على هامش
خطاب في المؤتمر الثالث للحزب ليس بالوسع في عالم يعصف بالاتحاد السوفيتي ومجمل نموذجه الاقتصادي تغييرات وتحولات بمثل هذه السرعة، في عالم تضمحل فيه احزاب عريقة في البلدان الرأسمالية المتقدمة سواء في الشرق او الغرب، اتخاذ موقف اللامبالاة تجاه هذه التحولات والتقوقع في الامور التنظيمية؛ وان يرتب امرء ما لنفسه، في زاوية ما، ممارسة سياسية طليعية وباعثة على الرضا والحبور. لقد انقضت مرحلة الفعالية المحدودة والافق المحدود والتطلعات المحدودة في النضال السياسي. ان ما اطلقنا عليه في هذا التقرير بـ(الاشتراكية البرجوازية) ليست بقادرة على حمل وجرجرة اذيالها حتى القرن الحادي والعشرين. ان حصيلة هذا المسار هي انهيار الاشتراكية البرجوازية و واركان الماركسية جانباً والهجمة الايديولوجية البرجوازية على الماركسية عموماً. وفي عام ٢٠٠١، ستجد امام كل ماركسي فعال الفي ماركس سابق يتحفونك بالقول (لاطائل من وراء هذا الكلام)، الماركسية والشيوعية من بنات افكار القرن التاسع عشر واثبتنا هزيمتها عملياً. ان التصور الذي يرى السير عكس هذا التيار الهدام وبعكس هذا التراجع واليأس، بدون ان يتسلح المرء بأفق واضح ومنظومة فكرية ونظرية محكمة ومقتدرة، لهو امر ساذج. ان أمرءاً يبغي، بدون هذا الافق، (الامساك) بأي شيء، من الان يمكن القول ان مصير محاولته محكوم عليه بالفشل. وعليه، فأنه لامر حياتي بالنسبة لامرء يبغي فعلاً دفع الممارسة والفعالية للامام، الاهتمام بهذا الاطار العام الذي نطرحه اليوم. لقد تحدثت في المؤتمر الثاني، وفي مقالاتي المنشورة لاحقاً، عن تأريخين. احدهما تأريخ الاشتراكية والحركات الاشتراكية والشيوعية كما ظهرت في الميدان العملي، والاخر هو تأريخ العمال والتأريخ الواقعي للنضال الطبقي. ذكّرت الرفاق، في هذه الابحاث، انهما تأريخان مختلفان. ان هوة اساسية تفصل بينهما. وعلى اية حال، ماأود ان اقوله في هذا التقرير هو اذا كان أمراً مبرراً ان نتحدث قبل ثلاثة سنوات عن تأريخين قائمين بشكل ما، فأن ملف احدهما قد طوي اليوم. بلغ احدهما خاتمته. من الجدير بالذكر، انه في الوقت الذي تمر اليوم أوضاع يصل معه تأريخ الاشتراكية البرجوازية خاتمته، تمر حركة أخرى، أي النضال الموضوعي للطبقة العاملة في المجتمع الرأسمالي بأوج ازدهارها وحسمها. ان النضال الطبقي، نضال العمال، أي تلك الدينامية التي، حسب قول ماركس، تدفع بالمجتمع المعاصر للامام، غدت اكثر بروزاً وملموسية من أي وقت مضى. وقد كشف مكانته الحاسمة بوصفة محرك تأريخ المجتمع القائم. حيث يترك التضاد بين العمل والرأسمال، بصورة مباشرة، آثاره على حياة البشر ويقولبها اكثر من أي وقت مضى. من شمال امريكا حتى جنوب افريقيا واسيا. حقاً في مثل هذا الوضع الذي يحدد صراع العمل والرأسمال ويطبع مجمل وجود وذهنية حتى اكثر المجتمعات تخلفاً بطابعه، يتم طوي حياة اشتراكية كان يفترض ان تستمد وجودها من هذاالتضاد وان تجيب على متطلبات هذا النضال. ومن هذه الزاوية، برأيي، انتفت ضرورة ندائي الذي وجهته للرفاق قبل ثلاث سنوات بضرورة عدم بقاء الرفاق معلقين وحسم امورهم بين هذين التأريخين اكثر من ذلك، وينبغي عليهم اختيار ذلك التأريخ وذلك المسرى النضالي الذي اشارت اليه الماركسية بدورها واكدت عليه. ذلك ان احد هذين التأريخين، تأريخ الاشتراكية اللاعمالية قد أغلق، وبقى مسرى واحد للنضال الراديكالي والثوري. انه مسرى النضال العمالي والشيوعية العمالية. ان هذا الخيار قد حسمه الواقع الموضوعي. ينبغي على أي امرء لايبغي الانقطاع عن ما اطلق عليه حتى اليوم بالراديكالية وعن التقاليد النضالية للاحزاب الراديكالية والاشتراكية اللاعمالية، وبغض النظرعن مبرراته ونياته، ان يحسم اموره ومصيره بسرعة. يجب تحديد المصير بسرعة. ان شاهد ذلك هو الاتحاد السوفيتي نفسه. على اليسار الراديكالي ان يتحول لصالح الشيوعية العمالية على الاقل بنفس السرعة التي تتجه بها الاشتراكية البرجوازية نحو الافول، أي بنفس السرعة التي يتغير بها الاتحاد السوفيتي.
النضال الطبقي والشيوعية العمالية اود ان اتحدث هنا عن (كلا التأريخين) بصورة اكثر تفصيلاً. تحدث الرفيق ايرج اذرين بالتفصيل تقريباً عن الاشتراكية البرجوازية. اود ان اتحدث عن النضال الطبقي بوصفه المصدر الواقعي للراديكالية والاشتراكية في المجتمع المعاصر. واتطرق الى تصور ماركس للصراع الطبقي. حيث اسعى للدفاع عن الشيوعية العمالية بوصفها أطاراً فكرياً واسلوباً قيماً، بعكس مايتردد هنا وهناك في الحزب اليوم، يعطى رداً على اكثر قضايا عصرنا اساسية ويدل على طريق الممارسة الثورية لشيوعيين يبغون ان يكونوا اكثر قدرة وتأثير في المجتمع الراهن. لقد نفت الفروع المختلفة للاشتراكية اللاعمالية، وبأشكال مختلفة، الدور الحاسم للنضال الطبقي. ليس هذا فحسب. بل نفت اساساً حتى موضوعية هذا النضال وملموسية وامكانية تحديد معالمه. لقد قيل لنا يوماً ما ان (بناء الاقتصاد السوفيتي) هو محور الحركة الثورية للانسان المعاصر، وانه القضية الاساسية لكل شيوعي في أي زاوية من زوايا العالم. وقيل لنا يوماً اخراً ان الاستقلال (الاستقلال عن الامبريالية) محور راديكالية عصرنا والقوة الدافعة للمجتمع. لقد عرَّف "الاشتراكييين" المساواة الحقوقية والديمقراطية المناهضة للاستبداد والقومية وحقوق الانسان وعشرات المواضيع الاخرى من على هذه الشاكلة بوصفها المحتوى الواقعي والعملي للاشتراكية، والقوى المحركة لهذه الميول بوصفها القوى المحركة للاشتراكية في عصرنا. ان هذه سمة الاشتراكية السائدة حتى الان والتي انكرت النضال الطبقي باشكال مختلفة، وتحولت الى فرع لهذه التحركات والحركات اللاطبقية. ان الصراع الطبقي، بالنسبة لليسار اللاعمالي، لهو تجريدي، بل وحتى اسطوري. بيد ان هذه الحركات والمطاليب ملموسة وواقعية واجتماعية. على سبيل المثال، تم تحويل النضال الطبقي الى ظاهرة تبدو انها تصح فقط على مراحل معينة. وأن النضال يستوجب درجة خاصة من المستوى النظري. ومن الممكن ان يدعي بعضهم ان النضال الطبقي لايجري في المرحلة الفلانية في البلد الفلاني.على سبيل المثال، تراود البعض افكار من مثل ان الاحزاب الشيوعية يمكن ان توجد فقط في مراحل خاصة وصل معها النضال الطبقي "مستوى" معين. وكان قسماً يعترف بالنضال الطبقي شريطة سيادة الوعي الاشتراكي عليه فقط. واجمالاً، عرفت الحركة الشيوعية القائمة النضال الطبقي باشكاله البارزة والجلية و باشكاله المرئية والتي لايمكن انكارها، وانكرت في القسم الاعظم من المجتمع الرأسمالي المعاصر وجود النضال الطبقي بوصفه ظاهرة حية وجارية. بيد ان لماركس تصوراً اخراً للصراع الطبقي. لم يكن مفهومه مقصوراً على النهوض الاجتماعي العارم والملموس للعمال فقط. ولم يكن اساس البيان الشيوعي او الايديولوجية الالمانية مثل هذه التفاسير. يتحدث ماركس عن صراع طبقي، عن مجابهة طبقية دائمة ومستمرة، احياناً سافرة وأحياناً مستترة تجري في قلب المجتمع. ويعتبر ماركس هذا الصراع القوة المحركة للتأريخ. ان الصراع الطبقي، عند ماركس، هو اساس التأريخ. لقد مضت الاحزاب التي تطلق على نفسها لقب الشيوعية باحثة كثيراًعن هذا الصراع الطبقي. ولكن يبدو انها لم تجده. وجراء ذلك قررت الدفاع عن وطنيتها، وطنية العالم الثالث، وجعلت حق تقرير المصير محتوى فعاليتها واساس تعريف هويتها وقس على ذلك. ولكن في غضون مجمل تلك المرحلة التي كان مثل هؤلاء الاشتراكيون منهمكون بمثل هذه الانشغالات وهذه الاهداف، مجمل تلك المرحلة التي عجت الدنيا بأجيال متواصلة من مثل هذا النوع من الاشتراكيين الذين ادوا فعاليتهم وعضوا اصابع الندم بعدها وخرجوا خالي الوفاض. وفي قلب المجتمع، كان التأريخ الواقعي يمضي قدماً وتحدد في ظله مقدرات البشر. وكان الصراع الطبقي وتلك المجابهة الموضوعية التي تحدثت عنها الماركسية يعطيان قولهما الفصل. فأن كنت نفسك جزءاً من هذا الصراع او تملك ذاك الحد من الادراك الذي يخولك رؤيته كما هو موجود في المجتمع، ستعلم ان الاغلبية الهائلة لهذا الخمسة مليارات (وحتى اكثر من ذلك) من المجتمع البشري هم أناس إن لم ينهضوا يومياً ويجدوا من يشتري قوة عملهم، وإن لم يعملوا لاشخاص اخرين، وان يستمروا على ذلك لمدة اسبوع او شهر بصورة مستمرة، سوف لن يجدوا خبزاً يسدوا به رمقهم، خبز بالمعنى العام للكلمة. وتُجبر الاغلبية العظمى لهذا المجتمع البشري دوماً على ان تحل يومياً من جديد مسألة بقاءها الفيزيقي، ان تحل يومياً ومن جديد مسألة مأكلها وملبسها وسكنها ولا ينفك عنها هذا الضغط الدائمي والذي ربما لا يشعر بوطأته معظم أشتراكيي عصرنا ولو للحظة. لا مفر لها من ان تثبت يومياً من جديد انسانيتها وبقائها حية. وان حالفها التوفيق بعد كل هذا، ولو تمتعت بأقل حد من الامن الاقتصادي، فأنه محكوم عليها بالحرمان من مجمل المنجزات العظيمة التي حققها المجتمع البشري بسواعد العمال انفسهم في ميادين العلم والفن ووسائل ازدهار القدرات الانسانية. ان الاغلبية العظمى من مليارات البشر القاطنين على الكرة الارضية يمثلون أناساً يتحتم عليهم النضال دائماً من اجل ان يبقوا احياءاً وان يبقوا بشراً. وان ذلك من اجل نيل ذلك التصور المحدود والمقولب للانسان الذي اخترعه وتلاعب به المجتمع الرأسمالي لتلك الطبقة المعينة. فبالنسبة لهذا المجتمع، الانسان يعني (البقاء) مع حدٍ من الضمانات والحقوق التقاعدية، أي تأمين العلاج اللازم اذا بترت يدك والتفكير بأوضاع ابنك اذا ما اصابه مرض ما، وان يحظى طفلك بفرصة نيل تعليم متوسط وان يرسل الى سوق العمل ليلتحق بابيه وامه هناك. ان هذه صورة للانسان يجب على العامل ان يسعى من اجل تحقيقها في هذا المجتمع. اما الحديث عن مايتحتم ان يكون عليه الانسان، عن ما يقوله ماركس عن الانسان، فانه غائب تماماً. انسان يسود على مجتمعه ومصيره، انسان يتخذ بمحض ارادته ماذا يعمل صباحاً وماذا يعمل مساءاً، واي من المجالات المختلفة تلبـي ابراز قدراته الانسانية، وكيف يمارس انسانيته، وكيف يرد بكل جوارحه وروحه الخلاقة على مستلزمات مجمل المجتمع الانساني. ان تصوير البرجوازية عن العامل بوصفه انساناً لايتطابق مع التصوير الذي ذكرنا. ان المجتمع الانساني، بالنسبة لهم، هو ذلك المجتمع الذي يداري فيه المالكين مستخدميهم. ان هذا هو نفس تصوير افضل واكثر مجتمعات عصرنا تقدماً وانسانية. ولان هذه المليارات من البشر ترفض هذه الوضعية وهذا التصوير عن نفسها وتقف بوجه ذلك، يستمر الصراع والنضال الطبقي. وإن لم يستطع امرء ما الايمان بهذه المقاومة وهذا النضال المستمر للعامل، ادعوه الى امعان النظر في البرجوازية حتى يرى انعكاس هذه المقاومة الدائمة عليها. ففي الطبيعة ثمة فايروسات لا يمكن ان تكشف عن وجودها الاعبر رد الفعل الذي يبديه الجهاز الدفاعي للجسم. تفضلوا لادلكم على انعكاس هذه المقاومة العظيمة والدائمية للعامل على البرجوازية. ان هذا المجتمع يعكس رد فعله على اشياء ما. فثمة عدد كبير من البشر في هذا المجتمع يسهرون على تنظيم القمع والاجهزة القمعية. وثمة عدد اكبر منهمك في البرهنة والدعاية، عبر العلم والادب والفن والدين ومئات الميادين الاخرى، لمبدأ انعدام كرامة الانسان وعبوديته وانقياده ودونيته. ان هذا العالم مليء بالملالي والقساوسة والادباء والفنانين والساسة وعلماء الاجتماع والاقتصاد الذين يتمثل جلَّ دورهم في السعي لاقناع الجماهير الغفيرة بطبيعية وحتمية دونية البشر وحرمانهم. فلو ان العامل لم يبد مقاومة عظيمة تجاه هذه الادعاءات وقبالة هذا المجتمع وقبالة هذا الصورة المرسومة عن الانسان ومقدراته، لو ان العامل قبل بانعدام الحقوق ودونيته وطاطأ الرأس لهما، لماذا لايتخلون عن ذلك. ولكن في الحقيقة، يولد يومياً الملايين من البشر الذين لابد لهم، طبقاً لمكانتهم الموضوعية في المجتمع والانتاج، من رفض وعدم قبول هذا التصوير وهذا الافق وهذا المصير. ان الصراع الطبقي ليس ألاضرابات والاعتصامات والقاء رب العمل في حوض الماء فقط. ان النضال الطبقي هو مجمل تلك الاشكال المتنوعة ومجمل دقائق هذا الرفض الاجتماعي الذي تقوم به الطبقة العاملة. ان المقاومة، طبقاً لقول ماركس، هي الوجه الاخر للاستغلال. فأينما يوجد استغلال توجد مقاومة ايضاً. ان هذا مايقوله ماركس للاشتراكي المعلق في الهواء الذي لايبغي ان يكون جزء من الاستغلال، ولكن لايتواجد في ساحة هذه المقاومة ايضاً، بل وحتى لايراها. ان كلا طرفي المجابهة الطبقية لايساورهم ادنى شك حول هذه المسألة. اما صاحبنا شبه الاشتراكي هذا الذي هبط بالمظلة على المجتمع، ولايعرف بصورة صحيحة الارض التي وطئها ينبغي ان تتضح له تلك الحقيقة: "اينما يوجد استغلال، توجد مقاومة أيضاً"، سواء كانت مستمرة وسافرة، عنيفة أو سلمية، واضحة أو غامضة. ينطلق بحث الشيوعية العمالية من هذه المقاومة ويرجع اليها. اننا نقول ان الحركة الاشتراكية يتحتم ان تنبثق من رحم هذه المقاومة، وان تكون بمثابة أطار لهذه المقاومة حتى تستطيع ان نطلق عليها اسم ماركسية وشيوعية. ان القسم الاعظم من الاشتراكية او مايسمى بالماركسية حتى الان، على الاقل منذ ثورة اكتوبر، والتي اتجهت نحو جهة اخرى، لم تكن سوى هذا النوع من الاشتراكية. وعلى النقيض من ذلك، كانت هذه الاشتراكية سعي الطبقات اخرى من اجل الاستفادة من هذه المقاومة العمالية لخدمة مصالح اجتماعية واهداف سياسية واقتصادية لاتنبع من الطبقة العاملة ومكانتها الموضوعية واهدافها، ومن اجل ايجاد تغيرات تعبر عن تطلعات اقسام من الطبقة البرجوازية ذاتها. فقد عكست الاشتراكية حتى الان معضلات وهموم الفئات اللاعمالية. هم امرء ينشد ان يرتقي وطنه الى مصاف الامم الاخرى، وامرء يسعى الى ان لا تملي امريكا طلباتها على وطنه، وامرء ينشد الاعتراف بلغته وتقاليده المحلية، و هم مثقفي بلدان العالم الثالث والمتطلعين للتصنيع والاستقلال والاصلاحات. وايجازاً، اشتراكية تعزف كل الانغام الاّ نغم تحرر البشر من الرأسمال و خلاص العامل من البرجوازية. لو كانت الاشتراكية الراديكالية لعصرنا عمالية , لمادعت الحاجة الى اثبات ان تجار البازار هم ايضاً مستغلين بقدر البرجوازية، ولادعت الحاجة الى ثلاثة سنوات من "النضال الايدولوجي". انها حركات لطبقات اجتماعية اخرى استخدمت الاسم المعتبر للاشتراكية لانها تعلم ان ذلك يشكل فرصة مناسبة لاستنهاض القوة العظيمة للطبقة العاملة في المجتمع الرأسمالي وتسعى لاستخدام تلك القوة لتحقيق اهداف لاتمت لها بصلة تحت هذا الاسم. ان الشيوعية العمالية تعني احتجاج الطبقة العاملة ضد الرأسمال والرأسمالية، ولا أي شيء آخر يبغيه امرء ما تحت هذه الراية. لقد عبر البيان الشيوعي، وحتى قبله، عن ذلك بوضوح. حتى قبل كتابة ونشر البيان الشيوعي، يقول انجلس، في رسالة بعثها الى ماركس متحدثاً عن اتصالات قام بها مع مجموعة من المحافل العمالية في احد المدن الالمانية، لو اقوم بقدر اكبر من العمل بينهم، "سيتخذون الشيوعية سبيل احتجاجهم". ويضيف "ان الشيوعية تعني احتجاج العامل بوصفه انسان على مجمل الوضع الاجتماعي لابمثابة فرد محتج على وضعه". ولاترد قط مقولات مثل الوطن وحقوق الانسان والاستقلال والديمقراطية اثناء تعريفه لخصائص الشيوعية. ان الشيوعية تعني احتجاج العامل بوصفه انسان على المجتمع القائم. الشيوعية تعني وعاء واداة واطار احتجاج العامل حين يستهدف مجمل اسس المجتمع القائم. اما الاشتراكيات والشيوعيات الاخرى، ليست سوى نتاج الطبقات الاخرى و رد فعل ازاء شيوعية العمال. وانها مرغمة على القول: "انه ليس بتصوير صائب عن هدف الاشتراكية وعن الانسان ومقدراته وعن مجتمع الغد. ان الاشتراكية هي مانطرحه. انها تدريجية وعلى مراحل وان معيار تقدمها ليس، بالضرورة، تحسين اوضاعك". انني ادعوكم، بوصفكم اعضاء في الحزب الشيوعي، بوصفكم اشخاص لايبغون الامساك بقبعاتهم من ان تطير، بوصفكم اشخاصاً تبغون ضمان الترجمة العملية لمجمل هذا الافق الشيوعي للعامل، فكروا وانصفوا اين نقف. في صف أي من التأريخين نقف. وصوب أي من التأريخين نتجه. برأيي، ان الحزب الذي يستحق تسمية حزب شيوعي هو الذي يعتبر تطور النضال الطبقي للعامل تطوره، و هم العامل في النضال همه، واحتجاج العامل على المجتمع القائم احتجاجه، وان الضغط الوارد على الحركة العمالية هو الضغط الوارد عليه، وهجومها هجومه. ان الاوضاع الراهنة تكشف الماهية اللاعمالية للاشتراكية السائدة حتى الان. لقد قلب الانتاج الرأسمالي العالم رأساً على عقب. ان العامل والاحتجاج العمالي قد ازداد ثقلهما لدرجة أصبح معه كل قائد اخرق في العالم الثالث، من ملالي ايران وحاخامات اسرائيل والداي لاما حتى حملة السكاكين الاشقياء، متخصصين في زيادة انتاجية العمل. وفي خضم تلك الظروف بالضبط، تتقهقر اشتراكية عصرنا، وفي الوقت ذاته، تتلاشى تلك الحركة التي الصقت بنفسها اسم الشيوعية وصورت نفسها كأمتداد لهذا الطبقة. ان الحزب الشيوعي المعاصر ينبثق فعلاً ما ان تكون تلك القدرة الطبقية العظيمة اساس وجوده. واقول بمقدورنا تشكيل هذا الحزب. ان هذا هو اساس بحث الشيوعية العمالية.
الشيوعية العمالية والحزب الشيوعي برأيي، كانت المسألة في السنوات المنصرمة تكمن في كيفية التغلب على انعدام الايمان بأفق الشيوعية العمالية هذا. ولااعتقد اننا قد وفقنا في ذلك. ولااعتقد ان الحزب الشيوعي قد ادرك، بوصفه حزباً سياسياً، ضرورة القيام بأنعطافة اساسية. فبوسعكم ان تنظروا وتروا أي تأريخ واقعي يعكس حزبنا اليوم في انشغالاته وتفسيره للمسألة، في عمله اليومي، افقه العام والعملي وفي اولوياته وغير ذلك. يقولون لنا ما هو نموذجنا للاشتراكية؟ وأنا أعلم انه ينبغي الحديث، بأسهاب، حول الاشتراكية بوصفها نظاماً. لكن هذه معضلة من؟ أن هذه معضلة شخص ولج الميدان بنموذج ما، والان يشهد أفلاس ذلك النموذج. وعليه يبحث عن سبيل للافلات من ورطته، لامعضلة تلك الطبقة المضطرة للنضال التي مرّ ذكرها. تلك الطبقة التي ترى في الصراع الدائمي مع الرأسمال جزءاً من مستلزمات وجودها وتشجب، بصورة لامناص منها، الاوضاع الراهنة وتسعى لقلبها. ان ماركس اطلق كلمة الشيوعية على نفس الحركة العمالية من اجل الغاء الرأسمالية. أن هذه الحركة تجري امام ابصارنا بكل قواها ومضطرة لالغاء ماهو قائم. ان هذه الحركة لن يتغير قرارها والمهمة التي أخذتها على عاتقها ببلوغ الاشتراكية البرجوازية في روسيا مأزقها، وعجز الاشتراكي الفلاني ارسال مندوبين الى برلمان البلد الفلاني. ليس بوسع العامل ان يتخلى عن الافق الذي يرسمه عن الانسان ومصيره مع ازمة الاشتراكية البرجوازية. وفي الحقيقة، فأن مشكلة امثال غورباتشوف هي ذاتها. بالمناسبة، ان المسألة البارزة جداً في الاتحاد السوفيتي هي مشكلة العامل وتطلعاته وما يتوخاه من المجتمع. اذ يقول اني اقوم بالانتاج يومياً، ويقوم غيري في العالم بالانتاج يومياً، وعليه ارغب بالتمتع بكل ثمار ما انتج وما بوسع المجتمع البشري ان ينتجه. ان الاقتصاد السوفيتي قد غط في ازمة عميقة جراء عجزه عن تلبية حاجات الجماهير الغفيرة من مردود انتاجه وما تمتلكه البشرية من قدرة اليوم. وعلى اية حال، فأن نضال العامل من اجل تحسين اوضاعه ومن اجل الغاء الرأسمالية لايتوقف. ان الحزب الشيوعي في عصرنا هذا يجب ان يستمد جذوره من هذا النضال المتواصل، ويعكس دقائق هذا النضال ومفرداته. ليست الشيوعية العمالية دعوة من أجل تغيير الاخلاق والافكار. أنها دعوة لتحول أجتماعي. كان اليسار الايراني حصيلة تطور الاحتجاج القومي والاصلاحي على الامبريالية والاستبداد الملكي. لقد كان وطن مزدهر وصناعي ومستقل، ورأسمالية محلية لاتُملى عليها الوصايا من احد، محور افق الفكر السياسي والاقتصادي والثوري لليسار الراديكالي الايراني. وربما ينال العامل شيئاً ما حين يبلغ اليسار مكانة ما. (وهذا مالم اره، وما لا اضمنه). ومهما تعمقت راديكاليته ومهما تخلص من البرجوازية والبرجوازية الصغيرة وغيرها على الصعيد النظري والسياسي، لا اعلم كيف يكون قادراً على التخلي عن مكانته الاجتماعية. يشهد التأريخ المعاصر لليسار اللاعمالي على حقيقة وهي ما ان يتخلى اليسار الراديكالي عن مجمل هذه المفاهيم والمقولات المحورية لمنظومته، فأن ذلك يعني القضاء على نفسه ايضاً والخروج من ورطته بشكل تام. ليست الشيوعية العمالية ثمرة مسار تعمق راديكالية الاشتراكية اللاعمالية، بل استمرار تطور الحركة الاحتجاجية الطبقية ومستوى من اتساع الاحتجاج الاشتراكي للعامل بوصفه طبقة اجتماعية متمايزة. ومثلما ذكرت، اننا نتحدث هنا عن تيارين ماديين مختلفين. واخيراً، ينبغي علينا ان نكون مستعدين لادراك حقيقة انه بموازاة مجمل الحركات والتحركات الاجتماعية اللاعمالية التي تشكل اساس الاحزاب الاشتراكية اللاعمالية السائدة ليومنا هذا، ثمة حركة مادية اجتماعية ومقتدرة ترتبط، بصورة اكبر، بحياة أي اشتراكي. ينبغي التوجه نحو تلك الحركة والانطلاق منها. لقد ذكرت في المؤتمر الثاني ان الحزب الشيوعي يقف في مفترق الطريق هذا. ومازال الوضع على حاله اليوم. فيما يتعلق بأعمالنا، نستطيع ان نتحدث عن ما حققناه من منجزات. ولوسألتموني، رغم اني لا امنح الجوائز للاعمال نصف المنجزه ولا لمن يحل ثانياً، فأني لاارى أي تقدم يذكر. علينا المضى ابعد. علينا الانطلاق من حيث لم نتقدم. ان الالتحاق بمركز هذه المقاومة والنضال الطبقي والاستلهام منهما والرد على مسائلهما هو مفتاح تقدم حزب يمضي من قطب اخر في المجتمع صوب الطبقة العاملة. ولو راود شخص ما ان ذلك يعني الانحناء امام (العفوية) والاستسلام امام النضال الاقتصادي والحط من شأن واعتبار النظرية وغير ذلك، اسمحوا لي بالقول انه لم يفهم، بصورة دقيقة، بحثي. ينبغي ان يضع النضال الطبقي بمجمل امكانياته الشيوعية بوصفها اطاراً له. اني افهم الماركسية بوصفها النظرية والنقد الشيوعيين. اني ادافع عن الارثوذكسية الماركسية. وحين يقولون لنا هنا وهناك داخل الحزب ان الشيوعية العمالية لم تطرح ابحاثها بشكل جيد ولم تتوضح نظراتها بصورة صحيحة. سأجيبهم ان نظراتنا مطروحة في الايديولوجيا الالمانية و رأس المال وعشرات الكتابات الاخرى المماثلة. اني لست مسؤولاً عن اعطاء الاجوبة الجديدة لذلك الشخص الذي يستنبط اشتراكيته وتصوره من دكتور أرياني ومن التأريخ الموجز. بل ان جوابي هو اتركوا هذه المؤلفات المستهلكة، اذهبوا والقو بأنظاركم ولو مرة واحدة على الايدولوجية الالمانية، لتروا صحة نظرات الماركسية و انتقادها الحاسم والمؤثر في توضيح معضلات يومنا هذا. وعليه، فأن بحث الشيوعية العمالية، من الناحية النظرية، ماهو اساساً الا العودة الى الماركسية والاصالة الماركسية والماركسية اللينينية التي قامت بتنظيم ثورة اكتوبر. ان المنظومة النقدية والنظرة الثاقبة للشيوعية العمالية باقيتان على حالهما. ان ما نحن بأمس الحاجة اليه، وما ينبغي ان نضيفه نظرياً هو التطبيق الواقعي لهذه الماركسية على اوضاع واحوال عصرنا، والنقد من موقع عامل اليوم تجاه الاوضاع والمسائل المختلفة لعصرنا. اننا لم نخترع في بحث الشيوعية العمالية فلسفة ورؤية جديدة للعالم وعلم اجتماع جديد. بل نسعى لتناول الماركسية بصورة صحيحة واستخدامها تجاه مسائل عصرنا. اسمحوا لي بطرح بحث الشيوعية العمالية ومكانة الحزب الشيوعية من زاوية اخرى ايضاً. هنا مؤتمر الحزب الشيوعي وقد تحدثت انطلاقاً من كوني عضو هذا الحزب. لو افترضنا وجود مؤتمر اخر. مؤتمر الطبقة العاملة، مؤتمر القادة العمليين والمباشرين للاحتجاج العمالي المعادي للرأسمال. ولو افترضنا ان شخصاً منا قد دُعي للمؤتمر بوصفه مراقباً. ماذا سوف يسمع في ذلك المؤتمر. برأيي، ستكون احدى كلمات المؤتمر (أترون الحزب الشيوعي الايراني، انه تيار راديكالي وجيد، ويسعى لعمل الكثير. لقد سعى صوبنا كثيراً. لم يتنازل عن مشاغله العمالية في احلك الظروف. لديه رفاق جيدين عبروا، فعلاً، عن روح استقامة. انه حزب مفيد لنا. ينبغي السيطرة عليه، ينبغي الاستيلاء عليه). لو نظرتم الى الامور من هذه الزاوية، ستحددوا، بصورة افضل، مكانة الحزب ومهمة الشيوعية العمالية داخل الحزب وخارجه. انها على السواء مهمة شيوعي عضو الحزب او عامل اولى اهمية لمصير الشيوعية ومصير هذه الحزب. ينبغي استخدام هذا الحزب لصالح العمال. لو انفق كل يومي اتحدث بلغة غامضة مع العمال عن الاشتراكية، ينبغي ان ينبري شخص منا ويركنني جانباً، ويمضي لتوضيح الحقائق الاشتراكية بلغة واضحة. وأؤكد ان مهمتنا، مهمة المدافعين عن بحث الشيوعية العمالية هي اعطاء اطار فكري لهذا الحزب وفرض مجموعة اولويات واهتمامات وتوجيهات وقيم وبنى وعليه، رغم مجمل تلك الميول والتيارات اللاعمالية المتجذرة والتي تعيد انتاج نفسها يومياً و ليغدوا استخدام هذا الحزب لخدمة الطبقة العاملة امراً ممكناً ومفيداً. والاستترك الطبقة العاملة هذا الحزب وشأنه. لقد ذكر الرفيق ايرج آذرين ان المسألة المطروحة لاتتمثل في هل تتطور الشيوعية العمالية ام لا في المستقبل. ان جواب ذلك السؤال هو الايجاب طبعاً. ان ذلك هو رأيي ايضاً. فمع هذا التطور الهائل للمجتمع الرأسمالي وقدرته الانتاجية، ومع ما يتمتع به عامل اليوم من مكانة، فأن تصاعد الحركة الاشتراكية العمالية أمراً محتوماً. بيد ان السؤال المطروح، على الاقل هنا، هو هل سيصطف هذا الحزب في صف تلك الحركة العظيمة ام لا؟ أيغدوا الحزب الشيوعي مادة لاستفادة الشيوعية العمالية هذه منه ام لا؟ ان المرحلة القادمة هي مرحلة القرارات الكبيرة والافاق الواسعة. لاأعتقد ان شخصاً يستصغر نفسه سيتجه الى حزبنا. فحين يسمح قادة البرجوازية لانفسهم التفكير في اطار عالمي يتخطى الاطر المحلية، ينبغي علينا ان لا نسمح لعضو حزب شيوعي ان يفكر بحدود صغيرة ومحلية. العالم كله يتحدث عن تغيرات اساسية في العالم. ينبغي ان يكون للجميع رأي حول هذه التحولات وحول ما تقوله البرجوازية عنها. علينا ان نكون متمترسين بمنظومة فكرية وعملية منسجمة لدخول معترك حرب الاوضاع الراهنة. ان الاعصار الهاب، وبأكتساحة الاساطير الفكرية و الاقتصادية وما طرح معه من الآف الاشتراكيين المائعين خارج الميدان، لن يتم ردعه بعشقي وولعي بتنظيمي. ان لم نكن مستعدين بمافيه الكفاية، سيتم اقتلاع نفس عشقنا ونفس تنظيمنا. ان ذلك الشخص وذلك التيار الذين بوسعهما الوقوف بوجه هذه الاوضاع، وحتى بوجه جوانبها المدمرة، وان يستفيدا منها لخدمة الثورة العمالية، هما اللذان يتحلان بافق سياسي وايديولوجي وعملي فعال. افق يمتلك قدرة الصمود لعقود من الزمن. لو نظر اللاحقون الى هذا المؤتمر، سيلفت انتباههم حتماً ان هذا المؤتمر ينعقد في وقت جرت فيه احداث مهمة جداً على الصعيد العالمي، تمحورت اساساً حول التحولات الطارئة في الاتحاد السوفيتي والصين وفي مجمل الميزان السياسي والايديولوجي للعالم الرأسمالي. علينا ان نطرح ردنا على هذه الاوضاع. اود، من جانبـي، ان اقول في هذه المؤتمر ان هزيمة الاشتراكية البرجوازية لاتعني هزيمة الاشتراكية العمالية. وعلى الرغم من انها ستترك على المدى القريب وعلى المدى المتوسط ضغطاً هائلاً مناهضاً للاشتراكية تقوم به البرجوازية مما يعقد ظروف واوضاع عملنا، لكن التطور الهائل للصناعة على الصعيد العالمي وامتداد الرأسمالية لتشمل اقصى بقاع العالم وتحول صراع العمل والرأسمال الى صلب اهتمام مجمل الفئات الاجتماعية في كل بلد صغير من العالم، تشكل جميعاً ارضية قوية لنمو الشيوعية العمالية. ان مصير الشيوعية العمالية بوصفها تياراً حزبياً هو واضح تماماً لانه حزب لذلك الاحتجاج العمالي المناهض للرأسمالية الذي يجري كل لحظة امام ابصارنا ويزداد صلابة. ان بحثي هنا هو اننا بمقدورنا الرد على الاوضاع الراهنة وعلى هذا المسار المدمر. بوسعنا الافلات من انقاض الاشتراكية البرجوازية التي تتساقط علينا اليوم والقيام بهجمتنا الطبقية على البرجوازية بكل ما اوتينا من قوة شريطة ان نبغي القيام بذلك العمل، وان نتعقب اطار فكرياَ وعملياً مناسباً لهذا الغرض. وبقدرما يتعلق الامر بي شخصياً اقول ان هذا الاطار موجود الا وهو الشيوعية العمالية.
(النوبة الثانية من الحديث) التأكيد على بعض القضايا ليس لدى متسع من الوقت للاسهاب. وعليه، سأكتفي بالاشارة الى عدة مسائل فقط. فيما يتعلق بالاوضاع المعيشية للطبقة العاملة على الصعيد العالمي، يتحتم علي القول ان الثورة الاشتراكية لاتنجم عن الاوضاع الوخيمة للعمال. ففي يومنا هذا يمسك الفقر الواسع والاوضاع الشاقة اللامحدودة بخناق الفئات الهامشية في الانتاج والعاطلين في العديد من البلدان. ان هذه هي حصيلة المجتمع الرأسمالي وتبعث على النفور. ولكن، اجمالاً، فأن اوضاع الطبقة العاملة وبالاخص ذلك القسم الذي يتمتع بفرصة عمل قد طرأ عليها تحسناً نسبياً. ان هذه الاوضاع تصب الماء اكثر في طاحونة الثورة الشيوعية والعمالية. ان التحسن المضطرد لاوضاع الطبقة العاملة يعزز من قدرة الطبقة. وقد اردت فقط التأكيد على ان الثورة الاشتراكية والاصلاحات في اوضاع العمال تتناغمان تماماً. لقد عبر بعض الرفاق عن "عدم وجود مفترق طريق امامنا. واننا نسلك، بالطبع، سبيل الشيوعية العمالية". برأيي ان مفترق الطرق هذا موجود بصورة واقعية. يقولون اننا اخترنا طريقنا. وسنكون حتماً، بوصفنا حزباً شيوعياً، جزءاً من التيارات التي تمثل الشيوعية العمالية وجناحها المقبل. من الممكن ان يثير هذا حماسنا. بيد انه يسدل الستار على الخطوات المهمة والاختيارات المهمة التي ينبغي حدوثها. انني اقول لن يبقى اثر للجيش وحراس الثورة في كردستان، ما ان يقرر العمال الكرد على ذلك. وما ان يقرر العمال الكرد على التدخل، سيتحول الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني (حزب قومي كردي- م) الى تيار ضعيف وهامشي في كردستان. ان القوة والاقتدار الحقيقيين لعمال كردستان وايران لم يتم حشدهما وتعبئتهما ميدانياً بعد. برأيي، ولاجل تحقيق هذه المسارات، ينبغي علينا، اليوم، اتخاذ خيارات حقيقية ومهمة وحسمها. اننا اليوم مازلنا على الخط الذي سلكناه في الماضي رغم جميع التغيرات التي طرأت على نهجنا الفكري وعملنا السياسي. نحن نهاية راديكالية الحركة المناهضة للشعبوية. اننا حصيلة الحركة المناهضة للشعبوية. عندما كانت الشعبوية ماتزال حية، كنا كقوة منتقدة لها متراصين ومتحدين ومفعمين بالطاقة والحيوية ونشطين. ولكن مع انهيار الشعبوية، على وجه التحديد، فأن القوة المنتقدة لها، حتى وان كانت منسجمة ومنتظمة، تنزوي نحو الهامش ولايبقى لديها ماتقوله، ولاتجد ما تعمله. ان بحث الشيوعية العمالية يتضمن السعي لتجاوز هذا الاطار. ان تلك الحركة المناهضة للشعبوية التي افرزت لنا القادة والهيكل التنظيمي والكوادر والاهتمامات وتنظيمات يتحتم ادارتها، ادت عملها واعطت ثمارها، وليس بوسع أحد ان يدفعها خطوة واحدة للامام. وقد بدأ منذ اربعة الىخمسة سنوات السعي لايجاد اطر فكرية وسياسية بوسعها الرد على حاجات عصرنا وتطورنا وتطور الحركة الشيوعية. ان السمة المحددة لحزبنا، من بدء تأسيسه، هي البحث عن ذلك الاطار لا التموضع في قوالب معطاة مسبقاً. واليوم، ومع حدوث هذه التحولات الهائلة، تتضاعف اهمية هذا المسعى. اما فيما يتعلق بالحزب الشيوعي، بالمعنى الخاص للكلمة، فأن الشيوعية العمالية هي تفسير مثل هذا الاطار , ترى هل استطعنا احلال الشيوعية العمالية في الحزب الشيوعي محل المنظومة الفكرية والعملية المناهضة للشعبوية؟ هل استطعنا خلق مثل ذلك التوافق القلبي والتكاتف ونفس الاحساس بصحة عملنا الذي ساد صفوفنا من اعلى الى اسفل في مرحلة النضال ضد الشعبوية حول الشيوعية العمالية. جوابي هو النفي. لم تتخطى الشيوعية العمالية بديل فكري وعملي مقترح في الحزب. فحين يقول شخص ما اننا قد قمنا باختيارنا كحزب، فأنه بالطبع يشير الى قناعته وتصميمه، الا انه باعتقادي بصدد طمس هذه الحقيقة. لماذا لم نستطع توحيد صفوف الحزب حول هذا التفسير لمسائل الشيوعية. ان الرفيق ج يقول ان علة ذلك هو ان قسماً من البحوث لازال مبهماً وبالاخص انها لم تؤدي الى وضع خطط عمل وشرح المهام و الرقابة والتدقيق وغيرها. أي بكلمة واحدة، لم تستخلص استنتاجات ملموسة، وينبغي الحديث اليوم بصورة اكثر تحديداً. اني اعلم ان اية ممارسة حصيلة خطة عمل ورقابة ومعرفة وغير ذلك. بيد ان نقصنا لايتمثل في ذلك. برأيي، لقد قمنا حتى الان بصياغة خطط عمل كثيرة تتعلق تقريباً بمجمل ميادين الفعالية. وقمنا باستنباطات عملية ملموسة في الامور الصغيرة والكبيرة حتى تحديد الخطوة الاولى و ما بعدها من خطى وسبيل المرور، واستخلصنا استنتاجاتنا العملية من هذا البحث. غير ان المشكلة لا تمكن هنا قط. ان المسألة الاساسية هي من اين يفترض ان يأتي المخططين والمقيمين والمراقبين والمربين؟ المُقَيِّمْ يُقَيِّمْ أي شخص، والمُربـي يُربي أي شخص. اننا نريد حزباً يمضي استناداً الى هذه النظرات ويُعلم ويُنظم خارج صفوفه في المجتمع وداخل صفوف الطبقة العاملة. اذ كان عملنا يتمثل بخروج مجموعة من المؤتمر لتقوم بمهمة تعليم بقية اعضاء الحزب وجعلهم مادة فعاليتها، عندها لن نكون قد اوجدنا حزباً، بل فتحنا جامعة. ان الحركة المناهضة للشعبوية وحزبنا ماكانا ثمرة التربية وخطة العمل. بل حصيلة نقد اجتماعي وسعي لتوحيد اناس شيوعيين ادركوا مباشرة صحة هذا النقد في افقهم ووظائفهم. ان الشيوعية العمالية تتخذ نفس المكان ايضاً. وبوسعها التطور بنفس الطريقة. اننا لانستطيع ايجاد حركة في الحزب الشيوعي لادراك وفهم المجتمع القائم والشيوعية الموجودة استناداً الى هذه الخطوط. اننا لانملك اليوم تلك الكوادر الشيوعية التي بلغت، اثناء سعيها المستقل من اجل فهم الاوضاع الاجتماعية وافق الثورة الاشتراكية، مباشرة صحة استخلاصنا في بحث الشيوعية العمالية، وان تضع هذا الاستخلاص مثلما هو الحال مع المنظومة السابقة المناهضة للشعبوية كبوصلة لممارستها السياسية وحزبها بالشكل الذي يجب ان يكونوا عليه. أي بمعنى انه لم يحالفنا النجاح كذلك في استخدام هذه البحوث لقلب الاطار الفكري والعملي للحزب الشيوعي. ان ذلك ليس ضعف اجابتنا وردودنا، بل دلالة على محدودية المساعي التي قمنا بها حتى الآن. خلاصة القول، اعتقد ان بحثنا يتمحور حول هذه المسألة: أبمقدور حزبنا ان يحول هذا الاطار الى اطار فكري وعملي راسخ ومعمم لقادته وفعاليه أم لا؟ ان لهذا سبيله الخاص. سأتطرق في بحث اخر الى ماهو هذا السبيل، وما ينبغي عمله وبأي اسلوب نسعى لذلك في المرحلة المقبلة.
تم نشر هذا النص في مجلة "بسوي سوسياليزم" – صوب الاشتراكية- وهي مجلة نظرية كان يصدرها الحزب الشيوعي الايراني- في العدد ٣ الصادر في ١٩٨٩. وقد تمت الترجمة استناداً للنص المذكور.
ترجمة: فارس محمود
|