعالي المعارضة الايرانية، ولن يكون له محتوى واهمية اجتماعية جدية. بسوي سوسياليزم: بالقدر الذي تؤكد فيه على السمة الطبقية الخاصة للشيوعية، أي حقيقة كون الشيوعية حركة العامل الاحتجاجية المناهضة للرأسمالية، بذات القدر، ثمة اعتراض قديم يطرح مناهضاً للشيوعية عموماً، وبصورة بارزة، يطرح امامكم الا وهو مسألة الثقل الاقتصادي والعددي للعمال في الرأسمالية المعاصرة. اذ يقال انه، وجراء التقدم التكنلوجي والثورة التكنلوجية، لم يعد العمال كطبقة، من الناحية العددية، القوة التي تحدث عنها ماركس، حيث لاتمثل اغلبية المجتمع. واستناداً الى زعمهم هذا، يفقد البديل الشيوعي ارضيته الاجتماعية. ان هذا التصوير شائع بين الاحزاب المسماة بالشيوعية، الأوروشيوعييين واليسار الجديد وغيرها في اوربا. ان هذه الاحزاب، على الاقل من الناحية النظرية، سعت الى توسيع قاعدتها الاجتماعية وتنويعها. ان هذا خلاف ماتقوم به. قد يقولون ببساطة ان شيوعيتكم العمالية سوف لن يكون لها خاتمة سعيدة طالما لايتمتع العمال، كطبقة، بمكانتهم الاقتصادية السابقة وثقلهم العددي. مارأيكم بهذا؟ منصور حكمت: برأيي ان هذا انتقاد مفيد جداً ذلك انه يفسح لنا المجال للتوضيح الاكثر لاختلافاتنا وتمايزاتنا الجدية مع الاشتراكية والشيوعية القائمة ومع نفس الشاكلة من اليساريين. ان مسألة ماهوالثقل العددى والاقتصادي والسياسي للعمال في المجتمع الراهن، وماهي التغييرات الطارئة عليه اذا ما قورنت على سبيل المثال بعصر ظهور الرأسمال وثورة اكتوبر او الحرب العالمية الثانية، لهي مسألة موضوعية، يمكن تقييمها موضوعياً ولا تحتاج الى جواب ايديولوجي. على وجه التحديد، من هذه الزاوية الموضوعية، اعتقد ان اؤلئك الذين ليسوا مستعدين لرؤية النمو الهائل في كمية العمال بالاجر في العالم المعاصر، اذا ماقورنت بأي مرحلة سابقة، انهم ينظرون بالتأكيد للعالم عبر النظارات الايديولوجية المعادية للاشتراكية. عندما كان ماركس يكتب الرأسمال، كان الرأسمال بوصفه علاقة انتاجية، علاقة تستند الى تشغيل العمل المأجور، لايتجاوز حفنة من البلدان.ان معظم البلدان التي قوى عملها وأحصائياتها التشغيلية مسجلة الان في منظمة العمل الدولية ربما لم تكن موجودة على الخارطة السياسية والاقتصادية العالمية انئذ. اما الان، ففي ارجاء العالم المختلفة، اصبح العمل المأجور بالنسبة للرأسمال سبيل لعيش الاغلبية العظمى من المنتجين. خلف تلك الاعتراضات، تكمن اوروبا المركزية الضيقة الافق ومحاولة ساذجة لتبرير الاصلاحية في اوروبا الغربية. ذلك ان بمقدور أي امرء مقارنة المانيا في العشرينات بكوريا وتايوان والبرازيل وجنوب افريقا وغيرهم اليوم، او الهند والصين الحاليتين بما كانتا عليه قبل ٥٠ عاماً، سيصل الى الاستنتاجات الاحصائية المناسبة. بالاضافة الى ذلك، انه لامر غريب ان يكون بـحث الثورة وحركة العامل الصناعي والحديث اقل امكانية للتطبيق اليوم عما كانت عليه قبل ٥٠ عاماً -ناهيك عن قبل مئة وخمسين عاماً - حيث ما ان يقع بصرك على أية جريدة في أية لغة، سترى الحديث عن الانتاج والاجر والتراكم ومردودية العمل ومجابهة الدول والمنظمات العمالية. ان هذه الاعتراضات تافهة. انها تبريرات الاشتراكية البرجوازية التي تأمل خلق اعذار علمية و "ماركسية" ظاهرياً لتبرير انفصالها عن الطبقة العاملة والاحتجاج العمالي او لاعلان وفائها، نظرياً، للبرلمان والنضال البرلماني لدى البرجوازية. اعتقد ان العامل في الميدان الاقتصادي والسياسي لم يكن مقتدراً في يوم ما مثلما هو عليه الحال اليوم. ولكن مهما تكن احصائيات المرء وملاحظاته الموضوعية لاوضاع الطبقة العاملة، ان ردنا على هذا الاعتراض هو شيء واحد فقط. دعنا، لوهلة، قبول ان العمال يشكلون طبقة اقلية في المجتمع وان ثقلها ووزنها الاقتصادي في افول. حسناً وماذا بعد؟ نحن فعالوا الحركة الاحتجاجية للعامل. اننا نناضل من اجل ارساء البديل الاجتماعي والاقتصادي للعامل كطبقة. بمقدور امرء يمتلك ذلك الخيار ان يغير حركته وقضيته استناداً الى تقرير إحصائي حول ثقل ووزن الطبقات. بيد ان الشيوعيةالعمالية حركة سياسية اجتماعية لطبقة، سواءاً كانت تمثل ٢٠٪ من السكان او ٥١٪ منهم، فان ذلك لايُغير شيئاً بالنسبة لنا. ان ذلك لايغير من مكانة العامل في الانتاج. لايغير البنية الاقتصادية للمجتمع. لايغير من بديل هذه الطبقة لتنظيم المجتمع البشري. إذ مايزال على العامل ان يبيع قوة عمله يومياً ليعيش. وعليه، فأنه مايزال يرى العالم من نفس الموقف، ولديه الحل ذاته. ان الشيوعية ليست فكرة او وصفة اقتصادية واجتماعية بحث ماركس وفقها واختار الطبقة العاملة من بين الطبقات الاخرى. ان تلك هي الطريقة التي فهم بها معظم اليسار العلاقة بين الماركسية والطبقة. وعليه، ليس بأمر عجيب ان اشتراكيينا الذين يدركون الان ان العمال قد انخفضوا عددياً، وما عادوا يمثلون الاكثرية، يبحثون عن اداة جديدة لتحقيق الاشتراكية او حتى يتركونها كلياً، باحثين عن أي نظام تريده الاغلبية الان لينخرطوا في قضيته. الاشتراكية ليست تاجاً يمكن وضعه على رأس أية فئة اوطبقة. انها قضية العمال بوصفهم طبقة اجتماعية محددة. الشيوعية حركة العمال لتحطيم الرأسمالية والغاء العمل المأجور ومحو الاستغلال والطبقات. لم يستنتج ماركس قط مشروعية الشيوعية من فكرة اكثرية العمال. كما لم يكن العمال بأية حال من الاحوال اكثرية في عصره. بالنسبة للشيوعية، لم تُسْتَنْتَجْ احقية العامل ومشروعية وضرورة الثورة العمالية من أي مقولة مثل الديمقراطية واغلبـية الكادحـين. ان العامل وعدائه للرأسمال هي نقطة انطلاق البحث. هل النضال من اجل مساواة المرأة بالرجل أُستُخلِصَ وبُرِرَ استناداً الى عدد النساء في المجتمع وكونهم اكثرية؟ هل السود اكثرية؟ هل تتغير قضية ونضال فعال حركات حقوق المرأة والمساواة العرقية استناداً الى احصائيات عدد النساء والملونين؟ لماذا يتحتم على الشيوعية بوصفها حركة احتجاج عمالي ان تكون شيئاً غير ذلك. في الواقع، انه في الوقت الذي يمكن فيه، بالتأكيد، رؤية احتجاج المرأة والاقليات متجذرة في مكانتهم الموضوعية والمعطاة في المجتمع. فأن ما يسمى بالحركة الشيوعية والاشتراكية القائمة ليس بوسعها الادعاء بمثل هذه الرابطة الموضوعية مع العامل ككيان اجتماعي معطى. لوكانت الشيوعية القائمة تمثل الاحتجاج العمالي بالفعل، عندها كان سيبدو هذا المأخذ بنفس الدرجة من السذاجة الذي ينطوي عليه المثل الذي ذكرناه حول المرأة. وعندها لم ُتطرح مثل هذه المسألة والاطروحة في اطار التقاليد الفكرية للشيوعية. لكن شيوعية عصرنا تتموضع في نفس مكانة الاشتراكية الطوباوية لعصر ماركس. مجموعة من الافكار والنماذج التي يتحتم تنفيذها من قبل الطبقات الاجتماعية. تحولت الشيوعية الى الاسم الرمزي للاحزاب الاصلاحية اللاعمالية والتي هي بحاجة، لتحقيق برنامجها، الى قوى الطبقة العاملة. فإذا ما اشار امرء ما الى ان العمال ماعادوا تلك القوة السابقة او ان الماركسية بالغت في موضوعة الاهمية الاجتماعية للعمال، حينها يجب على التيارات التي سمت نفسها بالشيوعية ان تفرش بساطها في مكان آخر: بين الشعوب المضطهدة، الطلاب، الفلاحون وغيرهم. وهذا هو ماحصل لحد الان. اما العامل، بمكانته الموضوعية، باحتجاجه على نظام العمل المأجور والملكية الخاصة، بطريقته الواقعية لانقاذ البشرية، فمازال في مكانه، ولا يستطيع ان يحتج على النظام القائم بغير الشيوعية. نحن فعالوا هذه الحركة. وهذه الحركة وفقط هذه الحركة هي ردنا على الاوضاع الراهنة. الاستاذ الجامعي الفلاني، الشيوعي سابقاً، بمقدوره غداً ان يصبح "اخضراً"، اشتراكياً ديمقراطياً، قومياً او حتى صوفياً. الطبقة العاملة لاتستطيع ذلك. يمكن ان يُقال لنا: قوموا باحتجاجكم الشيوعي والطبقي، ولكن انتصاركم اصبح غير ممكن وذلك لتغير مقدار ثقل العمال في الاقتصاد والمجتمع او لان مشروعية ثورتكم تحت طائلة سؤال اكثرية المجتمع. بغض النظر عن اعتقادي بأن هذه هرطقات رأسمالية فارغة ضد العامل، فأن جوابي هو: لاحاجة لان يشكل العمال اكثرية المجتمع كي ينتصروا. لان ديناميكية هذا الانتصار ليست عملية اقتراع عام في وضح النهار. يرسف المجتمع بالتازم والثورة. هذا هو القانون الاساسي للعالم الرأسمالي. في صلب هذه المرحلة الثورية، يتخذ الاصطفاف الاجتماعي شكلاً حول سبل حل ورايات الطبقات االرئيسية في المجتمع، العامل والرأسمالي. ينتصر العامل بوصفه العمود الفقري للانتاج في المجتمع الراهن، بمثابة قائد المجتمع الجديد، بمثابة تلك الطبقة الاجتماعية التي لديها سبيل حل واقعي للانهاء التام للمصائب والويلات التي يرسف تحت وطأتها البشر. البرجوزاية نفسها لم تستلم زمام السلطة الا بهذه الطريقة دون ان تتجاوز ابداً من الناحية الكمية اقلية ضئيلة في المجتمع. وما يبعث على الدهشة هو ان الاشخاص الذين يضعون اليوم علامة الاستفهام على مشروعية الثورة العمالية، استناداً الى النسبة المئوية للطبقات مقارنة بمجموع السكان، هم انفسهم يقبلون اليوم بشرعية سلطة اقلية برجوازية ضئيلة جداً. اقتدار الطبقة العاملة لا يكمن في كميتها فقط. يكمن هذا الاقتدار اساساً في مكانة هذه الطبقة في الانتاج الرأسمالي وفي موضوعية وحقانية اسلوب الحل الذي يقدمه العامل للمجتمع اجمالاً. يمكن ان يحل يوم ما يشكل فيه موظفو الحكومة والقطاع الخاص اكثرية الجماهير كما كان الفلاحون في فترات معينة من التأريخ. اما الصراع الاجتماعي الذي يحدد حتى مصير هذه الاكثرية التي افترضناها هو الصراع بين الطبقات الاجتماعية الرئيسية في المجتمع، أي الطبقات التي حصلت على هذه المكانة بناء على مكانتها في الانتاج ضمن المجتمع الراهن، وبين افاقها وبدائلها. الى هنا اظهر المجتمع البرجوازي افلاسه التام وتناقضه مع سعادة الانسان وكرامته. الشيوعية العمالية جواب على هذا الافلاس. وعلى اية حال، حلت مرحلة اظهار قدرة العامل في الميدان السياسي مرة اخرى. وهذه المرة، بأعتقادي، وبألاخص في مهد الرأسمالية وفي قلب تلك المجتمعات التي قل فيها ثقل العامل كما يدعون. ارى ان السنوات المقبلة، افضل من أي استنتاج، ستجعل الاشتراكيين القدماء واحزابهم الجديدة يدركون الاقتدار الواقعي للعامل. *
بسوي سوسياليزم:في بداية الحديث، اشرت الى وجود اتجاهات مختلفة داخل الحزب الشيوعي الايراني وتجابهها. سمات كاليمين واليسار والوسط. ألا توضح الخصائص الاجتماعية والفكرية لهذه الاتجاهات. ما هو تصوركم للخصائص السياسية والاجتماعية لهذه الاتجاهات؟ منصور حكمت: لكي نحدد خصوصيات الاتجاهات المختلفة في الحزب، يجب ان نوضح بدءاً، المسار الاصولي الذي انبثق من خلاله هذا الحزب. وماهي التأثيرات التي تلقاها من الاوضاع والظروف الاجتماعيةالمحيطة به. اتخذ الحزب الشيوعي الايراني شكله تحت راية حركة داخل اليسار الايراني كانت تطلق على نفسها اسم "الماركسية الثورية الايرانية ". وكان الاطار الفكري لهذا التيار هو نقد الشعبوية والعودة الى الماركسية الارثودوكسية. ومع اضمحلال الاشتراكية الشعبوية، ظهر الحزب الشيوعي كتيار ناقد للاشتراكية الشعبوية. وكان هذا التيار، من الناحية السياسية، اكثر اجنحة المعارضة اليسارية في ايران يسارية. اما في الواقع، فأن الذي ساهم في تأسيس الحزب الشيوعي الايراني ليست تيارات اجتماعية وسياسية فقط، بل ان هذه "الماركسية الثورية الايرانية" نفسها كانت ظاهرة هجينة تحمل في طياتها اهم الصراعات بين اتجاهات داخل الشيوعية الايرانية. اذا بحثت في الظروف التأريخية لظهور هذا التيار لوجدت مساريين رئيسيين: الاول، فعالية الحركة الاحتجاجية للطبقة العاملة طوال عهد الثورة. وتشكل، او بالاخرى، تقدم شريحة من العمال الاشتراكيين الصفوف الامامية لهذه الحركة الاحتجاجية. بعبارة اخرى، نشطت الاشتراكية العمالية في ايران بقوة في ميدان الحركة الاحتجاجية ابان الثورة. الثاني، بجوار هذه الحركة الطبقية، شهدنا تعمق راديكالية فكرية وسياسية داخل اليسار الراديكالي اللاعمالي. كانت حركة اليسار الايراني حركة مثقفين. وطوال فـترة الثورة، انعطفت هذه الحركة، والتي تعتبر من ناحية مكانتها الاجتماعية حركة متمايزة تماماًعن الاشتراكية العمالية، نحو ماركسية مبدئية ثورية مجابهة للشعبوية وغيرها. وعلى اية حال، كانت "الماركسية الثورية الايرانية" من الناحية العملية، تياراً معيناً، لكنها كانت تمثل الاصطفاف والتأثير المتبادل لهذين المسارين الاجتماعيين المختلفين على بعضهما. بعبارة اخرى، كان تيار الماركسية الثورية جسراً يربط بين هذين الاتجاهين الاجتماعيين المختلفين من جهة، ومن جهة اخرى، كان اطاراً للتعايش بين الاشتراكية العمالية والراديكالية الاشتراكية للمعارضة المثقفة لفترة معينة. ظهر تيار راديكالي يجعل اليسار اكثر راديكالية. ولكنه في التحليل الاخير، يبقى الاشتراكية العمالية مع راديكالية المثقف اليساري الايراني بنفس المصير. هذا الترابط والتعايش هو حصيلة التقارب بين هاتين الحركتين في نضالهما ضد الشعبوية وضد ابتعاد المعارضة اليسارية عن العمال واغترابها عن نظرية ماركس. على اية حال، خلاصة قولي، ان "الماركسية الثورية الايرانية"، أي ذلك التيار المحدد الذي تأسس تحت رايته الحزب الشيوعي الايراني، كان مبنياً، من البداية، على ركيزتين اجتماعيتين مختلفتين.هذا التيار كان حصيلة تقارب وتعايش تيارين اجتماعيين مختلفين، اي النقد الماركسي داخل اليسار اللاعمالي بمحاربته الشعبوية من جهة والاشتراكية العمالية بمجالسها واضراباتها وقادتها العمليين من جهة اخرى. ومن الواضح، فأن تصعيد النقد الماركسي لم يكن بوسعه سوى دفع اليسار الايراني نحو الطبقة العاملة ونحو التطابق الاكثر مع الاشتراكية العمالية. ان الحركة النقدية النظرية والسياسية، والتي اتخذت لها شكلا داخل اليسار الراديكالي الايراني، كانت تقوي مكانة الاشتراكية العمالية وتعززها من كل ناحية. ولكن كتيار سياسي معين، لم تكن الماركسية الثورية الايرانية هي نفس الاشتراكية العمالية. كانت معسكراً معادياً للشعبوية ذا اتجاهات مختلفة في احشائه. ومن الواضح كذلك، مع زوال الشعبوية، تؤول الحياة المفيدة لهذا المعسكر الى خاتمتها. ان اضمحلال الشعبوية وتأسيس الحزب الشيوعي الايراني، بحد ذاته، دلالة عملية على الانتصار على الشعبوية. بالطبع، وكما ظهر على الصعيد العملي، انهى ضرورة هذا الغطاء وهذا الاطار المشترك وجزء هذا التيار الى مكوناته. ان هذا التطور، والذي يعتبر مرحلة مهمة من مراحل تأريخ تطور الاشتراكية العمالية في ايران، والى الحد الذي اصبح فيه الحزب الميدان الرئيسي للاشتراكية الراديكالية في ايران، ظهر الى حد كبير بشكل بروز انقسامات داخل الحزب الشيوعي الايراني . كان هذا الاطار المشترك، على اية حال، الاساس الرئيسي والرسمي لتشكيل الحزب. ان برنامجه، مطاليبه، تقاليده تم قبولها كلها بمثابة مباديء وحقائق يجب ان يعمل الحزب وفقها. ولكن الحزب لم يبق مقتصراً على هذا التيار والاتجاهات التي كونته. تسللت الي الحزب عدة اتجاهات مهمة. في كردستان، كانت القومية الكردية متدخلة في تقاليد نضال الكوملة(٥)، من البداية، ولو باشكال اكثر شعبية واكثر راديكالية. وفي المؤتمر الثاني للكوملة، انتصرت الماركسية الثورية بصورة رسمية داخل هذه التنظيمات، ولزم التيار القومى الصمت ولكنه تسلل الى الحزب في ظل الكوملة. ومن ناحية اخرى، وعلى صعيد ايران عامة، اصبح الحزب الشيوعي وقبله حتى نفس تلك التنظيمات والكتل المعروفة بالماركسية الثورية قطباً جذاباً لليسار الراديكالى الايرانى بصوره عامة. ولجت الاتجاهات المختلفة في اليسار الراديكالى الايراني الى الحزب بشىء من التعديل والاصلاح. في عام ١٩٨٣ ، اصبح الحزب الشيوعي مكانا لنشاط كل هذه الاتجاهات وتحت الغطاء العام للماركسية الثورية الايرانية". كان طبيعياً ان يختل التوازن بين الاتجاهات ولا تبقى على حالها بالنظر للتطور الفكرى والسياسي في داخل الحزب والاهم من ذلك التحولات الموضوعية على الصعيد الاجتماعي في ايران وعلى الصعيد العالمى. كل هذه العوامل ادت الى تباعد الاتجاهات السياسية داخل الحزب الشيوعي الايراني. ظهر اليسار واليمين والوسط كحصيلة لحركة تطور الاتجاهات داخل الحزب في الاوضاع الجديدة. بسوي سوسياليزم: قلتم بأن هذه الاتجاهات تباعدت عن بعضها بفعل تأثير العوامل الداخلية والخارجية. ماهي هذه العوامل وفي أي شكل يظهر انفصال هذه الاتجاهات؟ منصور حكمت: اعتقد بأن اهم العوامل هي التحولات التي تطرأ الان على ما يسمى بالحركة الاشتراكية في العالم. فعندما تفقد "التحريفية" موضوعيتها، يفقد ذلك اليسار الراديكالي الذي كانت هويته "معاداة التحريفية" ارضية وجوده ايضاً. ان اليسار الراديكالي، ومن ضمنه تيار الماركسية الثورية في ايران الذي كان يدافع تماماً عن النقاء النظري والعودة الى نظرية ماركس، كانت اهميته وموضوعيته تكمن، اساساً، في انتقاده للتحريفية وفي مواجهتها لا لكونه اطاراً معيناً لاحتجاج اجتماعي وطبقي. لذا، فأن ما شاهدناه هو فقدان الخط والفكر الرسمي في الحزب لصفته الانتقادية والهجومية للعالم الذي يحيط به، وتحوله الى ايديولوجية حزب سياسي معين وفلسفة ادارة الحزب. وكانت هذه، ولفترة طويلة، ظاهرة معروفة تماماً في الحزب. قادته يكتبون حتى تصدر جريدة او تكون للاذاعة برامج. وزال، بصورة تدريجية، ذلك الشعور بالحقانية والاسراع في تثبيت نظراته في مواجهة الاتجاهات والتيارات الاخرى في المجتمع والتي كانت تتسم بها مرحلة انتقاد الشعبوية. ان هذا هو الشيء الذي لم يكن بالامكان تجنبه لان الاطار الفكري للحزب و المعادي للشعبوية كان قد ادى دوره وحصل على نتيجته التنظيمية. بعد تأسيس الحزب، يغدوا الامر الواقعي ادارة الحزب. نوهنا الى هذه المسألة في مقدمة (بسوى سوسياليسم)(6) العدد الاول بعد سنة من تأسيس الحزب. على اية حال، فأن ظهور هذا المسار التباعدي للاتجاهات يمكن ملاحظته في مراوحة الخط الرسمي وسيادة فكرة تقديس العمل التنظيمي. ان رخاوة هذا التيار تتزامن، في الوقت ذاته، مع التحولات الفكرية والسياسية المهمة للغاية في مجمل الحركة المسماة بالشيوعية، وحمل هذا معه تيار واسعاً من التفحص والتمعن واعادة النظر داخل اليسار المثقف. ان الشيوعية التي تستطيع ان تظهر اندفاعها وثباتها هي فقط الشيوعية التي لها جواب على مسائل هذه المرحلة. لم يُستخرج هذا الجواب من الاطار الفكري السابق، بل تم الحصول عليه جراء نقد هذا الاطار من زاوية الشيوعية العمالية، (وعلى اية حال، حسب اعتقادي، تم الحصول عليه). بعبارة اخرى، بعد ان ظهر للعيان محدودية الاطار الفكري المعادي للشعبوية، وبعد ان تبين الضعف العملي لهذا التيار بقيافته الحالية في التنظيم الطبقي، شرعت الاشتراكية العمالية بالتحدث كأتجاه متدخل في الحزب الشيوعي كتقليد متمايز هذه المرة. نرى في هذه المرحلة ادبيات حزبية متفاوتة يطرحها هذا الخط ليس لها جذور في الاصول الفكرية المعادية للشعبوية. ان المسائل المتعلقة بالتجربة السوفيتية، المواضيح المتعلقة بالتنظيم العمالي وغيرها، ولو انها كانت تنشر كلسان حال الخط الرسمي وفي الهيئات المركزية، ولكن من الواضح انها كانت تقف موقف الناقد لهذا الخط الرسمي لحد الان وحتى لبعض الاسس البرنامجية والمفاهيم الاساسية لحدالان. بعد تأسيس الحزب، باعتقادي، بدأ الخط العمالي، تيار اليسار، تدريجياً وبعد المؤتمر الثالث، يفصل حساباته بشكل رسمي عن الخط الرسمي للحزب. وبقدر ما يتعلق الامر بداخل الحزب الشيوعي الايراني، تطرح مباحثات الشيوعية العمالية كهجمة علىالوسط. يدعي التيار اليساري بأنه على اختلاف اجتماعي وطبقي مع التقليد الفكري والعملي السائد في الحزب . تنشأ حركة التيارات اليمينية كذلك من التحولات الخارجية للعالم. يمكن ملاحظة، بصورة جلية، انعدام افاق النزعة القومية الكردية خارج الحزب الشيوعي الايراني وبالاخص تحت تأثير الاوضاع في المنطقة. ولا يخفىعلى احد الاضطراب السياسي والعملي للحزب الديمقراطي واتجاهات المعارضة الكردية في العراق.النزعة القومية، بتقبلها محيطاً اكثر راديكالية والابقاء على لهجتها الماركسية داخل الحزب الشيوعي، تعاني من نفس انعدام الافاق ايضاً. النزعة القومية هي نزعة قومية لا يتغير افاقها ونظراتها الاجتماعية بمجرد تواجدها داخل الحزب الشيوعي. ان ازمة الاشتراكية البرجوازية على الصعيد العالمي ورخاوة الخط الرسمي داخل الحزب، واخيراً ما آلت اليه الحرب الايرانية العراقية، حيث يضيق الخناق على هذه التيارات، يقلل من امكانية انعطاف هذا التيار وقدرته على المناورة والتحمل. اضف الى ذلك حملة اليسار داخل الحزب. من الواضح، فأن هذا التيار، يجب عليه، في نهاية الامر، ومن موقعه الثابت ان يتحرك ويقاوم. تعتبر الميول اليسارية الجديدة والاشتراكية الديمقراطية داخل الحزب حصيلة رسمية للاوضاع العالمية الاخيرة. مدت هذه الاوضاع يد العون كي يتعرف قسم من فعالي اليسار الراديكالي بعد الان على ميولهم السياسية. وقد كان بحثنا، بمجمله، يقتصر على ان اليسار الايراني في الاساس هو تيار ديمقراطي معادي للاستبداد. وبالتالي، فأن البرجوازية الصغيرة الايرانية المتذمرة التي كانت تطرح مشاغلها الفكرية وميولها، قبل عشرة سنوات، بأسم الماركسية بأعتبارها نظرية معتبرة، ترىالعالم كله اليوم يعلن نهاية الماركسية، فما الذي يجعلها تتحمل هذا القالب وتلك اليافطة. بالاضافة الى ذلك، فقد سنحت فرص للمثقف اليساري الايراني، وعلى صعيد اوسع، لكي يتعرف اكثر على الجذور الفكرية غير الماركسية. في هذه الاوضاع، مع الغورباتشوفية في روسيا، والفتحة التي حصلت في طبقة الاوزون وغيرها، من الصعب على هذا الاتجاه ان يبقى سعيداً بحزب تقاليده الرئيسية هي معاداة الشعبوية. لا يستطيع هذا التيار اليوم مطلقاً ان يقترب من المناقشات التي تدور حول الشيوعية العمالية. كل هذا يعني ان في داخل الحزب الشيوعي الايراني، وكما هو الحال في المجتمع بصورة عامة، تجنح الاشتراكية اللاعمالية نحو طريق مسدود وهي قيد الزوال. والاشتراكية العمالية بصدد الانفصال عن تأريخ اليسار اللاعمالي وعن فكرهُ وممارسته. وقد اسهمت الاوضاع العالمية كثيراً في التعجيل بهذا المسار داخل الحزب الشيوعي الايراني. بسوي سوسياليزم: اذا كان بحث الشيوعية العمالية والاطار الفكري الاولي للحزب، على السواء، يمثلان التأكيد والعودة الى الماركسية الارثدوكسية، حينها، وكالعادة، يجب ان لا يتضمن نقدكم الحالي انتقاداً نظرياً للاطار الفكري الاولي للحزب. من الناحية العملية، يظهر ان بحث الشيوعية العمالية في داخل الحزب فُسِرَ كونه انتقاداً لممارسة الحزب وليس لنظامه الفكري لحد الان. هل تعتبر هذا الاستنتاج وهذا الفهم صحيحان؟ منصور حكمت: كلا. انها صيغة يرغب بها دون شك اكثر الرفاق لانها توضح موضوع اليوم، بشكل ما، كأمتداد لموضوع الامس وتحافظ على الارتباط التأريخي للحزب. اعتقد ان الشيوعية العمالية تتضمن انتقاداً نظرياً جدياً للاطار الفكري لما يسمى بالماركسية الثورية الايرانية. ان تأكيدهما على تبني الارثدوكسية الماركسية، حتى من الناحية النظرية، غير كاف لكي نعتبرهما حالة واحدة. ان الموضوع، بمجمله، يتمحور حول فهمنا المتفاوت لهذه الماركسية وهذه الارثدوكسية. بعبارة اخرى، تقف الشيوعية العمالية كخلاصة موقف انتقادي جدي بالنسبة لماضينا الفكري والسياسي. دعنا نوضح ذلك اكثر لانني اراه مهما وبالاخص فيما يتعلق بمصير هذا التيار داخل الحزب الشيوعي الايراني. كما ذكرت في السابق، أنني أبدأ من تجابه الحركات كظواهر اجتماعية. وعلى هذا الاساس فقط، استطيع ان اعرف تجابه المدارس الفكرية والنظم الفكرية. كانت "الماركسية الثورية الايرانية" حركة فكرية وسياسية اجتماعية. كانت اطاراً فكرياً لحركة مادية بدأت السير في المجتمع الايراني في فترة معينة واعطت نتائج ملموسة وقابلة للمشاهدة تماماً على صعيد المجتمع. هناك الكثير ممن يرغبون ان يعتبروا هذا كعنوان كان "اتحاد المناضلين الشيوعيين"(7) يطلقه على نفسه كفصيل شيوعي. انهم ليسوا حتى مؤرخين جيدين. في الواقع، ان تيار الماركسية الثورية الايرانية كان تياراً انتقادياً داخل اليسار الراديكالى اللاعمالى في ايران والذى اكتسب نفوذا واسعاً طيلة السنوات ١٩٧٨ - ١٩٨٢ داخل هذا اليسار، وفي النهاية، قلب الملامح السياسية والنظرية لهذا اليسار رأساً على عقب . وضع هذا التيار علامة استفهام على المضمون المشترك لكل الاتجاهات اليسارية الراديكالية الايرانية، اى الشعبوية، واصبح وسيلة من اجل نهضة فكرية رئيسية داخل هذا اليسار. وفي الحقيقة، قلما نشاهد في تأريخ اليسار الايراني هذه الحالة الكلاسيكية من تفتح وشمولية نقد معين ونظام انتقادى معين. بالضبط كما هو الحال في مدرسة للرسم او الموسيقى او النقد الادبي تنتشر في كل الارجاء، انتشرت الماركسية الثورية الايرانية كذلك في كل ارجاء اليسار الراديكالي. ان الافكار التى طرحت، في البداية، من قبل فصيل صغيرة، اصبح لها متحدثين ودعاة ومدافعين في كل ارجاء اليسار الايراني في فترة زمنية قصيرة. مارس هذا التيار الانتقادى ضغطاً على كل التنظيمات. ولم تتشكل اتجاهات قوية لصالح هذا النقد فحسب، بل اخذ عنه معارضوه، وبسرعة متناهية، لغته وصياغاته. كان هذا التيار رمز الانعطاف نحو اليسار الاشتراكي الراديكالي في ايران. وفي فترة قصيرة، اصبح يمتلك قوة هائلة ادت به، من الناحية العملية، الى ان يصبح الميدان الرئيسي للراديكالية اليسارية في ايران وأسس حزباً سياسياً يسارياً راديكالياً اكثر نشاطاً واكثر نفوذاً الا وهو الحزب الشيوعي الايراني. وأستُقطب اليسار الايراني طوال ثورة ١٩٧٩ ، وتعرض مركزه للتشتت، فانعطف يمينه نحو حزب توده (الشعب) والاشتراكية الديمقراطية، وتحول يساره، على أساس هذا النقد الماركسي الثورى للشعبوية، الى تيار حزبي مقتدر. من الواضح ان هذا التيار الانتقادى كان مستندا على الارثذوكسية الماركسية قبالة الشعبوية. ومن الواضح ايضاً، ان اكثر فعالى هذا التيار لم يعتبروا الماركسية مقتصرة على نقد الشعبوية ولم يهبطوا بها الى هذا المستوى. اما كحركة اجتماعية معينة، فكان هذا التيار، وعلى اية حال، يبين سيماء محددة عن نفسه. ولكن مسألة فهمنا للماركسية، باعتبارنا قادة وفعالين في هذا التيار، يُعتبر موضوعاً قائماً بذاته. اما ماهو استنتاج الحركة الماركسية الثورية، باعتبارها حركة محددة وموضوعية من الماركسية، فأنه مسالة اخرى. والثاني اكثر اهمية . ان الامر كذلك في جميع الحركات . فالقسم الذى يتحول من فكر ووعي قادة و فعالي تيار معين الى خاصية فكرية وموضوعية لحركة معينة، بصورة عامة، هو ذلك القسم الذى يتناسب مع الامال والخصائص المادية والاجتماعية لتلك الحركة. وعلى اية حال، ربما تكون لحركة معينة مشاغل اجتماعية معينة لا تعكس صور لافاق فعاليها ومفكريها وقادتها. ان تيار الماركسية الثورية، راية راديكالية اليسار المثقف الايراني، وتحت وطأة الاشتراكية العمالية والنفوذ المعنوي للماركسية، كان ينشد، وللمرة الاولى، ولو بروايات اكثر اصولية، ان يطرح نفسه داخل اليسار الايراني. على اية حال كانت الماركسية الثورية، كتيار معين، ترجع الى الارثذوكسية بالقدر الذى يناسب يسارا غير عمالي فعال في ثورة معينة. ويمكن ان تكون في اذهان اكثر فعالى هذا التيار افاق أبعد أو اضيق من هذا. أن العودة الى الماركسية كان يحدث في حدود معينة، وفي اطار مشكلة اجتماعية معينة طرحتها هذه الحركة امامها. الشيوعية العمالية تنتقد هذه الحدود وتلك المشكلة الاجتماعية وتحطمها. ولذلك فهي تضع امامها مجموعة من المسائل النظرية والمشكلات الفكرية البرنامجية، والتي لم يكن بالمقدور اساساً حتى طرحها في اطار الماركسية الثورية الايرانية، فكيف الحال بالاجابة عليها. السؤال الاساسي هو : اين هي نقطة العودة الى الماركسية بالنسبة لكل من تيارى "الماركسية الثورية الايرانية" والشيوعية العمالية. اذا ما اردت اليوم ان ابسط نقدى النظرى للنظام الفكرى المسمى بـ"الماركسية الثورية الايرانية" وان اعبر عنه في جملة واحدة اقول: هذا التيار كان يفتقد الى نظرة تأريخية والى فهم اجتماعي للماركسية نفسها بمثابة نظرية معينة وحركة معينة. اعتقد أن هذا التيار كان مفسراً ممتازاً للماركسية كنظرية. ولكن، دون شك، كانت العودة الى الماركسية مرهونة بالحد الذى تستوجبه المسالة الاجتماعية المطروحة امامه. كان هذا التيار يستنتج سياسات وتاكتيكات صحيحة من هذه النظرية. ولحد الان، فان كل مواقف هذا التيار من القضايا والمسائل السياسية، اثناء فترة الثورة وبعدها، مازالت تحافظ على نفس قوتها وصحتها. اما المشكلة فكانت في تبني الماركسية، لدى هذا التيار باعتبارهانظرية فحسب، نظرية تكشف عن حقائق الراسمالية وتنتقدها، نظرية توضح نقد العامل للمجتمع الراسمالي. أن هذا النقد وهذه النظرية كانا نقطة البداية في التفكير والادراك حول الممارسة الاجتماعية. كانت الماركسية الثورية الايرانية بصدد تنظيم حركة عملية، وبلا شك عمالية، على اساس هذه النظرية. ان هذه نظرة مقلوبة. هنا تظهر باعتقادى النظرة غير التاريخية لهذا التيار وانفصاله عن احدى الركائز الاكثر اساسية في الماركسية. لم تكن تنظر الماركسية الثورية حتى الان الى الماركسية كنظرية معينة بالطريقة التي كان ماركس يرى بها النظرية بشكل عام. كانت تعتبر الماركسية كنظرية معينة، غير اجتماعية وغير تأريخية. ان اطروحات ماركس حول فيورباخ والتي توضح بشكل اكثر ايجازاً نظرة ماركس للعلاقة بين الفكر والممارسة الاجتماعية والطبقية، تشمل كذلك الماركسية نفسها كفكر معين ايضاً. ولا يمكن اعتبار كل افكار ونظريات الانسان حصيلة المجتمع ، وايجاد الاستخدام التاريخي لها ، وربط صحتها وعدم صحتها بممارستها الاجتماعية، وفي الوقت نفسه فهم وادراك الماركسية كفكر مجرد عن الممارسة الاجتماعية وسابق لها ، مستقل عن استخدامه التاريخي وبمثابة مجموعة من الاحكام الحقيقية حول العالم الموضوعي. ومن الواضح ان تصور اقسام نظرية ماركس وتفسيره لاساليب الانتاج ، ولمصدر الربح والدولة وغيرها هي ، بالاجمال ، احكام علمية وقابلة للفهم والادراك بصورة مستقلة. لكن قبولها لا يعني قبول الماركسية لان اساس الماركسية هو النقد. ولا نقصد بالنقد نقد عقل وذهن معين لما يحيط به، بل هو نقد وممارسة وحركة موضوعية ومادية في المجتمع لكل المجتمع. لا نستطيع جمع الاحكام الماركسية على شكل مجموعة عقائد ونطلق عليها اسم الماركسية. الماركسية، قبل كل شيء، تعني التخندق في نفس المكان الاجتماعي وفي قلب نفس الممارسة الاجتماعية الانتقادية التي توفر الامكانية لاستخدام هذه الاحكام كنقد. وقد سعيت أن اوضح، في الندوة المذكورة، لماذا لايمكن تفكيك هذا الموقف الاجتماعى الخاص وهذه الممارسة الاجتماعية الخاصة عن الماركسية كنظرية، وكيف ان الماركسية اللاعمالية هي تناقض في ذاتها. اشرت، في المؤتمر الثاني، الى ضعف هذا الاطار الفكري الموجود. قلت باننا يجب ان لا نرجع الى النظرية الماركسية فحسب، بل الى نقطة بدايتها وركيزتها الاجتماعية. ليست الماركسية انتقاد العلماء والخيرين للرأسمالية. انها انتقاد العامل بمثابة طبقة معينة، وبمثابة انسان محتج حي في المجتمع الرأسمالي .ان التخندق في هذا المكان الاجتماعي لحزب سياسي، يدلل على ماركسيته مثلما يدل على ذلك قبوله بنظرية فائض القيمة. ولم تكن هذه، بالنسبة لرفاقنا، اعادة نظر علمية في الاطار السابق، بل كانت اصراراً على التوجه العملي نحو الطبقة العاملة. ولكن، وكما اسلفت، فأن ما يتوضح من خلال اختلافاتنا الجدية في التصور النظري للمسائل التي تواجهنا وتتوضح حتى في الوقت الحاضر فهي مسألة نظرية عميقة. وكمثال على ذلك نرى الاختلاف في ابحاثنا حول المسألة السوفيتية. يرى برنامج الحزب الشيوعي الايراني، ومن خلال تقاليد الماركسية الايرانية، بأن سبب الانهيار النهائي للثورة العمالية في روسيا هو سيادة (التحريفية). وفي بحثنا، انا والرفيق ايرج اذرين في نشرة (الماركسية والمسألة السوفيتية)، انتقدنا بصورة دقيقة نفس هذا التصور ورفضناه. وبدلاً من ان نبحث اسباب الانهيار في ارتداد هذا وذاك عن الماركسية كنظرية، نتخذ الحركة الاجتماعية للطبقة العاملة ومحدودياتها ووجود افقها او انعدامه كأساس لابحاثنا. ومن هنا، نتوجه الى تحليل اسباب تغيير استخدم الماركسية كنظرية من قبل الحركات الاجتماعية للطبقات الاخرى. أما حول مقولة التحريفية نفسها، فاننا نرفض وجهة النظر المدرسية ونقيِّم التحريفية كنظام وبنية فكرية لحركات اجتماعية. وعلى اساس اختلاف العامل مع هذه الحركات، ندخل في صراع معها وليس فقط على اساس الارتداد عن المدرسة الفكرية. وفيما يتعلق بالاوضاع العالمية، النضال الاقتصادي للعامل، الاصلاحات، تفسير الاحزاب السياسية، تحليل تأريخ الشيوعية، تحديد وظائف وافاق الحزب الشيوعي، العمل الشيوعي داخل الطبقة وغيرها، يمكن كذلك رؤية اختلافات نظرية جدية تظهر بين الشيوعية العمالية والاطار الفكري السابق. لم تظهر هذه الاختلافات بصورة كاملة طالما ان الاطار الفكري السابق، الشعبوية، تُوجه له سهام النقد بصورة رئيسية. وكما ذكرت، ان في هذا الميدان المحدد، وطالما يستهدف الفكر الماركسي محاربة الشعبوية، لم يكن بالامكان التحدث اكثر اوبشكلٍ مختلف عن ذلك. ولكن عندما ينتهي مفعول الشعبوية، وتُطرح مشاكل جديدة وبالاخص مسألة الممارسة الشيوعية وازمة الاشتراكية البرجوازية، تظهر نقاط ضعف الاطار السابق.
الهوامش: جرى الحوار التالي مع منصور حكمت في خريف ١٩٨٩. ان النص الذي بين ايديكم هو ترجمة عن النص الفارسي المنشور في مجلة "بسوي سوسياليزم" - صوب الاشتراكية- المجلة النظرية للحزب. ثمة قسمين لهذا الحوار: يتناول القسم الاول قضايا الطبقة العاملة والشيوعية بشكل عام. اما الثاني، فيركز، بصورة اكبر، على قضايا تخص اليسار الايراني، وعلى وجه الخصوص، الحزب الشيوعي الايراني. وقد تم اختصار الثاني الى حد ما، وبالاخص، مناقشة القضايا التنظيمية. ان اي اشارة هنا الى كلمة "الحزب"، تعني الحزب الشيوعي الايراني. منصور حكمت الذي كان نفسه من المؤسسين للحزب الشيوعي الايراني، ترك صفوف الاخير مع اعضاء قيادته (المكتب السياسي للحزب) في تشرين الثاني ١٩٩١ ليؤسس الحزب الشيوعي العمالي الايراني. ١- "الاوضاع الدولية ومكانة الشيوعية" هو التقرير الذي كتبه منصور حكمت في كانون الاول ١٩٨٨ وقدمه للمؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الايراني في شباط ١٩٨٩. ٢- يقصد سلسلة الندوات الداخلية التي قدمها منصور حكمت حول الشيوعية العمالية بعد فترة قصيرة من المؤتمر الثالث للحزب. ٣- كومونيست –الشيوعي- الجريدة المركزية للحزب. ٤- نشرة مجادلات وابحاث بعنوان "الماركسية و المسالة السوفيتية" التي اصدرها الحزب. صدر منها ثلاثة اعداد في الفترة من اذار ١٩٨٦ الى نيسان ١٩٨٨. ٥- كوملة: تنظيم باسم " المنظمة الثورية لكادحي كردستان"، تاسست في ١٩٦٩. بعد ثورة ١٩٧٩ ، وفي مسرى الاستقطابات داخل اليسار الايراني، كانت احد اكبر المنظمات التي شكلت الحزب الشيوعي الايراني في ١٩٨٣. ٦- بسوي سوسياليزم- صوب الاشتراكية- من الاصدارات النظرية للحزب. صدر العدد الاول منهافي ايلول ١٩٨٤. ٧- اتحاد المناضلين الشيوعيين، منظمة ماركسية شكلها منصور حكمت مع اخرين في ١٩٧٨. وقد كانت اكثر منظمات اليسار الايراني نفوذا وتاثيراًً. في ١٩٨٣، شكل مع كوملة الحزب الشيوعي الايراني.
ترجمة: فارس محمود و عبد الله صالح
|