الحزب الشيوعي العمالي العراقي، تحديات وافاق الجزء الاول: كردستان العراق
كورش مدرسي ورحمن حسين زادة
رسالة توضيحية الى المكتب السياسي الرفاق الاعزاء في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي العراقي كان من المقرر للمقالة التي بين ايديكم ان تكتب بوصفها مقدمة لوثيقة "استراتيجيتنا في كردستان". ان القسم الاساسي منها قد تم اعداده آنئذ، بيد ان مشكلات متعددة حالت دون اتمامه وايصاله الى الاجتماع الموسع الرابع للجنة المركزية. على اية حال، نقدمه اليوم وإن يكن مع بعض التاخير. نطلب ان يتم تكثير وتوزيع هذه المقالة علنياً وان يتم وضعها في متناول رفاق التنظيم! ينبغي توضيح مسالتين بهذا الخصوص: اولاً، وان تكن وثيقة "استراتيجيتنا في كردستان" قد اقرها المكتب السياسي، وبعده اللجنة المركزية للحزب، لهذا فانها تعكس المواقف الرسمية لهذه الهيئات، بيد ان ان التفسيرات الواردة في هذا البحث ليس بوسعها ان تتسم بهذه الصفة. لم يكن تقليدنا يوماً ما ان تُطْرَحْ المسائل النظرية للتصويت، وعليه، فان تحليلات هذا البحث لم تطرح للتصويت، ولهذا، فانها ليست، بالضرورة، تحليل جميع اعضاء المكتب السياسي او اللجنة المركزية، بل تعكس وجهات نظرنا. تتمثل النقطة الثانية باضافتنا لنهاية بحثنا وثيقة استراتيجيتنا في كردستان والتي يكون البحث ناقصاً دونها. ولهذا، الحقنا قسم من النص المقترح الذي راينا، طبقاً لتقييمنا، لايستتبع اي مخاطر من الناحية الامنية. آملين موافقة رفاق المكتب السياسي على هذا التقييم. نحن على استعداد على تغيير هذا الملحق طبقاً لطلب المكتب السياسي باي شكل كان. مع خالص احترامنا
رحمن حسين زادة استهلال
"... الثورات البروليتارية... تنتقد ذاتها على الدوام وتقاطع نفسها بصورة
متواصلة اثناء سيرها، وتعود مرة ثانية الى مابدا انها انجزته لتبدء فيه من جديد
وتسخر من نواقص محاولاتها الاولى ونقاط ضعفها وتفاهتها باستقصاء لارحمة فيه،
ويبدوا انها تطرح عدوها ارضاً لا لشيء الا ليتمكن من ان يستمد قوة جديدة من
الارض وينهض ثانية امامها وهو اشد عتواً، وتنكص المرة تلو المرة امام ما تتصف
به اهدافها من ضخامة غير واضحة المعالم؛ وذلك الى ان ان ينشأ وضع جديد يجعل اي
رجوع للوراء مستحيلاً وتصرخ الحياة نفسها قائلة بصرامة: تلقي اسطر ماركس هذه الحية والتي لها وقع اللسع الضوء، دون شك، على احد خصوصيات حركتنا. ان عدم الرضا المنشود عن النفس والعودة الدائمة الى جوانب ضعف مساعينا هي خصوصية حية لتيارنا. انها خصوصية الحركة البروليتارية، بيد انها ليست ناجمة عن الافيون الصوفي "النقد والنقد الذاتي"، جَلْدْ النفس التقليدي لليسار الهامشي، بل ناجم عن ضرورة استجلاء سبيل التقدم. يدعو المجتمع الحركة الشيوعية الى التحديد الحاسم لمصير "الغول المبهم للاهدافها" وضعف وبؤس مساعيها الاولى. إن كان ثمة حافز للعمل فانه لايكمن ان يكون سوى الاطاحة النهائية والحاسمة بالعدو. ان كان ثمة نشوة، فانها نشوة النصر، وان كانت ثمة حاجة للعمل فانها حاجة المجتمع الحياتية لانتصار حركة البروليتاريا. حين تلقي اليوم بنظرة على نفسك، تجد نفسك امام وضعية تستلزم الانتباه والعمل الفوري. تكمن المسالة في ان حزبنا، وعلى الرغم من مجمل اشكال تقدمه، لايلبي متطلبات المجتمع حتى الان، وليس ثمة فرصة كبيرة للتهرب من الرد على هذه المتطلبات. ان العدو الذي اطيح به، يعود رافعاً قامته مرة اخرى امامنا، ويدعونا الى "الرقص هنا". ان الاوضاع في العراق، وبالاخص في كردستان، لهي في حالة تامة من انعدام الاستقرار والثبات. وضعت هذه الاوضاع مجمل الاحزاب والقوى السياسية في المنطقة امام تحديات حياتية لا تترك نتائجها اثاراً عميقة وحاسمة على مصير المجتمع وحسب، بل يمكن ان يحدد نطاق عمل وتاثير الاحزاب والتيارات ايضاً لعدة عقود مقبلة. ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي لهو من جملة هذه القوى كذلك. يقف حزبنا في كردستان العراق في مكانة مناسبة كثيرة، ولذا حساسة. الى اين يجنح مجتمع كردستان، وكيف سيتحدد مستقبل الناس في هذه الزاوية من العالم يرتبط مباشرة، بالاضافة الى الاحزاب البرجوازية، بتنظيماتنا وسياستنا وقيادتنا. قد تؤدي هذه المجابهة الى انعطافة اساسية في توازن قوى الشيوعية امام البربرية الراسمالية الدينية والعشائرية على صعيد المنطقة، او تهميشنا لعقود مقبلة ربما. ان استعدادنا للرد على هذه الحاجة مرهون بتخندقنا بوصفنا حزب شيوعي عمالي متجذر في المجتمع. حزباً لايملك الرد على المسائل الاساسية المطروحة امام مجتمع كردستان فحسب، بل قوة سياسية، تنظيمية وعسكرية لها دور اساسي في تحديد مقدرات مجتمع كردستان. حزباً ينبع اقتداره من رهن مجمل الامال والاماني الانسانية للجماهير به، والاهم من هذا، الانصهار التنظيمي لهذه الجماهير به. لقد قلنا ذلك لانفسنا قبل سنتين تقريباً. قلنا في تلك الفترة، ينبغي تغيير سيماء الحزب في السنة المقبلة. (1) وهكذا ذكرنا عناصر هذا التغيير:
زد على ذلك، اشرنا في نفس المقالة الى ان مشكلتنا لاتكمن في عدم قدرة قيادة الحزب وكوادره، بل تكمن المسالة في التوافق على نماذج واهداف معينة من فعالية الحزب لونقيس الامور اليوم استناداً الى هذه المعايير، سيبدو لنا ان تغيرات مهمة قد طرأت على الحالة التنظيمية للحزب وكذلك على عمله. بالطبع، لو ان تصورنا حول تلك الفترة باق في اذهاننا، كانت القيادة غائبة آنئذ، حزب متداعي، صف من الفعالين منهمك بشد الرحال للخارج، البروز المجدد للفئوية ومجاميع الفئات السابقة، غياب اي مكان لقسم مهم من قيادة الحزب في العراق، في الحقيقة غياب الهيكل الاساسي للقادة الحزبيين المعروفين في سلسلة المراتب الرسمية التنظيمية، الدعاية هنا وهناك ذات الطابع المعارض للقومية وغياب اي تصور وخطة راسخة فيما يخص كيفية تطوير الحزب و... لقد كان ذلك تصويراً يبعث على القلق فعلاً آنذاك. لكن لم يكن يساورنا الشك في ان بوسع القيادة تغيير هذه الوضعية لو ارادت. لقد تم ذلك الى حد كبير. ان الاوضاع اليوم لهي تختلف كلياً عما كانت عليه آنئذ. ثمة حزب، ثمة قيادة ذات خطة للاعمال، طرأت تغييرات ملموسة على دعايتنا، وازداد تدخلنا في الميادين المختلفة للنضال الاجتماعي وان يكن بصورة محدودة. لكن لا ولم يكن ذلك كل ما نتوخاه وما يطلبه المجتمع. لازال مكان حزب شيوعي عمالي اجتماعي في الميادين السياسية والاجتماعية في العراق شاغراً بعد. ان هذه الحقيقة تشير الى التناقض القائم في مكانتنا في كردستان العراق. ان التناقض مابين حجم محبوبيتنا بوصفنا تيار سياسي سليم ومرشد حقاني من جهة ونطاق تاثيرنا ونفوذنا السياسي والتنظيمي المحدود الى حد كبير. اذ اما تفتقد مجمل الاحزاب الاساسية في المجتمع فعلاً الى اي افق لتغيير مستقبل المجتمع او تطرح تيه وفوضى اكبر امام الجماهير. اننا اطيب ظاهرة اجتماعية ذكراً في العقود الاخيرة لتاريخ كردستان العراق، وتجد كلماتنا اذاناً صاغية وعيوناً متطلعة لرؤية افقنا اكثر من اي وقت اخر. ولكن ما يبعث على العجب انه نادراً ما تصل ايادينا الى الناس. في ذلك الطرف من "جدار" التنظيمات، ثمة جماهير عريضة من العمال والناس الشيوعيين الذين لايتمتعون بفرصة الانضمام الى هذا الحزب، وفي الحقيقة لايعتبرون الانضمام الى الحزب امراً يسهل فعاليتهم. ان لحزب وتيار الشيوعية العمالية اصدقاء، ولكن لاينظمون اليهما. ان هذا التناقض ناجم عن تطور بالطبع. لم يكن هذا التناقض موجوداً قبل عام، وذلك لاننا لم نبرز بوصفنا حزب متواجد في الساحة. ولكن على اية حال، لا يمكن لهذا التناقض ان يدوم للابد، وسيُحل عاجلاً ام اجلاً لصالح احد الطرفين. ان هذا التناقض راه، بالطبع، قسم مهم من رفاقنا على جانبي "جدار" التنظيم. براينا ان هذا التناقض ليس ناجماً عن "عجز" القيادة اوالشبكة الاساسية من كوادر الحزب. ان مصدر هذا الوضع، مثلما هو الحال سابقاً، هو غياب التوافق العميق بحد كافٍ فيما يخص انماط فعالية الحزب وكيفية بلوغ اهداف الحزب لدى صعيد واسع من الكوادر. على هذا الاساس، المسالة سياسية، مثلما هي في السابق. ان التحلي بتصوير واقعي والى حد ما واحد حول اين وصلت اعمالنا، وماهو السبيل لبلوغ الهدف، وماهي المشكلات العملية و"التقليدية" التي تعترضنا، وماهي الاستراتيجية التي ينبغي الاخذ بها، هو شرط التغلب على هذه المشكلات. في الحقيقة ان مشكلات الحزب اليوم ليست رعداً او برقاً قَدِمَ من السماء. ان حزبنا مثلما هو الحال مع مجمل الظواهر الاجتماعية له ارضية تاسيسه الخاصة به. لو نظرنا الى الحزب من الخارج مرة اخرى، وقيمنا بعقلنا الراهن، عملية تاسيسه وتوسعه والخطوات التي اتخذناها، لاستطعنا بسهولة ايجاد اثار نواقصنا في الفهم والتقاليد السابقة. وعليه، يجب العودة الى هذا الفهم وان نشير الى عواقبه على الحزب اليوم. فيما يخص هذا الفهم، علينا ان نبدء بالشيوعية العمالية ذاتها بالضرورة. 1-الشيوعية العمالية، تأكيدات على بعض المسائل ان حزبنا، طبقاً للتعريف، حزب شيوعي عمالي. ولكن لايتمتع تعريف الشيوعية العمالية ذاته بفهم متماثل بيننا. وقبل ان تكون هذه الحقيقة مسالة معرفية، فانها ناجمة عن الاوضاع التي تعرفنا فيها على هذه الابحاث. وعليه، يجب التطرق الى هذا الموضوع. ان فهمنا لحقيقة ما ام بحث ما او حركة يقع تحت تاثير الاوضاع المادية التي تعرفنا في خضمها على هذه الظاهرة او تلك. يمكن بالطبع تعديل هذا الفهم لاحقاً وتغييره. ولكن يمكن ان ترى اثار اوضاع تعاملنا الاولي حتى بعد زمن طويل. ان العديد منا في ايران قد وقعت ابصارهم اول ماوقعت على الماركسية بـ"مطالعة" نصوص من ضمنها "مالعمل؟" للينين. بيد ان هذه "النظرة" بالضبط كانت في اوضاع تمر بها الحركة التي كنا ننتمي اليها في اكثر مراحل انعدام صلتها بالعامل والحركة العمالية. ان مسالة اليسار في ايران آنذاك تتمثل بكيفية رسم الحدود الفاصلة مع الموروث المسمى بـ"المساوم" لحزب "تودة" (الشعب الموالي للسوفيت في حينه-م) والجبهة الوطنية والتي كانت تمثل بالطبع مسائل تكتيكية بالمعنى المحدود جداً للكلمة. وكحال الكثيرين، قرانا "مالعمل؟" بيد ان هذه "المطالعة" قد جرت في خضم تلك الاوضاع التي تفتحت فيها الاعين على الماركسية حيث يتم نبذ اي نضال عمالي تحت راية النضال ضد الاقتصادوية. لم يكن ذلك بالطبع فهمنا نحن فقط، وهو الفهم الذي تغير لاحقاً بصورة كلية. لكن لايمكن الشك ان الاوضاع التي تفتحت فيها اعيننا على الماركسية قد تركت اثارها ولسنوات طويلة على فهمنا للماركسية. ان ذلك ينطبق على الشيوعية العمالية ايضاً. العديد من رفاقنا في العراق او في تنظيمات الحزب الشيوعي الايراني في خضم اوضاع خاصة وبحثاً عن ردود لمسائل معينة انعطفت انظارهم نحو ابحاث الشيوعية العمالية. ان هذه الاوضاع والمسائل قد واصلت تاثيرها حتى الان على تصور قسم واسع من صفوفنا. عندما تم طرح ابحاث الشيوعية العمالية لاول مرة كان تمركز البحث حول الجانب الاجتماعي للشيوعية. كان الهدف من ذلك الاشارة الى اشكال العجز الذاتي للتيارات اليسارية الراديكالية سواء في ايران او على الصعيد العالمي. كان التاكيد على ان الشيوعية تياراً اجتماعياً، وينبغي ان يتم تفسير المجتمع ونقد الاحزاب المسماة بالتحريفية والاحزاب البرجوازية في خضم تحليل التيارات الاجتماعية و... لتلك المرحلة، كانت المسالة المحورية تتمثل بخلق مستلزمات التحول من ميل فكري الى حركة اجتماعية ونقد مجمل الاسس الفكرية والعملية للماركسية الثورية*، الرد على التجربة السوفيتية، بناء حزب عمالي وغيرها. وعليه، توجب، قبل اي شيء اخر، تصفية الحساب من الناحية الفكرية، مع اكثر التيارات غير العمالية يسارية، اي الماركسية الثورية في ايران وتيارات اليسار الاوربي. ان ابحاث "الدولة في المراحل الثورية"، "المحرض البروليتاري، "سياستنا التنظيمية بين العمال" و"نقد التجربة السوفيتية" وغيرها كانت انعكاس لتاكيدات ونقطة انطلاق ابحاث الشيوعية العمالية في تلك المرحلة. لقد جوبهت ابحاث تلك المرحلة بنوعين من ردود الفعل. فمن جهة كانت مبعث ترحيب طيف واسع من قيادة كوملة** والتي كان قسم منها لاتربطه علنا وصراحة اي صلة بهذه الابحاث. من جهة اخرى، قوبلت بلامبالاة، او بالاحرى عدم ادراك واسع لها في التنظيمات العلنية لمنظمة كوملة وتنظيمات الخارج والهيكل الاساسي للتنظيم المركزي. بغض النظر عن الجانب النظري من العملية، كانت الجوانب الايجابية لهذه الابحاث معروفة لدى قيادة كومله وغير معلومة وغير مفهومة للاخرين. لنوضح هذا قليلاً. في مرحلة بدء ابحاث الشيوعية العمالية، برز وبحق اختلاف واقعي بين كومله والتيارات اليسارية الاخرى في المجتمع الايراني. وتمثل هذا الاختلاف في اجتماعية كوملة في كردستان ايران. ذكرنا، في تلك المرحلة، كوملة بوصفها نموذج ناجح لتيار يساري واجتماعي. سعينا الى الاشارة الى كيف ان بالوسع ان تكون شيوعي وراديكالي واجتماعي في ان واحد ايضاً. لذا، تمركز نقد الشيوعية الراهنة، باديء ذي بدء، حول طابعها غير الاجتماعي. كان هذا يعني، من جانب، كيل الثناء والمديح لكوملة، وقد مد يد العون دون شك، بصورة كبيرة، الى قيادة هذا التنظيم بوجه موجات من التساؤلات والغموض اللذان كانا يكتنفان مستقبل فعالية كوملة وبالاخص الموجات المتعاظمة لانعدام الرضا في صفوف التنظيمات. لقد كانت هذه مشكلات واقعية. تزامنت هذه المرحلة مع الاحتلال التام لكردستان ايران وابتعاد افق الظفر، وبعدها انتهاء الحرب العراقية-الايرانية وتضييق اجواء فعالية المعسكرات والفعالية العسكرية للاحزاب المستقرة على حدود البلدين. وقد ضيقت تلك ايضاً اجواء فعالية كوملة ووضعت قيادة كوملة آنذاك امام اسئلة جدية وغموض جدي فيما يخص مستقبل فعاليتها. ثمة ابهامات كثيرة، بغض النظر عن الجانب السياسي، تضع من ناحية الحياة الفيزيقية مصير الهيكل الاساسي للتنظيمات العلنية لكوملة وعوائلهم في مهب غموض وابهام. فاما يتحتم طرح افق شيوعي وانساني امام هذا النضال او الانضمام رسمياً الى الخارطة التقليدية للاحزاب القومية او تنظيم ثورة ايديولوجية مثلما قام المجاهدون بذلك. وبدلاً من احلال افق نضالي وهداية التنظيمات في الاوضاع الجديدة، اتجه بعض قادة كوملة الذين يعانون وطأة هذا الضغط وضحية قصر نظرهم نحو توسيع "الثورية الاخلاقية" و"السبارتاكوسية"، وفي الواقع نوع من الثورة الايديولوجية. ان هذا اللجوء للاخلاقيات التقشفية السبارتاكوسية وفداء النفس المَرَضي كان يستلزم، قبل اي شيء، كيل المديح لكوملة، والادهى من ذلك، كيل المديح لتقاليده المتخلفة السالفة. اذ اقتنصوا من كل ابحاث الشيوعية العمالية فقط تمجيد كوملة ومدحها، وعلقوها على عتبة ابواب المؤتمر السادس لكوملة. ان وثائقاً ذات قيمة مثل قرار استرتيجيتنا في حركة كردستان وسائر القرارات التي تمت المصادقة عليها، ولكن فان قسم قليل فقط من المؤتمرين اعتبرها وثائق جدية يتحتم الاخذ بها. على اية حال، لقد تم اختزال ابحاث الشيوعية العمالية الى بحث الاجتماعية، اي نقطة قوة كوملة وفتحت الابواب امام "القراءة القومية" لهذه الابحاث. ولكن هذا الفهم لم يدم فترة طويلة حتى ووجه بالمرحلة الثانية من ابحاث الشيوعية العمالية. ان احداثاً كبيرة في العالم كانت على عتبة الحدوث. كان المعسكر الشرقي يتداعى امام انظار العالم المنذهلة، وان اقتصاد السوق والديمقراطية والقومية في حالة من التوثب. ان تجابه الماركسية مع اقتصاد السوق والديمقراطية والقومية ومجمل الرجعية البرجوازية دفعت، بصورة لاندحة عنها، الى مقدمة اولويات اي شخص ينظر عدة امتار ابعد من معسكره ومحفله. خرج بعضهم من هذه المنجابهة اكثر ماركسية وبعضهم اكثر قومية، فيما فضل بعض، في المطاف الاخير، البقاء منتظرين الى ان تصل سير الاحداث بعملية تخمرهم الى نتيجة ما. وبهذا الشان، تعمقت ابحاث الشيوعية العمالية وتمركزت حول ضرورة الدفاع عن الماركسية ونقد القومية والسوق والديمقراطية. كان المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الايراني ميدان لتجابه كلا الطرفين، اي "السبارتاكوسيين" الكرد والشيوعية العمالية (في خضم تخبط وتشتت الوسط او اليسار التقليدي للحزب). لقد القت الاوضاع العالمية واوضاع الحزب، بالطبع، بضلالها الخاصة على هذه الابحاث. وفيما يخص صلة هذا البحث بالحزب الشيوعي الايراني، كانت الاشارة الى اختلاف كوملة مع تيار شيوعي-عمالي وسبل الخروج من الازمة التي كانت تمسك بخناق كوملة من جملة ذلك. ادت هذه الحقيقة الى ازدياد ثقل نقد ابحاث الشيوعية العمالية للقومية الكردية بالطبع. بدأت هذه المرحلة بتشكيل مركز الشيوعية العمالية وندواته. لقد هزت الابحاث المتعلقة بكوملة تنظيمات كردستان للحزب الشيوعي الايراني، وان قسماً واسعاً من الاعضاء والكوادر في معسكرات كوملة، وبغض النظر عن الجانب النظري، اعتبروا تصور الشيوعية العمالية نظريتهم الثورية بحق، وعلى النقيض من المرحلة السابقة، هبوا لاستقبالها والترحيب بها. لكن قسماً من القادة التقليديين لكوملة اعتبروها-اي الشيوعية العمالية- صب ماء بارد على نار ثورتهم الايديولوجية ومضوا نحو سلسلة من ردود الافعال التي لابد ان يعلم القاريء بها. (5)، (6)، (7)، (8) على اية حال، مع حرب الخليج واحداث كردستان، اتخذت هذه المجابهة ابعاداً اوسع. وادت الى استقطاب صف القومية الكردية من جهة، ومجمل المنتقدين لهذه القومية في الحزب الشيوعي الايراني من جهة اخرى، كما اتخذت ابعاداً اوسع على صعيد كردستان العراق. ان الافق الذي طرحته القومية اليسارية الكردية امام مستقبل فعالية اعضاءها وكوادرها، جعل الانفصال عن القومية الكردية بالنسبة لطيف واسع من فعالي كوملة والفعالين الشيوعيين في كردستان العراق مسالة مصيرية. ان الجناح اليساري في تنظيمات كوملة ومجمل اليسار في كردستان العراق فتحا ابصارهما على الشيوعية العمالية بصورة واقعية في خضم هذه الاحداث وتحت ضغط هذه الضرورات. لايستلزم الامر معرفة كبيرة حتى يمكن تشخيص كيف صبغت هذه الاوضاع بصبغتها فهم قسم كبير من فعالي هذه الحركة سواء على صعيد كوملة او على صعيد المجتمع العراقي. اذ قُلصت ابحاث الشيوعية العمالية هذه المرة الى بحث مناهضة القومية. شكل ذلك نقطة ضعف في صفوفنا. كلما نعود بانفسنا للوراء، كلما نجد اثاره بصورة اكبر على عمل اليسار في تنظيمات كوملة في كردستان العراق. انها بالطبع نظرة احادية الجانب طرات عليها تعديلات جدية اليوم. لكن على اية حال يمكن رؤية اثارها على فعاليتنا حتى الان. كان اختزال بحث الشيوعية العمالية الى بحث مناهض القومية وراديكالي يخلق الارضية لجانبين مهمين من ابحاثنا. احدهما بحث الاحزاب الاجتماعية بصورة عامة والاخر بحث حزب عمالي على وجه الخصوص. البحث الاول، تصورنا للطبقات والميول والاحزاب الاجتماعية (عمالية اوبرجوازية)، يتضمن تمايز الاحزاب الاجتماعية عن الهامشية، واختلاف تصور هذه الاحزاب لمسائل المجتمع والنضال السياسي والتكتيك. اما البحث الثاني فذا صلة بتمايز حزب عمالي، بالمعنى الاخص للكلمة، عن المنظمات والاحزاب غير العمالية. في الثاني هذا، يرد بحث الثورة والاصلاح، تنظيم الحزب و"اسلوب العمل" والوضع الامني، والبحث المهم للمحرض البروليتاري وغيرها. وبدفع هذا الجانب من ابحاث الشيوعية العمالية نحو الظل يؤدي، سواء شئنا ام ابينا، الى ازدياد وطأة التصورات الراديكالية ولكن القليلة الاجتماعية لحزبنا والمهام المطروحة امامنا. انهما باعتقادنا عاملين اساسيين، والتي ادى غياب تصور واضح عنهما الى تقليص تاثيرنا في المجتمع الى حد كبير. وعليه، اذا اردنا حل التناقض القائم ما بين محبوبيتنا بوصفنا تيار شيوعي عمالي و بين حجم اعمالنا بوصفنا حزب (تنظيم) معين، ينبغي ان نجر للميدان من جديد نفس تلك الجوانب المنسية لابحاث الشيوعية العمالية. يصعب التطرق لمجمل جوانب الشيوعية العمالية في اطار هذه المقالة. وتحت ضغط حاجات واقعية، لامناص لنا من تسليط الضوء على اقسام محددة. ان اول مسالة هي نفس مفهوم حزب اجتماعي. ما المقصود بحزب اجتماعي، وفي الحقيقة ماهي حاجتنا لذلك اساساً؟ 2- حزب اجتماعي، حزب هامشي ان التحول الى حزب اجتماعي هي احد نقاط شروع بحث الشيوعية العمالية والتي يعتبر مجمل رفاقنا سواء في العراق او ايران انفسهم مشتركين بها. بيد انه تحول الى احد المفاهيم المطاطة والتي كان يعرف دوماً بصورة انتقائية او يُفسر بصورة غير صائبة. حين يقول العديد من رفاقنا اننا اجتماعيون، فان قصدهم من ذلك هو اننا "مشهورون" او "محبوبون". الناس تعرف انه ثمة اناس شيوعيين في هذه المنطقة، اناس جيدين ومنتظمين في "الحزب الشيوعي العمالي العراقي". ان هذا التصور يعكس، بالطبع، حقيقة ما ايضاً. منظمات شيوعية في كردستان العراق، دُفِعَ بها فورا من قاع المغمورية (من صفة مغمور-م) الى الميدان السياسي العلني، وبشكل جماهيري واسع. ان اناس كثيرون كانوا يجدون حتى الامس صعوبة في قراءة اسماء هذه المنظمات، شرعوا بالحديث عن هذه المنظمات ومواقفها. ان هذه القفزة من قاع المغمورية الى قمة الشهرة تقريباً على جميع الاصعدة فُسِرتْ بـ"الاجتماعية" وان ذلك بث شعور الرضا بالنفس لدى المنظمات. انه لامر جلي ان حزباً غير معروف ليس بوسعه ان يكون اجتماعياً. بيد ان تحجيم بحث الاحزاب، والاهم من ذلك التيارات الاجتماعية، الى الشهرة او حتى المحبوبية هو امر خاطيء من الناحية النظرية ومخادع من الناحية العملية. ان هذا الخطأ، من الناحية النظرية، يحرمنا، وقبل اي شيء اخر، من معرفة الاليات الواقعية لتغيير الوضع في المجتمع والتغيرات التي ينبغي ان تطرأ على الحزب. من الناحية العملية، يرافق هذا الخطأ الجنوح نحو نوعين متعارضين من الفعالية وغير صحيحين بنفس القدر. الولع بالادوات التي تجلب الشهرة اكثر (نوع من الاكسيونيزم) (الحركية-م) والميل الى اساليب الفعالية الميكروسكوبية (الصغيرة الحجم والنطاق والتاثير-م)-السرية التقليدية لليسار. لفتح ابواب هذا الموضوع، يستلزم الاشارة بصورة مكثفة الى هذا البحث. للاطلاع على البحث بصورة اكثر تفصيلاً، بوسع القراء اصحاب العلاقة الرجوع الى "اختلافاتنا"(5) و"بصدد فعالية الحزب في كردستان"(6) ان بحث التيارات الاجتماعية والاحزاب السياسية هو سعي من اجل توضيح مكانة الاحزاب وسياساتها في خضم النضال الطبقي الجاري في المجتمع. لقد تمثل البحث في ان الصراع الطبقي لايجري بصورة مجردة، بشكل بسيط وسافر، او بشكل نضال اقتصادي او سياسي. انه ليس صراع او نزاع يجري في قالب احزاب تنصب نفسها على هذه الطبقة او تلك. ان علاقة الاحزاب بالطبقات وعلاقات الطبقات بمسارات اجتماعية وسياسية اعقد من ذلك بكثير. ليس بوسع اي حزب ان ينصب، بمشيئته وارادته، نفسه على طبقة. لذا، ان تحديد الشكل الاجتماعي والمعقد لهذه العلاقة في تقييم الاحزاب، وبالاضافة الى تحديد مكانتنا والمسار الذي علينا اتخاذه والسياسات التي يجب تبنيها، تتمتع باهمية حياتية. كان يتمثل التقليد غير الماركسي لليسار بوصل الاحزاب وتنصيبها بصورة مباشرة على الطبقات. ان هذا الاسلوب، بالاضافة الى اتصال الاحزاب الاخرى بالطبقات المختلفة، فانه في الوقت ذاته يوضح مبرر تنصيب اليسار نفسه على الطبقة العاملة ايضاً. ان الربط المباشر للاحزاب بالطبقات والفئات الاجتماعية ذا مآخذ متعددة. انها طريقة ميكانيكية وتؤول الى جدولة مدرسية للمجتمع واحزابه. ان اشخاص مطلعين على تاريخ اليسار واجهوا هذه الظاهرة بكثرة. ليس بوسع هذا الفهم ان يدرك المحتوى الطبقي للسياسة او في الواقع علاقة السياسة بالطبقات. وعليه، لتوضيح الاحزاب واعدادها والتقسيم والتصنيف المختلف لطبقات المجتمع وجدولتها، يتم وضع خصائص انتقائية وثابتة للطبقات والفئات ونسبة اي حزب الى واحدة منها. ان هذا ليس امراً يسيراً دون شك. نظراً لكون عدد الاحزاب الموجودة يفوق كثيراً الطبقات المعروفة، وعليه نشهد على الدوام ايجاد واكتشاف فئات وحتى طبقات جديدة. ان الثورات الوطنية والقومية والانواع المختلفة للبرجوازية والبرجوازية الصغيرة القومية والتقدمية وحتى العرقية للبرجوازية الوطنية "الاشتراكية" من قبل الاحزاب اليسارية وبالاخص الروسية. اضافت الثورة الايرانية 1979 الى هذا "الارث الفكري" البرجوازية الصغيرة التقليدية والبرجوازية الصغيرة التقليدية المرفهة والبرجوازية التجارية وغيرها. ان اشخاصاً تابعوا تجربة هزيمة الثورة الروسية في مرحلة ستالين، ذا معرفة باكتشاف البرجوازية في الحزب على هيئة ارواح خبيثة. ان هذه الطريقة تجريبية وانتقائية. ولهذا، ليس بوسعها ان توضح لماذا ان بعض الاحزاب يتطور وبعضها لايتطور، وليس بوسعها تفسير عدد وكثرة الاحزاب وبالاخص البرجوازية. ليس بوسعها ان تعرف سياسة الطبقات المختلفة في الاوضاع المختلفة، ومن المؤكد غير قادرة على التنبؤ بالاحزاب وغير قادرة على تحديد المنبع الطبقي لسياساتهم. تمحور بحثنا حول ان مكانة الاحزاب ينبغي ان لاتستمد مباشرة من الطبقات، بل من الصراع والنضال الطبقي. ان هذا الصراع، وكما اشرت، ليس صراعاً يخص الملكية او صراعاً حول هذا الموقف او ذاك بصورة محض، بل صراعاً في خضم مسارات تاريخية واجتماعية في مجتمع يشمل كل الابعاد المختلفة للحياة الانسانية. ان هذه هي الاضافة المهمة للماركسية للفكر البشري فيما يخص فهم اليات المجتمع. (الايديولوجيا الالمانية) تتمثل المسالة في كون الطبقات لاتتحدث عن ملكيتها او السلطة السياسية فحسب، بل عليها ان تتخذ موقف من مجمل المسائل الاجتماعية لمرحلتها. لذا ينبغي تحديد ان النضال الطبقي ليس صراع اناس ينوبون عن طبقات تتصارع فيما بينها. انه صراع بين هذه الطبقات نفسها. انه نضال وصراع يومي جار وبصورة مستمرة وبابعاد مختلفة لاناس احياء حول مجمل المسائل المتعلقة بحياتهم. وعليه، ليس بوسع مثل هذا النضال ان يقتصر بصورة محض على السطة السياسية او الملكية. انه نضال حي يشمل مجمل ميادين الحياة الانسانية، يبين عن نفسه بطيف واسع من المسائل المختلفة والمتنوعة الى حد كبير بابعاد سياسية وبيئية واقتصادية وحضارية وفنية وادبية وفكرية وايديولوجية وغيرها. انه ذلك المستوى الملموس الذي يخطو فيه البشر، بصورة واقعية، بوصفهم عنصراً فعالاً لتغيير المجتمع، ويعبروا فيه عن انفسهم. ان المجتمع الانساني، وقبل اي شيء اخر، هو مكان سعي الناس لتحسين او تغيير ظروف حياتهم (بالمعنى العام للكلمة). ان هذا الميدان واسع الى حد كبير وملموس تماماً. هنا تجد الاحزاب السياسية مكانها. ان الحزب السياسي هو اداة تعبئة الناس لتغيير المجتمع صوب جهة خاصة واستناداً الى موقف معين. بيد ان هذا الموقف او تلك المواقف ليست انتقائية. لايمكن تشكيل حزب استناداً الى مجموعة انتقائية من المواقف "المنسجمة" و"المنطقية ظاهرياً. او بالاحرى تشكيل حزب جدي وقابل للتنامي. ان هذه المجموعة من المواقف ينبغي ان تتحلى برابط داخلي يشدها سوية وان تضرب اقدامها بارضية اجتماعية صلبة. وعليه، لتفسير كيفية تاسيس الاحزاب والية حركتها لازلنا بحاجة الى مستوى تحليلي اخر، الا وهو توضيح هذا الرابط الداخلي. ان هذا هو بحث الميول او التقاليد الاجتماعية. ان منظومة المواقف هذه وهذا الرابط الداخلي لايرتبط بصورة مباشرة والية بالطبقات. ليست الحياة الاجتماعية للانسان احادية الجانب. ان الناس ليسوا في خضم صراع طبقي فحسب، بل في اطار هدف مشترك. انه لمن البلاهة اذا فكرنا مثلا ان في مجتمع غير طبقي، مجتمع شيوعي، لايحصل اختلاف بين الناس حول اشكال بلوغ هدف ما او حتى حول تحديد ذلك الهدف نفسه. يصح ذلك على المجتمع الطبقي كذلك مئات المرات. بوسع طبقة واحدة ان يجري فيها اختلاف في وجهات النظر فيما يتعلق باهدافها المقبلة واستراتيجيتها الاقتصادية، التحكم السياسي بالطبقات الاخرى، وفيما يخص دور الجيش ودور الدين والايديولوجيا وغيرها. وان ذلك يصبح مصدر لصياغة افاق وتقاليد سياسية واجتماعية معينة. بمعنى ان الطبقات، وفي خضم الاجابة على الحاجات الاساسية للمجتمع، تشكل حركات وتقاليد او ميول معينة. ان هذه الميول من ناحيتها تخلق لا حزباً واحداً فحسب، بل طيف عريض من الاحزاب. ان التيارات الاجتماعية هي حركات واسعة لطبقة ما تظهر للرد على الحاجات الاساسية الطبقية لمرحلة معينة. حركات تستند الى نظرة معينة ،تضع مسائل اجتماعية معينة هدفاً لها وتتعقب اساليب عملية معينة لتحقيقها. ان الليبرالية والقومية والنزعة التوسعية الامبريالية بمجملهم ميول وتقاليد طبقة واحدة كانت كل واحدة منها مصدر نشوء احزاب متنوعة تجابهت بصورة قمعية ولمرات بوجه بعضها البعض. لا تفتقد هذه الميول، دون شك، الصلة باساسها الطبقي، ولكنها في الوقت ذاته ليست مرايا عاكسة لهذه المصالح بالضبط. هذه الميول تعكس الحياة الاجتماعية والفهم المختلف. ان هذه الميول، وبالاخص في المراحل الاستثنائية حيث يركن جانباً الاقتصاد والمصالح الاقتصادية المباشرة في الحياة الاجتماعية، تتخذ مواقفاً لايمكن تفسيرها بالتحليل "التقليدي" للاحزاب. بوسع حزباً برجوازياً بصورة تامة ان يكون مدافع دولنة الراسمال الكبير او "نفض الايدي من الامبريالية". ويعطي عمل الستالينية ومجمل الحركة الداعية للاستقلال والقومية نماذج حية على صحة هذا الحكم. بوسع حزب عمالي وماركسي ان يتخذ سياسات استثنائية تماماً مثل سياسة النيب (السياسة الاقتصادية الجديدة التي اتبعها لينين، وهي سياسة راسمالية-م). ويعد فهم هذه المسالة امراً حياتياً. بوسع حزب شيوعي عمالي، وينبغي عليه عبر تحرير نفسه من التفسير التقليدي للتكتيك والموقف الطبقي، ان يتحلى بقابلية اتخاذ مواقف وتكتيكات غير مالوفة في اوضاع غير مالوفة. انه اول شاخص للفهم الاجتماعي. ان هذا البحث قد طرح بالتفصيل في بحث "الدولة في المراحل الثورية"(9) وندعوا الرفاق للرجوع اليه مرة اخرى. ثمة وجه اخر مهم الى حد كبير وهو بحث ان الميول الاجتماعية والاحزاب الاجتماعية لاتخاطب قوى طبقتها فقط. اذ تطرح هذه الاحزاب وهذه الميول افق وطرح وفكرة معلومة للمجتمع برمته. وبالتالي، تسعى الاحزاب السياسية الى تحويل افقها واهدافها الى الافق والاهداف السائدة في المجتمع برمته، وان توظف مجمل القوة الفعالة للمجتمع لتحقيق هذه الاهداف. ان التاريخ هو تاريخ صراع الطبقات الاجتماعية تحت راية تقاليد نضالية واحزاباً بوسعها تحويل الضغط العام والاساسي للمطاليب والافاق الطبقية الى ضغط سياسي ومادي في المجتمع لهي احزاب اجتماعية. احزاباً متدخلة في تاريخ كل مرحلة. اي ان الاحزاب الاجتماعية لاتعتبر نفسها صاحبة مجتمع فحسب، بل معجونة بعصب وشريان الحياة وتجديد الحياة الاقتصادية، الفكرية والسياسية لطبقات واسعة. انظروا الى نموذج الاحزاب المتجذرة القومية او الدينية. ان تقليد هذه الاحزاب يعج من القصص الليلية للاطفال حتى الشعر، من المدرسة حتى المصنع، من الدهاليز حتى الجامعات. ان نموذج التقليد القومي في كردستان او في المناطق العربية تجارب حية عشناها. وعليه، ان بناء حزب اجتماعي منوط، قبل اي شيء اخر، بطرح ردود تيار اجتماعي في اوسع ميادين حياة المجتمع والسعي لتنظيم حركات جماهيرية حول هذه المطاليب. لدينا اشكالات جدية في فهم هذه الحقيقة. ثمة تصور تقليدي وكلائشي لسير النضال في المعمل والنضال السري (الذي ساتناوله لاحقاً ايضاً) وصولاً للمجالس العمالية ومن هناك للانتفاضة المسلحة، وضع المجالس العمالية بمجابهة ما يسمى بالشعبية، ابداء المقاومة تجاه تسليح الحزب والميل المزمن للعودة الى الاشكال القديمة من الفعالية التقليدية والميكرسكوبية للمجاميع السرية، وعدم فهم مكانة الحزب في تشكيل حركة جماهيرية وغيرها. لقد طرح التاريخ والمجتمع بالطيع طيفاً واسعاً من الاحزاب غير الاجتماعية والهامشية. حتى ان تقاليد اجتماعية تطرح من صلبها، ولمرات، احزاب غير اجتماعية وهامشية كذلك. انظروا الى القومية مرة اخرى. ليس هذا التقليد صاحب احزاب متجذرة واجتماعية فقط. بل يخرج من رحمه طيف واسع من المجاميع والاحزاب تعود الى اقسام وفئات غير اجتماعية (اقسام وفئات لم تتخذ مكاناً في بنية المجتمع بصورة مباشرة). ان تيارات الفدائية وشبه الفدائية والجماعات السياسية الهامشية التي رايناها في ايران والعراق هما نماذج موجودة في جميع المجتمعات الحضرية للعالم. في الواقع، ان هذه التيارات هي افرع ثانوية للتيار الام. وإن تكن هي نفسها عاجزة عن اجراء تغيير ثابت، فانها في خضم الاحداث السياسية للمجتمع تبين عن نفسها خصيصة التيار الام وترتبط من الناحية الاجتماعية والسياسية بمواقف التيار الاصلي. ان الهامشية وغير الاجتماعية لاتعني، بالضرورة، ان المجتمع لايعرف او لم يسمع بهذه الجماعة او الحزب او حتى عدم محبوبيته. ان بعض التيارات لم تكن مشهورة فحسب، وفي مراحل كانت محبوب اقسام من المجتمع، بل حتى استطاعت، في مراحل، ان تحشد عدد كبير من الناس للتظاهرات والتجمعات. ان فدائيي خلق-فدائيي الشعب- ومجاهدين خلق ومنظمات مثل بيكار ورزمندكان في السنة الاولى والثانية بعد ثورة 1979 الايرانية نماذج مجسمة لهذه الحقيقة. اذ نظمت منظمة فدائيي الشعب تظاهرات من مئات الالوف، ولكنها كانت عاجزة عن تنظيم 200 انسان عادي حول مطلب معين. كان العديد من هذه الاحزاب والمنظمات، في مراحل ما، محبوباً ومشهوراً على اية حال. ولكن ما ان تتمعن في التقليد السياسي، ما ان تتمعن بصلتهم بحياة واحوال اناس المجتمع وحياتهم الانسانية، تجد ان هذه الصلة مقطوعة. لقد كانت هذه التنظيمات عصيان المثقفين الفاقدين اساساً لتصوير واقعي للمجتمع ومسائل الناس الذين يشكلون هذا المجتمع. ان هذه الصلة بالمجتمع لها امتداد واسع في التصور للسياسة، للنضال السياسي، الطبقة والنضال الطبقي، للتكتيك، التحريض، العضوية والضوابط التنظيمية التي تناولت ادبياتنا جوانب مختلفة من هذه المسالة لمرات. سنعود لاحقاً لتناول بعض منها. ما نود ان نؤكده هنا هو ان الاحزاب الاجتماعية انعكاس لمساع الميول الاجتماعية لتلبية حاجات المجتمع والاجابة عليها. ان اشارتنا الى ضرورة "التحول الى صاحب مجتمع" في ابحاثنا هو اشارة الى هذه الحقيقة. ان حزباً شيوعياً عمالياً، وطبقاً للتعريف، ينبغي ان يكون اكثر اجتماعية من اي حزب في المجتمع. اذا كانت الاشتراكية سبيل نجاة مجمل البشرية من نير اللامساواة وقمع المجتمع الراسمالي، ينبغي ان يكون عندها الحزب الاشتراكي للعمال فعال ومنظم مجمل ميادين المسعى الانساني في المجتمع من اجل تحسين اوضاع الناس. ينبغي ان يكون للحزب الشيوعي العمالي قاعدة في كل بيت، في كل محلة، في كل معمل ومدرسة، وفي كل مكان يتجمع فيه اناس هذا المجتمع. ان النضال الاشتراكي ليس من اجل خلاص العمال فقط. انها اطروحة اساسية للماركسية تلك التي تقول بان العمال، ومن اجل خلاصهم، لاندحة لهم من تخليص البشرية من نير مجمل ظلم المجتمع الطبقي. ان الاشتراكية والشيوعية العمالية بحث يخص مسائل الناس انفسهم، وان حزبنا انعكاس لمجمل هذه المطاليب. ان الطبقة العاملة الواعية بشير تحرر مجمل الناس، وعلى هذا الاساس بالضبط، فان الثورة الاشتراكية لاتمت بادنى صلة الى اقلية اواغلبية العمال في المجتمع. ان ذلك الشخص الذي يفهم من النضال الشيوعي فقط تلك الاشكال المحدودة الشائعة للتقليد اليساري، فانه يعبر فقط عن فهمه غير الاجتماعي الى حد كبير للشيوعية، والاكثر من هذا، الفهم المعوج للمجتمع البشري نفسه وهدف الاشتراكية. 3- المنظمة والتنظيمات ان تقليص بحث الشيوعية العمالية الى بحث مناهضة القومية والتفسير الخاطيء لمفهوم حزب اجتماعي بالاضافة الى اختلاف تنظيم وطريقة عمل حزب شيوعي عمالي مع التنظيمات الهامشية لليسار التقليدي كان لها دوراً بانظار الكثيرين منا. ان هذه، من ناحيتها، غدت باعث للرد بصورة خاطئة على المشكلات والنواقص التنظيمية للحزب. يمكن عد النواقص والمشكلات التنظيمية للحزب بنماذج بارزة.
لتوضيح ارضية هذا الوضع، اسمحوا لنا ان نتحدث قليلاً عن السمة الاساسية لتنظيم حزب اجتماعي، وبالاخص حزب شيوعي عمالي. ان ترتيب هذه المسائل نفسه يبين ايضاً قسماً من مشاكلنا. في تنظيم ما، يمكن رؤية نوعين من الخصائص او السمات بسهولة: خصائص اوسمات ناجمة من الهدف الاساسي للتنظيمات، وخصوصيات متاثرة بضروريات عملها في اوضاع زمانية ومكانية محددة. ان كانت الاولى ثابتة وباقية الى حد ما، فان الثانية تابعة لاوضاع فعالية ذلك التنظيم تماماً. ان هذه الاوضاع تشمل من تغير مستوى الفكر البشري وصولاً الى تغير المحيط الاجتماعي والسياسي لفعالية ذلك التنظيم. ان هذا يصح ايضاً على الاحزاب بصورة عامة وعلى الاحزاب العمالية التي هي موضوع بحثنا كذلك. لقد نظمت البنوك من اجل هدف محدد. اقيمت الجيوش، المعامل، المستشفيات، والاحزاب السياسية من اجل اهداف اخرى. ان قسم من خصوصيات هذه التنظيمات قد طرأ عليها تغييرات كبيرة ارتباطاً بالتقدم العلمي والتكنولوجي او الفكر التنظيمي وعمل الانسان. في الوقت ذاته، بقت خصائص منه ثابته على طول تاريخها. ان النقاط التنظيمية المشتركة، اسلوب عمل، وهوية الجيش اليوم مع جيش مرحلة العبودية يمكن تحديدها بسهولة. ان تقاليد كلا النوعين من الجيش واحدة تماماً. عند تناول حزب، ينبغي فصل كلا الجانبين من الخصائص عن بعضهما البعض. اذ يتخذ حزب شيوعي عمالي ما اشكال تنظيمية مختلفة في اوضاع المختلفة من الفعالية. ان تنظيم حزب في مجتمع اشتراكي يختلف عن حزب في مجتمع راسمالي، وان شكل فعالية حزب في مجتمع استبدادي يختلف عن حزب في مجتمع يتمتع بحريات ديمقراطية. ان تنظيمنا في اواخر القرن العشرين ينبغي ان يختلف عن تنظيمنا في اوائل هذا القرن بالطبع. وذلك ببساطة لان التكنولوجيا قد تغيرت، والفكر التنظيمي للبشر قد تغير، وان التجربة المحددة للتحزب العمالي اليوم هي اوسع بكثير مما كانت عليه اوائل هذا القرن. في الوقت ذاته، مثلما للجيش والبنك والمعمل والمدرسة في مجتمعنا الراهن خصائصهم الثابتة، فان للحزب كذلك خصائصه الجوهرية النابعة من حكمة وفلسفة وجوده والتي ليس بوسع المقتضيات التنظيمية في الاوضاع المحددة ان تغيرها. ان هذا هو الوجه المشترك لتنظيمنا مع سائر الاحزاب الشيوعية العمالية في التاريخ، على سبيل المثال الحزب البلشفي. في هذا القسم من بحثنا نتناول الجانب الثابت نفسه من خصائص حزب شيوعي عمالي. سنحيل البحث المتعلق بالجوانب الاكثر فنية من التنظيم لفرصة اخرى. ان الحلقة الاساسية لاي حزب اوتنظيم هي اهدافه، اؤلئك الذي من المقرر ان ينتظموا فيه ويحددوا نمط فعاليتهم. انظروا الى الجيش. من المقرر ان تجتمع مجموعة من الناس قسراً ويتم جرهم في اغلب الاحيان، بالضد من مصلحة حياتهم، الى الحرب للحفاظ على الملكية المقدسة عادة. ولهذا، يتحتم على مثل هذا التنظيم، على سبيل المثال، ان يتخذ شكل خاص به، ويغدوا مثلاً مكان فعالية افراد واشخاص يكون فيه الاتحاد والارتباط العضوي الافقي امراً غير مسموح به وغير ممكن. انه مكان تجمع وتنظيم جنود لايحق لهم ان يقروا بمكانة لاحد، سوى ان هناك مكانة لـ"انا"، وليس لـ"نحن" اي مكان في هذا الجيش. الطاعة العمياء فقط وقس على ذلك. ان هذا تقليد كل الجيوش. ان الخصائص الاساسية لحزبنا تنبثق ايضاً من مبرر وجوده. لقد تاسس حزبنا بهدف تنظيم الثورة الاجتماعية الشيوعية. ان هذه الثورة هي ثورة عمالية يمكن انجازها من قبل طبقة عاملة منظمة وواعية. طبقة عاملة تحول افقها الى افق جميع المظلومين والمضطهدين، اناس يتطلعون الى عالم افضل واكثر انسانية. ان حزبنا، وعلى النقيض من الاحزاب العمالية الاخرى التي اما لاتملك تصوراً واضحاً للمستقبل او يمثل اجراء بعض التغييرات الجزئية اطار عملها. حزبنا هو حزب عمالي، وان يكن نوع خاص منها بالطبع. بيد ان هذا الانتماء ليس تحليلياً اوذاتياً فقط. ان هذا الحزب، وفقاً لماهيته، حزب العمال موضوعياً وواقعياً. انه شكل تنظيم عمالي. اطار تعبير وتمركز النضال الاجتماعي الجاري، النضال الاشتراكي للعمال. ينبغي ان يكون هذا الحزب اطار طبيعي لفعالية العمال الشيوعيين والقادة الشيوعيين للحركات الجماهيرية قبل اي شيء اخر. ان تنظيمات او حزباً تتناقض الفعالية في صفوفهما مع الحياة العادية لفعال عمالي او مثل هذا القائد والفعال الجماهيري، وطبقاً للتعريف وبغض النظر عن اي شكل تنظيمي، ليس بوسعه تنظيم نضال اجتماعي. اسمحوا لنا ان نتطرق الى جوانب هذا الموضوع. ان العامل ينخرط في شبكة حلقات عمالية او تنظيم عمالي لان هذا الانخراط يعني بالنسبة له تقوية نضال منهمك به. انه امراً معروفاً اذا انخرطت في مثل هذه التنظيمات، تضع يدك بيد اناس مثلك في العمل، ويُنَسَّقْ نضالك ويصبح النصر امراً ممكناً. ان التنظيم العمالي شكل مؤثر اكثر من النضال الفردي. اذ يفهم ذلك كل عامل جرب ذلك عدة سنوات. ان هذا التنظيم ليس تنظيم جمع منا من الاخيار، جمع من رجال ونساء متعاضدين وتربطنا قضية. ان تصوير الفعال العمالي يسير بالتوجه ذاته. ان هذا الفعال هو واحد منا يبين عن تمتعه بثقابة رؤية وقدرة في هذا العمل. يستطيع ان يوحد البشر بصورة افضل، يستطيع اقناعهم ويضع اياديهم في ايادي بعض رغم مجمل اختلافاتهم الاخلاقية، السلائقية والشخصية التي يتمتع بها البشر عادة، وان يجمع طاقاتهم ويرفع ثقتهم بنفسهم ويجعل النصر امراً ممكناً. ينبغي على حزب شيوعي عمالي ان يتحلى بهذه السمة ايضاً. مع اختلاف واحد هو تمثيله لنضال اكثر سعة وعمقاً. ليس الحزب العمالي مجموعة من المصلحين الاجتماعيين الذين من المقرر ان يضحوا بحياتهم ويفدوها. انه حزب تنظيم فعالي تقليد نضالي وحركة اجتماعية معينة. انه ليس بتنظيم اشخاص يعتبرون انفسهم فعالي هذه الحركة طبقاً لما يراود انفسهم، بل تنظيم فعالين واقعيين وحقيقيين لهذه الحركة في ابعادها المختلفة. قد تكون هذه التنظيمات صغيرة او كبيرة، قد تكون في مستهل عملها او في اوج تطورها، ولكن على اية حال، مثلما يقول المثل ان الشبل شبيه الاسد من صغره. ان هذا الحزب يمثل هذه الظاهرة من لحظته الاولى . ان حركتنا حركة اجتماعية. نضال من اجل الاصلاح، وفي الوقت ذاته، نضال من اجل الاطاحة بالبرجوازية والثورة العمالية، انه نضال شامل يتضمن مجمل ميادين الحياة الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والثقافية. ان ينضم عضو الحزب الشيوعي العمالي الى الحزب كي يوحد نضاله مع الفعالين الاخرين لنفس الحركة من الصعيد المحلي الى العام. ويستلهم عضو الحزب من عضويته قوة وتجربة بصورة محسوسة وملموسة جداً في ميدان ومحيط فعاليته. بالنسبة لمثل هذا العضو، تعد الخلية الحزبية مكان تجمع اناس شيوعيين لمعمل او محلة. انه ليس تجمع اناس مجهولين رمي كل منهم نفسه من مكان بمضلة الى مكان التجمع. جمع من فعالين يعيشون بالضرورة ويسعون الى تحسينها في مكان مشترك. انها هي الحلقة الاساسية التي تشدهم ببعض وتبقيهم موحدين. ان الاتحاد والسعي للبقاء متحدين والمحافظة على الاتحاد ليست مسالة فكرية او نظرية، بل انها، وقبل اي شيء اخر، مسالة عملية تتعلق بالحياة نفسها والعائلة واناس المجتمع. ان الفعالية كعضو لا تضيف اي ثقل اضافي على فعالنا، بل تخفف من الثقل الذي على كاهله. ان اجتماع الخلية هو مكان تبادل وجهات النظر حول ما ينبغي عمله وكيفية القيام به واي شخص عليه ان ياخذ اي مكان وغيره. الخلية امتداد، وبالاحرى اسلوب متقدم او واعي محفلي لمثل هذا الفعال الذي يفتح عينيه فيها من البداية على الفعالية المنظمة. ان شبكة المحافل العمالية هي صلات موجودة وواقعية وحية لاتربط سوية العامل فحسب، بل مجمل عائلة العامل ووجوده الاجتماعي. ان خلية الحزب الشيوعي العمالي تتمتع بنفوذ لانها تستند الى مثل هذا السلم الحي والمحكم والسعي الاجتماعي والطبقي. ان خلية الحزب الشيوعي العمالي ذات امكانيات لانها تستند الى مثل هذه الشبكة من البشر الاحياء والاجتماعيين التي تتمتع بامكانات. ان هذه الامكانات تكون محدودة في خليتها بالطبع، بيد ان كثرة عددها وتجذرها في علاقات انسانية واعية وشيوعية يجعلها تتخطى امكانات البرجوازية. ان اللجنة المحلية، وبغض النظر عن المعنى الذي تنطوي عليه من ناحية النظام الداخلي والحقوق المقرة لها، ليست سوى مكان تمركز اكثر الفعالين تجربة انفسه ومركز هداية مجموعة من الخلايا في مكان ما. ليس بوسع اللجنة ان تكون مركزاً غيبياً لايعرف احد اعضاءها. انها جمع من اشخاص، سواء باسمائهم الحقيقية او المستعارة، محل ثقة الخلايا وقادتها على اية حال. اللجنة ليست سوى حلقة متحزبة للقادة العماليين. لذا فان الشبكة الحزبية ليست تمركز تنظيمي فقط، بل تمركز نضالي لاناس احياء اجتماعيين، تمركز مجمل امكاناتهم. انها لمشكلة ان تجد قائد عمالي تتعقبه السلطة وليست لديه بصورة اعتيادية مكاناً لحياته ولعائلته او تجد خليه او لجنة لاتملك مكاناً لطبع وتكثير ادبيات حزبها. من الممكن ان تكون هذه الامكانات غير عصرية وسريعة ولكنها موجودة. ان بيت العمال ومكان عملهم هي من ضمن قائمة امكانات مثل هذا القائد او الخلية او اللجنة. لكن مشكلتنا تكمن بالضبط في غياب هذه الخصوصيات التنظيمية او ضعفها. انه تعبير اخر عن التناقض ذاته الذي اشرنا اليه في بداية البحث. لنكشف اساس المعضلة عبر طرح تقليد اليسار غير الاجتماعي بصورة مفخمة. انها ليست خصائص حزبنا، ولكنها تمد يد العون لنا لادراك اساس المشكلة بصورة اوضح. لقد ذكرنا ان تصوير اليسار غير الاجتماعي للطبقات والاحزاب والنضال الطبقي احادي البعد، سطحي وميكانيكي. لايفهم الميول الاجتماعية بالضرورة، وبالتالي، دور الاحزاب وصلتها بنضال الطبقات والصراع الطبقي. ان فهمه هذا هو فهم فئة"غير اجتماعية" للنضال والمجتمع. فهم اناس ليس لهم مكان مباشر في الانتاج واعادة انتاج الحياة في المجتمع، وان شخصاً اخراً يتحمل عبء معيشتهم، وهم انفسهم ليسوا مضطرين للعمل والمشاركة في الحياة الاجتماعية على الاغلب. بالنسبة لمثل هذه الذهنية والعقلية، يعد المجتمع، الجماهير والحزب وغيرها ظواهر مجردة. في هذه المنظومة، ان تصوير العامل والكادح رومانسي، حركي وبطولي الى حد كبير. ان العامل، طبقاً لتصويرها، مثقف متخلف ورجعي من الناحية الثقافية حل في قالب بطل كمال اجسام. ان هذا النمط للعامل والكادح غير واقعي بالطبع. ان مثل هذه الكائنات غير موجودة. انها مرآة يرى فيها المتعلم والطالب المستاء والساخط ذاته فيها. على هذا الاساس، لايعد النضال مسالة تتعلق باحلال قوة خاصة في المجتمع، بل يتعلق بمواقف تتخذ. لاتمت مسائل المجتمع، بالنسبة له، سواء أكانت نظرية ام عملية، بصلة للواقع الحي. انها مسائل تجريدية يمكن دفعها باي اتجاه ينشده، ولويها وصياغتها على شكل منطق محض او عبر الرجوع الى الكتاب الفلاني. مثقف غير راسخ ولايملك تصورا واقعياً عن الانسان الحي والحاضر ولايفهم منهما شيئاً. انها بالنسبة له امور تافهة وليست ذات قيمة. حين تكون فلسفة وجودها مفصولة عن المجتمع، فان التنظيمات تتخذ بالطبع القالب ذاته ايضاً. ان التنظيمات اداة لبلوغ هدف. حين يعجز الهدف عن ان يصل ويربط نفسه بتقاليد اجتماعية، يتم تحويله الى هدف غير واقعي، سماوي، مفصول عن الحياة واعادة حياة البشر، وبموازاة ذلك، تتخذ التنظيمات بالطبع نفس السمة كذلك. اذ حين تعجز هذه النظرة عن فهم التقليد الاجتماعي للنضال الطبقي، لايغدو الحزب عندها مركز واطار لتوحيد نضال قائم وتقليد اجتماعي احتجاجي، بل مجموعة من اناس وافراد اجتماعيين، عامل او مثقف. وينخرط العضو النموذجي لهذا الحزب في التنظيمات فقط امتداداً للتجلي الفكري. على هذا الاساس، فان العضوية في التنظيم هي صيرورة ذهنية وفكرية اكثر مما هي امر عملي. على النقيض من الحزب العمالي الذي تُسَّهِلْ العضوية في صفوفه فعالية عضوه القائمة فعلاً، هنا من المقرر ان يكون الانتماء هو من يحدد عمل العضو اساساَ. لم يكن العضو فعال ميدان خاص قبل ان ينظم الى التنظيمات، بل كان ساخطاً على الوضع وفكر في ذلك اغلب الاوقات، عبر عن سخطه، ترك المدرسة وعلى هذه الشاكلة. ان الانخراط في التنظيمات هي بداية مرحلة جديدة من فعالية العضو، حيث يوضح له من خلالها اي من الاشخاص سيغدو رفيقا له في الخلية، وان هؤلاء الاشخاص هم عادة اناس على شاكلته، وتحدد التنظيمات اين تعمل هذه الخلية وماهو موضوع عملها. لاتستند الخلية على شبكة محددة، بل انها لاتستند الى علاقات اجتماعية اساساً. اذ من اجل المشاركة في الخلية او الحزب، يترك الاعضاء عادة حياتهم العادية ويتخلون عنها. ان الهبوط بمضلة في ساحة عمليات مجهولة ليس امراً سهلاً بالتاكيد. لذا اما يكون شكل الفعالية، بالضرورة، حركياً (اكسيونياً) او مكرسكوبياً-سرياً، وعلى الاغلب توليفة من كليهما. ان دعوة الجماهير الى اعمال عديمة الصلة وغير معقولة من قبل مراكز غيبية غير معروفة يعطي تصويراً غير واقعي وبطولي لفعال مثل هذا التيار في احسن الاحوال. على هذا الاساس، اذا كانت التنظيمات المعنية محبوبة، فان تصوير عضو هذه التنظيمات او فعالها هو تصوير بطولي، مافوق بشري، صعب المنال، سوبرمان. تبين هذه الحقيقة عن نفسها في نمط الفعالية خارج هذه التنظيمات وداخلها وفي اسلوب عملها، في ثقافتها وتعاملهم مع بعضهم البعض وغير ذلك. ان النضال الذي يقومون به ليس سياسياً بالمعنى الواقعي، ولا اقتصادياً ولاثقافياً. ان النضال في احسن الاحوال هو مراسيم براقة يتجمع فيها مجموعة من اناس يتجادلون، وعند الضرورة، يركنون حياتهم جانباً من اجل خلاص الجماهير. ان عضو مثل هذا التنظيم طبقا للتعريف او استناداً الى تطلعات تنظيماته منه هو اعلى من الانسان العادي ومتفوقاً عليه. لايساوره هم تامين معيشته، ولا هم تامين حياة طفله، لا هم تدبير حياة ام او اب له، ولايمكن للانسان الواقعي فهم تصرفاته. بالنسبة لحزب عمالي، تعد جلسة الخلية واللجنة جلسة اناس تربطهم مسالة مشتركة ومن اجل ايجاد سبيل حل، يتجمعوا لتنسيق العمل وتوحيده. جلسة فعالين وقادة انظارهم منصبة اعينهم على مجمل ميادين النضال من الكبيرة الى الصغيرة، من الاصلاح حتى الثورة، انهم مجموعة اناس يعرفون مصلحتهم المشتركة، ولانهم يعرفون مثل هذه المصلحة اساساً، تجمعوا سوية، وان هذه المصلحة هي بوصلة حركتهم. بالمقابل، لايربط اعضاء تنظيم غير اجتماعي امر موضوعي وعيني، بل مواقف ذهنية اساساً. اذ ان للبحث والجلسة والاجتماع معنى واطار اخر بالنسبة لهم. للجلسة خاصيتين في مثل تنظيمات كهذه. الخاصية الاولى والاساسية هي النضال الايديولوجي، (وقصدنا بالطبع احاديث طويلة ومكتبية وجامدة وذهنية على الاغلب)، والخاصية الثانية هي اعادة تعريف فلسفة وجودها من جديد واعمالها التي تتمثل في اغلب الاحيان بالطبع بهدف اعلان مواقف التنظيم للجماهير عبر رمي المنشورات والبيانات والاشتهار. في مثل هكذا تنظيمات، ليست ثمة مصلحة اجتماعية معلومة ومحددة على الصعيد المحدد والعام، ولايحس الجميع بوجودها. ليس لهذه التنظيمات بوصلة واقعية وملموسة بالضرورة. ان غياب هذه البوصلة يجعل الربط الداخلي امراً ذهنياً، وعليه يجب تجديدها (اي البوصلة-م) بمشقة وبصورة منظمة عبر مراسيم فئوية-صوفية تسمى جلسة. ان جميع الامور بمستوى واحد في اجتماع مثل هذا. ان الحس بتوازن خاص امر غير موجود، وان اي اختلاف سياسي، تكتيكي، واي حقد شخصي، واي اختلاف محفلي او قديم بوسعه ان يجر ساعات من البحث والتنظير والانهماك والانشغال بالنفس. ان نفس الاجتماع في مثل هذا التنظيم يمثل على الاقل (70%) من "النضال". الاجتماع ظاهرة طويلة، ذهنية وتجلب وجع الراس يصعب تحملها من قبل اي انسان واقعي. المسؤول، وقبل ان يكون مسؤول دفع عمل ما للامام، مسؤول نفخ دائمي بروحية الاخرين وازالة الغموض في هذا الصراع العجيب. ان هذا بالطبع لايمكن ان يقوم به سوى امرء من حملة الشهادات. وعلى هذا الاساس ايضاً، بوسع اناس هذا النمط فقط الارتقاء بالسلم الحزبي. يتم تقييم الاشخاص اساساً استناداً الى مدى تمتعهم بهذه الامكانية، وان هذا اصعب بدرجات من معيار تنظيم عمالي انصافاً. لايتمتع فعالي واعضاء هذه التنظيمات لايتمتعون بمكان خاص في العالم الخارجي. انهم ضيوف مجتمعهم بصورة نموذجية. بوسعهم ان يناضلوا او يكفوا عن النضال. ليست لديهم صلة خاصة بمكان ما ولا امكانيات خاصة ايضاً. تكون القيادة في هذه التنظيمات عادة مركزاً غيبيا يصدر البلاغات، البيانات او المواقف. لو واجهت الخلية مشكلة في رفع روحية او ضخ نظري، ترسل القيادة شخصاً بوسعه ان يلقنهم وينفخ الروح فيهم. ان التنظيمات نفسها تغط وعرضة لعواقب هذا التفسير. ان التذبذب بين التعصب التنظيمي الاعمى والولع بالتنظيم وبين اللامبالاة بالتنظيم، الانتماء الى التنظيم والخروج الطوعي منه، تدمير التنظيم اجمالاً تصاوير مختلفة لتقليد واحد. بالنسبة للعامل ولاي انسان اجتماعي، يعد التنظيم اداة، بل واهم اداة، لبلوغ الهدف. التنظيم يجسد مصلحة مشتركة. اما بالنسبة لتقليد هامشي، لايمثل التنظيم مصلحة خاصة وموضوعية. اذ بوسع فعال مثل هذا التنظيم ان ينتقل من هذا التنظيم الى تنظيم اخر بسهولة وان يكيل احط الاتهامات لتنظيمه ورفاقه. لايفهم مثل هذا الفعال انه حتى عندما يساوم قائد عمالي في النقابة علناً مع ارباب العمل، لماذا لايكون عامل نقابة فعال على استعداد ان يتفوه بكلمة غير لائقة بحق النقابة وقادتها امام الاخرين. ان هذا الحقيقة عصية على الفهم بالنسبة له. من المحتم ان يكون الامر كذلك. ثمة خصوصية بارزة لهذا التقليد عديم المنطق هو تحويل التنظيمات الى مادة عمله والانشغال الدائمي بها. ان الخلية والحلقة والوحدة التنظيمية في هذه التنظيمات لا تتمتع بامكانية ولا صلات. وعليه، اذا لم تحصل هذه التنظيمات على مال من مكان ما غير عادي، لن يكون لها امكانية. ان محل معيشة جميعهم هو بيت ابوهم. وطبقاً لعلاقة مثل هؤلاء الفعالين مع عائلاتهم، ليس لهم دور يذكر فيها. لاتاتي اي امكانية من مثل هذا المكان او هذه العلاقة. ان شخصاً راى مرحلة الارهاب والوحشية للجمهورية الاسلامية للفترة (81-83)، راى مجزرة وابادة هذه التنظيمات التي تلقتها على ايدي الجمهورية الاسلامية. ان شباب باعمار 12 حتى 18 عام، وما ان يطولهم اقل اعتراف، حتى تجدهم عاجزين عن ايجاد اي مأوى لهم سوى الشوارع، اصبحوا ضحية الجلادين بسهولة، ويقتلون. انها ماساة عميقة ستترك اثارها على سيماء المجتمع الايراني والفعالية السياسية فيه لمدة طويلة. على اية حال، ليس بوسع العامل بوصفه طبقة اجتماعية ان ينجذب الى مثل هذا التنظيم. ان التنظيمات غير مناسبة ومرهقة لابالنسبة للعامل فقط، بل بالنسبة لاي شريحة اجتماعية اساساً، ولايمكن ان تتناغم مع الحياة. اذ يلفظ محيط هذه التنظيمات عموماً الانسان العادي والاجتماعي خارجها. يتوجب ان اشير هنا الى حقيقة اذا كان نشاط فعال غير اجتماعي عصي على الفهم ويبعث على الحيرة والعجب من وجهة نظر العامل، من الجهة المقابلة، فان نشاط قائد عمالي، داعية ومحرض عمالي او قائد عملي عمالي غير مفهوم، وفي حالات كثيرة مبعص اشمئزاز من وجهة نظر ذلك الفعال غير الاجتماعي. بالنسبة له، ان الاصطفاف مع الاخرين من اجل مصلحة مشتركة ضرباً من العمل الذي لايبعث على الارتياح. ومن المؤكد انهم لايجنوا النشوة الروحية في هذا النضال. وفي الحقيقة ليسوا اهل هذا العمل. قد نعود الى هذه المسالة بصورة اكثر تفصيلاً. الى هنا ينبغي ان يكون قد بلغنا المكان الذي نرى فيه العديد من مشاكلنا. ومثلما ذكرت ان هذه ليست الصورة الراهنة لتنظيمنا، بل ان طرح هذا التصوير المبالغ به يمد يد العون لنا كي نستطيع توضيح مصدر مشاكلنا بصورة ابسط واسهل. 4- التكتيك ان تكتيكاتنا فيما يخص التعامل مع الاحزاب البرجوازية، المنظمات الجماهيرية والاشكال المختلفة للنضال تستمد تاثيرها من مجمل نظرتنا للنضال الاجتماعي واهداف هذا النضال دون شك. بهذا الصدد، وان كانت باعتقادنا مواقفنا تجاه احداث المجتمع صحيحة ومن منظور شيوعي وعمالي اجمالاً، بيد ان اشكال الفهم غير الصحيحة قد اخرجت تكتيكات مهمة من دائرة اهتمامنا. لتوضيح المسالة، نعود الى التكتيك ومكانته في حزب شيوعي عمالي وتصوره -اي التكتيك- في تقليد اليسار الهامشي، بامل طرح تصوير مغالى فيه للتقليد اليساري حتى يمهد السبيل لفهمه بصورة اعمق ويجعلنا بغير حاجة لتناول مسائل تكتيكية ملموسة. ان هدف حزب شيوعي عمالي هو الثورة العمالية وتنظيم مجتمع شيوعي. بيد ان تحقيق هذا العمل ليس ممكناً على الاغلب الان بصورة فورية لانه لم تُجْمَّعْ القوى اللازمة لذلك. اذ لاتخلي البرجوازية الميدان لاحد بقدرة المنطق والجدل، ومن الطبيعي ان انتزاع السلطة من البرجوازية يستلزم قوة اجتماعية ومقتدرة. يسلتزم طبقة عاملة منظمة، طبقة تعلم ان عليها الاستيلاء على السلطة، واخيراً تعلم ماذا تفعل بهذه السلطة. ان هذا التغيير في السلطة وتغيير بنية المجتمع، هذه الثورة تستلزم، علاوة على ذلك، ان تكون الطبقة العاملة قد حولت افقها الى افق اوسع الجماهير ووحدتها حول رايتها، راية الثورة الشيوعية. ان هدف حزب عمالي هو بلوغ وتحقيق هذه الثورة، وان هذه هي البوصلة العامة لحركته. بيد ان تحقيق هذه المسالة يستلزم عملاً وتجربة ويستغرق وقتاً. للاسف، لايسمح المجتمع الطبقي والبرجوازي ان يتم هذا العمل خلال دورة تعليمية على سبيل الفرض. انها عملية ينبغي ان تتحقق في رحم الحياة اليومية للناس. الحياة اليومية التي هي نفسها ميدان جميع المحدوديات والحرمانات والصراعات. دون شك ان مثل هذا النضال هو عملية صراع مستمرة تشمل مجمل ميادين الحياة الاجتماعية للبشر. ان العامل، وبغض النظر عن كونه واع او غير واع، لاندحة له من الدفاع عن وجوده الفيزيقي والمعنوي له ولعائلته امام البرجوازية. ان التحولات السياسية، الثقافية، والاجتماعية عمليات مستمرة دون انقطاع. وتترك هذه التحولات تاثيراً على حياة اناس المجتمع، ومن ضمنهم العمال، وان الطبقة العاملة نفسها احد القوى الاساسية المؤثرة والمتاثرة بهذه التحولات. ان المجتمع والمجتمع الطبقي ومجمل طبقات المجتمع وفئاته في صراع ومواجهة سافرين احياناً ومستترين احياناً اخرى. بمعنى ان عملية الاعداد للحرب الاخيرة والثورة العمالية نفسهما ينبغي ان يتما في خضم سلسلة حروب دائمة واحياناً سافرة واحياناً اخرى مستترة، احياناً تغلي كالمرجل واحياناً بطيئة. تشكل كلا العمليتين، اي الاعداد والقيام بالثورة العمالية والنضال الطبقي الجاري في المجتمع عملية واحدة. ان الحزب الشيوعي العمالي ليس حزب الثورة الاخيرة فحسب، ليس حزب هذه المسالة او تلك او حزب معضلة محددة، ليس حزب النضال العام امام المحلي. انه حزب اية لحظة من هذا النضال واي ميدان من هذا النضال وفي كل مكان من نطاق النضال. ان على مثل هذا الحزب ان يعرف بالضرورة، سواء على الصعيد العام اوعلى الصعيد المحلي، هدفه في اي صراع وان يقيّم قواه في هذا الصراع وان يحدد السبيل المناسب لبلوغ هذا الهدف. ان هذا ليس سوى اتخاذ التكتيك. ان التكتيك بالنسبة لحزب شيوعي عمالي هو السبيل العملي للانتصار في حرب محددة. حرب محددة، نصر قد تم تحديده، ومن هذا الجانب فان تكتيكه السليم هو الذي يجعل هذا النصر امراً ممكناً باقل "التكاليف" وباقصر مدة. انها عناصر يجب ان ندقق بها لانها تشكل احد النقاط الفاصلة للتكتيك في حزب عمالي اجتماعي وحزب غير اجتماعي. ان الاحزاب والتنظيمات غير الاجتماعية لها فهم اخر للنضال والتكتيك. انهم لايفهمون ان الناس تدخل الميدان من اجل اهداف محددة وانسانية بصورة تامة، وتامل بالظفر. ان امرء لايؤمن بالظفر في نضال ويشترك فيه، من المؤكد انه صوفي فحسب، لاتعادل الحياة شروى نقير بالنسبة له، امرء يعد الموت بالنسبة له نفس الانتصار. في النمط المسلح لهذه التنظيمات، يبدوا ان على "الجماهير" ان تكون متاهبة، تضحي بنفسها وتفدي حياتها بفخر وسعادة ثلاثة مرات كل يوم. حرب حماسية، دم مفعم بالفخر، ان درجة فخر التنظيمات في هذا "النضال" مربوط مباشرة بدرجة مايراق فيه من دماء وفيما يخص الحقانية، فان لقائمة الشهداء القول الفصل. ان مثل هذه التنظيمات التي تقوم بفعالية سياسية وذات "حساسية تجاه السلاح"، فان الاضراب والتظاهرات تتمتعان بالدور نفسه. تامل ان تنظم الجماهير 3 فرائض يومياً: صباحاً وظهراً ومساءاً من الاضراب والتظاهر. وعلى النقيض من الانسان العادي، فان بطلهم الذهني يجد لذة ومتعة في الاضراب. على اية حال، لايتمتع التفاؤل والامل بالمستقبل بتلك المكانة. انه ضرب من الولع الديني- الفئوي للشهادة. ان النمط الصوفي والسلوك الدراويشي والموت شباباً هو الامر السائد. وعليه، ليس التكتيك، عند هذه المنظومة، هو سبيل بلوغ النصر، بل موقف. انه مسالة ذهنية اساساً ينبغي ايجاد حل لها، وعادة جاء جوابها في "كتاب" بالطبع. في الحقيقة اما النصر لايمتلك تعريفاً واضحاً، او ان كان له، فليس له سوى نصر "نهائي". التكتيك سبيل بلوغ الفخر. انه سبيل تهييج وتحفيز والاحماء الاكثر لنار النضال. انه نوع من الاستعراض البهلواني عديم المحتوى. ان انعدام الصلة هذا بالحقائق الاجتماعية للبشر يخلق انعكاسين متناقضين ظاهرياً. يتمتع كلاهما بالدرجة ذاتها من عدم فهم الحياة الاجتماعية للانسان، وبالتالي، عدم فهم الابعاد الواسعة جداً للنضال المحدود (من حيث الهدف)، يعني النضال من اجل الاصلاح (في جميع الميادين)، واهميته في حياة، وبالضرورة، نضال العامل والانسان المضطهد، وان الاهتمام بهذا النضال يعتبرونه اصلاحية ويشجبونه، او في احسن الاحوال يتخذون موقف اللامبالاة منه. لذا، عند هذا المستوى من البحث، لايتعدى النضال بالنسبة لهم سوى النضال من اجل اسقاط الحكومة او السلطة الحاكمة باي حال من الاحوال. طبقاً لهذا لتصور، تستشف تكتيكات لاتمت بادنى صلة بالنصر وباعداد القوى وتهيئتها له. ان حصيلة التكتيك "يسارية" وغير معقولة. اما الطراز المسلح من هذه التيارات، فلاتعترف سوى بالسلاح اداة في حياتها. وبناءاً على ذلك، يصبح تقديس السلاح وتبجيله جزء من هويتها. اما النمط الذي يمارس العمل السياسي وغير المسلح فيصل الى اصدار البيانات والبلاغات عديمة الصلة، وان تمكن، يقيم تظاهرات وحركات تنظيمية. ولكن بوسع التكتيكات ذاتها ان تتحول الى يمينية في اكثر ميادين النضال الواقعي اساسية، وفي اغلب الاوقات يكون الامر كذلك. ليس مهما ان تعيش هذه التيارات حسب فهمها. ان ما هو مهم هو ان هؤلاء موجودين بصورة واقعية في مجتمع تنثال عليهم قضاياه الواقعية ومشكلاته الواقعية. ان منطق الحياة يقتضي انه حتى لو اتيت من المريخ (اي من عالم غريب-م)، واذا ما اردت رسميا ان لايتعاملوا معك على انك معتوه، عليك في المطاف الاخير ان تقول شيئا يخص ما كان المجتمع منهمك به وتحدد لك مكان في معادلات المجتمع. ان هذا الامر الذي وبوصرة واقعية كلما يتخذون موقفاً عمومياً تجاهه تغدوا المكانة الاجتماعية لهذا القوى معلومة. ان محدودية فهم امرء ما للصراع الطبقي لا يعفيه من التخندق في خضم النضال والصراع الواقعي الجاري في المجتمع. ان مثل هذه التنظيمات لاتفصل نفسها عن هذا السياق. ليس لدى مثل هذه التنظيمات ايضاً مشكلة مع الحياة الواقعية (الوضعية القائمة) هذه، ولاتمتلك افقاً متمايزاً تجاه مجمل الصراع الطبقي بالمعنى الواسع له، وليس بمقدورها ان تمثل، على صعيد المسائل الاساسية للمجتمع، سوى تقليد برجوازي اصلاحي وقومي. ان هذا الوجه من العملة الذي يجلب معه اليمينية في المسائل الاساسية للمجتمع، في تقييم الاحزاب، في الثقافة وفي الاقتصاد وغير ذلك. اي توليفة من تكتيكات مغامرة مع مواقف وتكتيكات يمينية هي خليط تمثله هذه التيارات على اكمل وجه. خليط مواقف واعمال يسارية ويمينية مرفوقة بموسيقى اهازيج حربية هو الشيء الذي تفهمه من التكتيك. مثلما ذكرت ان هذه الطرق وهذه التصورات بعيدة كثيراً عما هو عليه حالتنا اليوم بالطبع. ولكن على اية حال، ان حزبنا وقبل ان يكون قد سقط اسير مثل هذه التكتيكات، فانه وقع تحت وطأة ضغط عادات قديمة وعدم ايلاء اهمية للمضامين الاجتماعية للنضال، ولهذا، فقد اضاع فرصة ذهبية. ان اركان هذه المحدوديات جانباً في التكتيكات يستحيل دون معرفة جذور المحدوديات. ان اي رفيق لنا في اي خلية او لجنة بوسعه ان يبين اثر مثل هذا الفهم. 5- التحريض والمحرضين ثمة مسالة اساسية اخرى ينبغي تناولها الا وهي دور التحريض وبالاخص المحرضين الجماهيريين والعماليين في حزب شيوعي عمالي اجتماعي. ان مسالة المحرضين الجماهيريين والقادة المعروفين للحركات الجماهيرية مسالة محورية في حزب ذا اهداف اجتماعية. في مثل حزب كهذا، طبقاً للتعريف، حزب قائد حركات جماهيرية مطالبة بحقوق وداعية للمساواة على الاصعدة والاشكال المختلفة العملية، الفكرية والسياسية. أثمة شيء اكثر طبيعية من ان يكون العمود الفقري للقيادة الحزبية، بصورة واقعية، شبكة القادة العماليين والجماهيريين ذاتها؟ ان جواب هذا هو ما هو تعريفنا للطبيعي هذا. انه لامر طبيعي بالنسبة لحزب عمالي اجتماعي لانه منهمك بهذا النضال، ومن المقرر انه حزب قيادة هذا النضال وانتصاره. لكنه امراً ليس طبيعياً بالنسبة لتنظيمات يسارية هامشية وذلك لان مايجمعها ليس اهداف اجتماعية معروفة. لقد رسمنا في بحث التنظيمات نموذج فعالية ناشط هذه التيارات. ينبغي علينا القول هنا ايضاً، طبقاً لتقليد هذه التنظيمات نجد من جهة شبكة سرية ومحترمة من اناس دون جذور، ومن جهة اخرى، شبكة علنية من القادة والفعالين العماليين والجماهيريين الذين هم علنيين بناءاً على سمة عملهم. ومن المقرر ان يقوم ذلك المركز الغيبي وعديم الجذور بابلاغ نظراته الى هذا القسم العلني. وان كان ثمة خطر يهدد الحزب، فان اول الاشخاص الذين تصان حياتهم بالطبع هم التنظيمات السرية نفسها التي تديم حياتها في بيوت والديهم بصورة سرية. لدينا، وبصورة واقعية، مشكلة مع هذه المسالة. رغم قرب قسم ملحوظ من فعالي الحركات العمالية والجماهيرية، الا انه لازال بعيداً عنا. بوسع قلة فقط الاعتقاد بان القادة العلنيين المعروفين لتيارنا في العراق قد تم قبولهم بصورة جزئية وغير تامة، وتحت ضغط. لا يتعلق البحث هنا بالعمل العلني والعمل السري. ان علنية ودرجة علنية صلة التنظيمات بالحزب مسالة تكتيكية، اذا ينبغي اتخاذ القرار بشانها بصورة حية. لقد كتبنا قبل عدة سنوات حول العمل السري وصلته بالشبكات الحزبية، وكانت في متناول الحزب الشيوعي العمالي العراقي، ولهذا لانعيد او نكرر هذا البحث هنا. ان بحثنا هنا يتعلق بمكانة هؤلاء القادة العلنيين والعمليين في الحزب. فلنديم البحث بنفس النموذج المغالى فيه لنوضح المسالة اكثر. بالطبع سنشير هنا الى عدد من العناصر، وندعوا القراء ذوي العلاقة الى قراءة سائر كتابات الشيوعية العمالية بهذا الصدد، وبالاخص بحث المحرض العلني. (2) ان التحريض بالنسبة لحزب عمالي هو اداة حياتية. ان التحريض هو وسيلة الصلة المباشرة لاي حزب عمالي، اي مركز شيوعي ونضالي للعمال بالجماهير العمالية ومخاطبيه. ان التحريض لسان او اداة اولية، وربما اكثر ادوات اتصال القائد العمالي بالعمال ومخاطبي هذا الحزب اساساً. من المقرر ان يهدف التحريض، سواء على الصعيد المحلي او العام او من اجل مطلب محدود او من اجل الثورة العمالية، الى توحيد القوى وطرح الافق وحاشداً لها. اذ ان المحرض هو امرء يضع بصورة حية امام العمال الهدف ويُعَّرِفْ النصر ويحدده ويجمع القوى لذلك، ويبث الثقة بالنفس ويجمع التجربة وغير ذلك. اذا كان من المقرر ان تثق قواه بنفسها وتعتقد، اذا كان من المقرر ان تتعقب قواه هدف معين في ميدان النضال، فان التحريض والمحرضين هو الصف الطليعي واهم صف في تفاعلات هذا الامر. ان قادة العمال هم محرضين عماليين قبل اي شيء اخر، وان حزب شيوعي عمالي هو شبكة مربوطة الوشائج للمحرضين البروليتاريين والجماهيريين قبل اي شيء اخر. ان التحريض، وطبقاً لخصيصته، امراً حياً ومفهوماً وواضحاً وعميقاً. ان المحرض، وطبعاً لخصيصته، لايمكنه ان يكون غيبياً او سرياً. ان الهوية التنظيمية وصلة محرض بروليتاري بالحزب هما سريتان في اغلب الاوقات بالطبع، لكن المحرض نفسه فهو علني واطار علنيته ومداها يحدداهما توازن القوى. المحرض، طبقاً لهذا المعنى، فهو قانوني. قانوني ليس بمعناه المدون، بل معنى مُعَّبِرْ عن توازن القوى بين العامل والبرجوازي. بالنسبة للتيارات غير الاجتماعية، ان مكانة التحريض، وبالتالي المحرضين مقلوبة تماماً، وان هذه الصورة المقلوبة القلب موروثة من طرفين. من خطل فهمهم للتحريض، ومن الصورة المقلوبة لفهمهم لقيادة النضال ومكانة المحرضين العماليين والجماهيريين. اذ لو كان التحريض حلقة وصل التنظيمات بموضوع عملها في نضال معين، فان هذه الحلقة مفصولة فيما يخص التيارات غير الاجتماعية. بالنسبة لحزب يساري هامشي، العامل، وفي الواقع الجماهير غير واعية ومنشغلة بنضالات صغيرة، هابطة ومتهافتة. ان هدف التحريض هو جلب انظار الجماهير الى اهداف التنظيم وجرهم من هذه "الاصلاحية" و"الجزئيات". بيد ان اهداف تنظيمه يصعب ترجمتها الى لغة البشر بسهولة. في الحقيقة ان الهدف هو امل كلي وفي احسن الاحوال، اشتراكية منعدمة الصلة بحياة الناس. اذا قلما يستطيع احد منهم توضيح، ولدقائق، وبلغة مفهومة، لاشخاص غير اعضاء فرقته، على سبيل المثال، ما هي الاشتراكية، لماذا ينبغي على العمال ان يكونوا اشتراكيين، لماذا ينبغي على كل انسان مضطهد ان يلتف حول راية الاشتراكية، لماذا الدين خرافة، لماذا القومية رجعية وغير ذلك. ان الاشتراكية بالنسبة لهم ليست لها صلة مباشرة تذكر بهذه المسائل، وفي الحقيقة ليست بحثاً حول حياة الناس الفعليين والموجودين. ان الاشتراكية والشيوعية والماركسية بالنسبة لهم مواقف فئوية. ليس من المقرر ان تكون قابلة للفهم لاناس خارج فرقتهم. على اية حال، من المقرر ان يطرح التحريض في مثل هذه التنظيمات تلك التكتيكات العابرة او يثبت صحة وصواب اشتراكية غير اجتماعية، وهو امراً ليس باليسير طبعاً. لن يكون حصيلة هذا المسعى سوى نص مدون او خطاب كلائشي غامض غير مفهوم وغير مقنع ومرهق عادة. وفي نهاية المطاف لايبقى لدى المستمع مايتذكره سوى شكل ونوع الخطاب اواثر من بلاغه ،ان هذا لايمت بادنى صلة الى التحريض الذي صورناه في حزب عمالي. اذا كان هذا هو التحريض، فان مصير محرضه معلوماً ايضاً. في الواقع ان وضع المحرضين الجماهيريين عموماً والعماليين خصوصاً في هذه التنظيمات يعطي تصور اوضح لحال التحريض نفسه. اذا كان من المقرر ان يقوم المحرض بايصال هذا الكلام والمواقف الى عامة الناس، عندها سيعفى مجمل القادة العمليين للعمال وفعالي الحركة الشيوعية داخل العمال والجماهير من المسؤولية وذلك ببساطة لان مايقال لايتناغم مع فصيلة دمهم ولايستطيعون القيام بذلك. ولهذا، في هذه التنظيمات، تحل بدلاً من شبكة المحرضين الجماهيريين والعماليين شبكة حملة الشهادات غير الاجتماعيين. ان هذه التنظيمات، وعلى الرغم من وجود افراد عمال في صفوفها، فانها ليست اساساً سوى شبكة حملة شهادات ساخطين وغير اجتماعيين نفسها. على هذا الصعيد، لو ان محرض جماهيري وعمالي انخرط في هذه التنظيمات في اوضاع خاصة، فان له دور تحريضي لمحرض علني من الدرجة والمرتبة الفلانية قياساً بالسلم الاكثر سرية واحتراماً ولاواقعية، والذي يطلق عليه كوادر. ان هذا يوصلنا الى الطرف الثاني للمسالة، اي تصورهم للقيادة عموماً وقيادة النضال الجماهيري او العمالي خصوصاً. ان تصور هذه التنظيمات لاليات القيادة في المجتمع هو صبياني وخيالي وتافه بقدر تصورهم للمجتمع نفسه. يتمثل تصورها بان قيادة النضال او الفعالية يتم من قبل حلقة، خلية او فرع تنظيمي سري. اذ تعرف الجماهير والعمال بالطبع التنظيمات نفسها اساساً عبر بلاغاتهم وحركاتهم وماضيهم المليء بالفخر وينتظرون ليرون اية تعليمات تعطيها التنظيمات. ان التنظيمات في هذا السيناريو مهيئة، وان تعليماتها يتم تبليغها للجماهير عبر بيان او بلاغ صادر عن "مراكز غيبية"، تحدد الشعارات وتقول مايجب عمله وما لايجب. وباختصار، في هذا السيناريو، يحقق اؤلئك القادة السريون احلامهم بقيادة الجماهير. ان دور المحرض والقائد المحلي للعمال بهذا الصدد يتمحور بالانتظار في غار حراءلاستلام بلاغ جبرائيل، وبمحض وصوله، حتى يقومون باطلاق الهلاهل والزغاريد، بتوضيحه للجماهير. ان عقلية هذه التنظيمات والفعالين اما اسود او ابيض مثلما يقولون اوهذا الجانب او ذاك من العملة. النضال اما موجود واما غير موجود. اذا كان موجود فان الجماهير في حالة اضراب او تظاهرات والا فلا. انها لاتدرك اساساً تعقيد اشكال النضال التي تستلزم اتخاذ قرار فوري وفي وقته. وعليه، فانها لاتفهم حتى دور اداة المحرض. من الواضح ان هذا السيناريو خيالي الى ابعد الحدود. ان ما يحدث هو شيئان: اولاً، حتى لو ان التنظيمات تتمتع بشهرة، وبوسع مواقفها ان تترك تاثيراً على مجرى نضال الجماهير، بالنتيجة يتوجب على امرء ان يتقدم طليعة صفوف النضال ويمسك بقيادة النضال بصورة واقعية. ان هذا العمل يضطلع به القادة العمليين والمحرضين في ساحة النضال. ان العمل العملي الوحيد الذي يبقى للتنظيمات هو اصدار البلاغات في تمجيد الحركة واجلال حتى تخلفها ونقاط ضعفها ونشر تقريرها الخبري في جرائدها بالطبع. ستديم التنظيمات الهامشية في الهامش ذاته بحياتها المفعمة بالفخر في عالمها الخيالي. ثانياً، ان هذا التعامل مع المحرض يبعد، بصورة واقعية، ميدان الحياة الاجتماعية وعناصر التاثير المباشر فيه عن متناول التنظيمات. من الممكن ان تستطيع مثل هذه التنظيمات ان تجذب في اوضاع ما عمال كثر الى صفوفها، بيد ان هؤلاء العمال ينضوون كافراد الى مثل هذه التنظيمات، وان التنظيمات نفسها ليست قادرة على تغطية ذلك الميدان والنضال والالية الاجتماعية للعمال الشيوعيين والاشتراكيين. ان هذا الجانب من الحياة الاجتماعية لايمكن ان ترتبط وتندمج بالحزب والتنظيمات عبر اية اية من ايات النظام الداخلي او قرار ومقرر. انها حقيقة اكثر اساسية. وتغييرها تغييراً اشد عمقاً. ان حزبنا ابتعد عن هذه الصورة، ولكننا لازلنا نعاني من بقايا هذا التصور ويجب ان نقتلعه من جذوره. 6- التسلح والنضال المسلح من جملة المسائل التي كان من المقرر ان نشير اليها هنا ثمة مسالة باقية الا وهي مسالة مكانة التسلح والقوة المسلحة لحزبنا. فلنبدأ البحث بتبيان هذه الحقيقة، وهي اننا، ومنذ لحظة تاسيس الحزب الشيوعي العمالي العراقي، دعينا الى التشكيل الفوري للقوة المسلحة للحزب، وان مطلبنا واستنتاجنا، وان كان قد جاء اليوم بوصفه سياسة رسمية ومصادق عليها من قبل اللجنة المركزية، ولكن كانت بصورة واقعية من بين تلك الارضيات التي جابهت اشد مقاومة عملية على الاصعدة المختلفة للتنظيمات. ان هذه المقاومة ناجمة، براينا، وقبل اي شيء اخر، عن انعدام الوضوح نفسه واحادية النظرة التي استهلينا بها البحث. في النضال الذي شنه تيارنا على القومية الكردية ومن ضمنها التقليد القومي في النضال المسلح للاحزاب القومية الكردية، تم تعميم هذا النقد في حالات بصورة غيرة مبررة وغير صحيحة على مجمل ظاهرة تسليح الاحزاب حتى على الفعالية المسلحة بصورة عامة بعض الاحيان. ربما من الافضل القول ان هذا الطروحات موجودة من قبل دون ان يكون لها هناك اي ارتباط منطقي بنظرات الشيوعية العمالية، وجدت الفرصة لطرح نفسها. من الواضح انه تسليح الاحزاب الشيوعية والدفاع المسلح لهذه الاحزاب عن نفسها من الهجمات المسلحة للحكومات والاحزاب البرجوازية والعصابات الظلامية المعارضة لروح الشيوعية والحركة العمالية. ان تنظيم الفعالية المسلحة من قبل حزب شيوعي قبالة الهجوم المسلح للدولة في اوضاع ثمة امكانية لذلك هو "امر غير عمالي"، وظاهراً ان الشكل الوحيد للنضال العمالي والشيوعي هو الاضراب، التظاهرات والانتفاضات الجماهيرية! انها لحقيقة ان القسم الاعظم من "حساسية" الرفاق من التسلح وقضية الفعالية المسلحة ناجم من اشمئزازهم المحق من تقليد الحركة القومية الكردية. بيد ان ذلك، في نهاية المطاف، لايقلل شيء من المعنى الاجتماعي للمحدوديات التي فرضها هذا التصور علينا. لذا ينبغي العودة لهذه المسالة من الجذور. ان هذه المسالة، وعلى الرغم من اهميتها العملية في ظل الاوضاع الخاصة، ليست من الناحية التحليلية بمستوى المسائل العامة التي تحدثنا عنها لحد الان. بمعنى ان البحث محدداً اكثر وملموساً اكثر. الا ان ذلك لم يقف حائلاً امام تطورها كمسالة محورية عند الاحزاب والتنظيمات الشيوعية. لقد بدء القرن العشرين بنبذ قسم واسع من الاشتراكية الديمقراطية والحركة العمالية الاصلاحية في اوربا العنف والنضال المستند للعنف. احدثت ثورة اكتوبر شرخاً جدياً في هذه الاصلاحية. ولكن هذا التيار، مع ظهور النزعة القومية على الصعيد العالمي وهيمنة الافق القومي على الحزب الشيوعي الروسي والحياة الاجتماعية الروسية، اتخذ هذا التيار مسارا اخراً. كانت حصيلة ذلك ان شهد عقد الستينيات والسبعينيات تطور وهيمنة النضال المسلح على قسم واسع من النضالات والاحزاب والمجاميع السياسية وبالاخص في بلدان مايسمى بالعالم الثالث في النضالات التحررية والتي كانت مرتبطة بالمسالة القومية. ان هذا في الواقع بُعد للهيمنة الاكثر عمومية للنزعة القومية التي كانت الاحزاب والتيارات اليسارية قد ابرزت نفسها تحت اسم الشيوعية والماركسية. لقد تحول تقديس السلاح الى نقيضه، بالطبع، في عقد الثمانينات وبالاخص بعدها في خضم التحولات العميقة لعقد التسعينيات. ان تعقب الجذور التاريخية، الاجتماعية والنظرية لهذه العملية، ومن ضمنه دور التيارات غير الاجتماعية والهامشية مثل المنظمات الفدائية ذات النمط "الجيفاري" او "الماريكلائي" واختلافها مع تيارات بنفس الدرجة من اللاجتماعية والمسماة بـ"النهج الجماهيري" و"السياسي التنظيمي" بوسعه ان يكون امراً ذا فائدة وربما مثير للاهتمام وباعثاً على الحيوية. بيد ان هذا البحث اكثر تفصيلاً، لذا ينبغي ان نحيله الى فرصة اخرى. هنا نشير فقط الى نقطة اساسية ذات صلة اكبر ببحثنا. تتمثل المسالة بان تصور اليسار غير الاجتماعي للفعالية المسلحة غير اجتماعي وغير سياسي على السواء. اولاً، اتطرق الى التصور غير الاجتماعي. طبقاً لتقليد التيارات الاجتماعية، فان الفعالية المسلحة هي احد اشكال الفعالية التي تنطبق مع نمط الحياة الاجتماعية وتستمد منها القوة. لو اخذنا بنظر الاعتبار الاحزاب الفعالة في المجتمعات الفلاحية، سيلفت انتباهنا ان منظومة حفظ واعادة انتاج القوة المسلحة واطار عملها واهدافها تتطابق في كل مرحلة مع الحياة الاجتماعية للفلاحين. ان فلاح متوسط الحال، وفي اية اوضاع، بمقدوره الانخراط في مسرى نضاله بالقوى المسلحة لمثل هذا الحزب بدون ان يكون مجبراً على سحب يده من حياته الاجتماعية والاقتصادية والمعنوية. ان شكل التنظيم واسلوب الفعالية واهداف وتكتيكات التنظيم العسكري في هذه التشكيلات ليس لها تناقض مع الوجود الاجتماعي للفلاح. انها تؤمن نفس اعادة انتاج وتوسيع ونجاعة تؤمن قوة عسكرية. ان حركة زاباتا وبانجوويلا في امريكا اللاتينية والحركات التحررية في الصين وفيتنام نماذج حية لهذا التقليد. ومع تقلص صلة قسم واسع من الفلاحين مع الارض وتوسع المدن، طابقت التيارات القومية الاساسية في هذا الميدان، من ناحيتها، اشكالها وتكتيكاتها واهدافها ومصدر قوتها. ان الاتحاد الوطني والحزبين الديمقراطيين الكردستانيين الايراني والعراقي نموذجين بارزين لها. ان العمل البيشمركيي (العمل المسلح للاحزاب القومية الكردية-م) في هذه التنظيمات امراً يسيراً. انه يتطابق مع المنطق الاجتماعي. ان قوتهم يتم تغييرها بالتناوب، اي ان اي امرء بوسعه الاستراحة بعد فترة من العمل المسلح، وحتى في حالة تعرضه الى ضغط، ينظم الى القوات الحكومية. ان تجديد القوة، سواء عبر الاستسلام او حتى عبر الالتحاق المستمر بالقوى الحكومية والعودة منها، يعتبر نوعاً من التطابق "الخلاق" مع الاوضاع، حيث لاتعد هذه المسالة نقطة ضعف، بل نوع من نقطة قوة. ان هذا الذهاب والمجيء لايخلق اي تناقض من حيث المحتوى مع اهدافهم وامالهم. ان التنظيم اليساري، وبالاخص النمط غير الاجتماعي منه، يغط في مشكلة بهذا الصدد. في عقد التسعينات، ان التيارات اليسارية غير الاجتماعية التي هي ظاهرة مدينية (مشتق من كلمة مدينة-م) اساساً قد تم جرها الى الفعالية المسلحة. ان مصدر القوى اللازمة لصفوف هذه التنظيمات لايمكن ان يكون سوى الشرائح غير الاجتماعية وبالاخص المتعلمين والجامعيين. مع تضائل القوة التي تؤمن صفوف هذه التيارات، تقلص مدى عملها وانكمشت الى محافل وحلقات صغيرة. لكن بغض النظر عن التيارات الهامشية وغير اجتماعية، فان تيارات قومية يسارية اكثر متجذرة يطلق عليها ماركسية قد ورثت المعضلة ذاتها ايضاً. اذ اقتبس هؤلاء النضال المسلح لا من الانماط الاكثر مدينية وعصرية، بل من النموذج الماوي وتقليد الفعالية المسلحة للاحزاب القومية عموماً. في مجتمع مديني، اصطدموا بالضبط بنفس مشكلة التيارات الهامشية. ان التنظيم العسكري لهؤلاء واهدافه وغير ذلك لم تكن رداً على الهيكلية الجديدة للمجتمع. ان تحولات المجتمع جعلت الاطروحة الفلاحية محاصرة المدينة عن طريق القرى عديمة الصلة بالواقع، واستوجبت على هؤلاء الاستناد الى الحياة المدينية. اذا كانت الاحزاب القومية قادرة على تجديد صفوفها وجر قوة جديدة نحوها عبر عملية تغيير دائمة، فان هؤلاء كانوا اكثر راديكالية من ان يعد انفسهم او المجتمع على السواء مثل هذه العملية امراً مبرراً بالنسبة لهم. وعليه، يواجهون مشكلة جذب القوى. لهذا بالضبط لو ان الاحزاب التقليدية القومية حتى لو قد تفتت الى 10 اقسام، يجمع كل قسم منهم مرة اخرى قوة بقدر المرحلة السابقة للتفتت. ان نموذج مثل هذه الوضعية هو كوملة في كردستان ايران. ان مشكلة استنزاف القوى وعدم القدرة على تجديدها كانت معضلة متجذرة في الحياة العسكرية والتنظيمية لكوملة وان الرفاق مطلعين عليها الى حد ما. ان سبيل حل هذه المشكلة لايتعدى سبيلين، ليس اكثر. اما ينبغي الانفصال عن النزعة القومية والاستناد الى الطبقة العاملة والكادحين التي يعد نمط حياتها اليوم مدينياً حتى في ابعد النقاط (ومنهمكة بالعمل المأجور) او ينبغي التخلي عن القالب الراديكالي والالتحاق بالتقليد الام، اي التقليد القومي. في غياب هذا الاختيار، ليس بالوسع انتظار وتوقع سوى الذوبان والانحلال. ان المجتمع غير قادر على التامين البعيد الامد لظواهر غير ذات صلة بالمجتمع. ان منظمة "كوملة رنجدران"** (عصبة الكادحين) في العراق اختارت السبيل الثاني ولهذا تحررت من المظاهر اليسارية والماركسية المكبلة لايديها. اما كوملة ايران فقد ترددت في البداية حول هذا الاختيار، ومع انفصالنا وانفصال القسم الاصلي من الكوادر الشيوعية، اتخذت مسار تخمر تدريجي وان يكن هذا التخمر اعطى ثمرته بصورة اسرع بكثير مما فكرنا به. على اية حال، تمثل سعينا في الحزب الشيوعي الايراني وفي كوملة في المرحلة السابقة، من زاوية الفعالية المسلحة، بلفت انتباه التنظيمات صوب هذا المنعطف الذي بمقدور القراء الرجوع الى الوثائق المعنية (على سبيل المثال " النضال المسلح في كردستان" للرفيق منصور حكمت والمنشور في جريدة كومونيست). على اية حال، اذا اراد حزب عمالي تنظيم مثل هذا النضال والاشكال التنظيمية واسلوب عمل واهداف هذا النضال في كل مرحلة ينبغي ان ياخذ بنظر الاعتبار تجديد القوى من قبل المجتمع. لقد ذكرنا ايضاً ان تصور التيارات غير الاجتماعية للنضال المسلح، زد على ذلك، هو غير سياسي ايضاً. ربما يكون هذا القول غير دقيقاً كثيراً. لكن نود ان نبرز مسالة. ان الفعالية المسلحة نفسها هي احد اوجه النضال السياسي. تنبع من اهداف ذلك النضال وان النضال السياسي نفسه يحدد هيئته ويضفي عليه ملامحه. ان الاحزاب والتقاليد الاجتماعية تعكس الاوجه المختلفة للصراع القائم في المجتمع. ان النضال المسلح، بالنسبة لهذه التيارات، ومن ضمنها التيارات القومية، يعكس فقط جانب من صراعاتها ومجابهاتها بالضرورة. ان جر الجماهير الى الفعالية المنظمة والانتفاضة على الحكومة ليس لها مكان عادة في نطاق اهداف وسياسات الاحزاب القومية. ولهذا فان النضال المسلح، وعلى خلاف تصور اليسار له، بالنسبة لمثل هذه الاحزاب، ليس سوى اداة لممارسة الضغط من اجل جر السلطة المركزية للمساومة ومشاركتها في السلطة السياسية. ان تعامل التيارات غير الاجتماعية مع هذا النضال، بهذا المعنى، غير سياسي، ويمكن العثور على نمطها المسلح حتى اواخر السبعينات بوفرة ارتبطت بتفديس السلاح اساساً. ماعدا النضال المسلح الفدائي السري في المدينة (وفي بعض الاحيان الفلاحي) ليس من المقرر ان تكون هناك نضالات اخرى اساساً ضمن محيط فعاليتهم. انهم، وطبقاً لخصائصهم ومميزاتهم، غير اجتماعيين وهامشيين. اما النوع المقابل له، فان تعامله مع هذا النوع من النضال ملفت للانتباه كذلك. لقد تشكل هذا النوع في الواقع كناقد لـ"النهج الفدائي" والحركات المسلحة للتيارات القومية. فيما يخص النضال المسلح، فان الامر المسلم به عندهم هو الاعتقاد بانتفاضة العمال في ساعتها. بيد ان نقدهم للتيارات المسلحة وتمايزهم عنها نابع من الزاوية تلك. ان تعاملهم مع السلاح والنضال المسلح غير سياسي بنفس قدر تعامل التيارات الفدائية. الاول يرفع راسه من احد النهايتين والثاني من الاخرى. في الاوضاع العادية، حيث لايتمتع ابراز الوجود المسلح باهمية جدية في المجتمع، لايبرز كثيراً تعاملهم غير السياسي وغير الاجتماعي مع هذه المسالة. اما في الاوضاع غير الاعتيادية، يحيلوا عمل حسم مصير المجتمع الى قوى الاحزاب الاكثر تجذراً. لانه في اوضاع يعتبر المجتمع الصراع المسلح، بغض النظر عن المبرر التاريخي لذلك، احد الاشكال المعتبرة والمبررة، وفي اوضاع تحدد القوى المسلحة للاحزاب والعصابات المختلفة مدى الحقوق القانونية، وان حياة واتساع اي تنظيم مرهون مباشرة بالقدرة العسكرية لهذا التنظيم او الحركة. ان اخلاء هذا الميدان، تحت اي مبرر كان، يعني دخول حلبة النزال بقفاز حريري. واذا لم يفهم ذلك الحزب هذا، فان الجماهير تفهم وتكون حاضرة في الاوضاع الامنة فقط ان تصافحه من بعيد. ليس ثمة حزب او حركة غير مسلحة لها قدرة المقاومة امام حجم شرور الاحزاب والعصابات المسلحة العشائرية، الدينية والقومية. انها مستعدة اساساً لتدمير كل اسس المجتمع. يجب الاشارة الى تجربة السنوات القليلة الاخيرة في كردستان، البوسنة، افغانستان وراوندا. ليس الرد على مثل هذه الاحداث بالفعالية السياسية الهادئة والروتينية والاضراب. لو ان هذه المسالة مسالة اجتماعية، لو ان للنصر معنى ملموس، يغدو عندها فهم هذه المسالة امراً بسيطاً، ولايحتاج الى نظرية ولا شهادة دراسية. ليس ثمة شيء عديم الصلة بالشيوعية من الاطروحة التي تبغي تجريد العامل من "السلاح" باي شكل من الاشكال. ان شخصاً يعتقد انه على العامل، وتجاه الهجمة المسلحة للبرجوازية على العامل والتنظيمات العمالية، ان لايشرع برفع السلاح اساساً، وان الرد المسلح هو من صلاحية الجماهير المسلحة فقط وذلك في ساعة الانتفاضة، وان النضال العمالي والشيوعي عديم الصلة مبدئياً بالنضال المسلح، وان تسليح الحزب والنضال المسلح تقليد قومي برجوازي و.. الخ، فانه يبين فهمه الهابط والصبياني وغير الاجتماعي للنضال السياسي ليس الا. عل اية حال، بالنسبة لحزب شيوعي عمالي، تعكس هذه الفعالية جانب من فعاليته فقط، ومبدئياً ان تنظيمها نفسه مرهون باوضاع اجتماعية، تاريخية وسياسية ملموسة جداً. ان مثل هذا الحزب ليس لديه توهم بتسليم البرجوازية السلطة طواعية، ولا الاسلحة بالنسبة له ايقونة عليه عبادتها او مقتها. ان التسليح والفعالية المسلحة فقط وفقط حلقة تكتيكية في صراع يؤدي بالمطاف الاخير الى مسالة السلطة السياسية. ان تسليح الحزب وتسلح العمال وابعاد اهداف وبرنامج العمل العسكري جميعها خطواتنا التكتيكية في حرب ما. ان هدف هذه الخطوات هو تقوية اقتدارالطبقة والحزب، وتصاعد قدرتهما الدفاعية في الاوضاع الاجتماعية والتاريخية المحددة. ينبغي، وبصورة ملموسة، وفي اطار الصراع الواقعي تقييم القوة على صعيد المجتمع وفي اطار اهداف الحزب وتنظيمها وهدايتها عند الضرورة. ان هذا الحزب مديني اساساً، وعلى هذا الاساس، فان قدرته تكمن في المدينة وفي تنظيم العمال والكادحين وفي التعبئة الجماهيرية حول الراية الشيوعية. ضمن هذا الاطار، من الواضح ان الفعالية المسلحة ليس بوسعها، ماعدا في اوضاع خاصة او مراحل محددة، ان تلعب الدور المحوري الذي تقوم به الحرب الفلاحية او حتى ان تضطلع بثقل مشابه لثقلها عند التيارات القومية. 7- استخلاص اجمالي، تحديات وافاق كان الهدف من البحث الى هنا هو اعطاء تصوير لعلة تناقض المكانة الراهنة للحزب والاصل المشترك لنواقصه. ان الاصل المشترك لهذه النواقص هو ديمومة حياة بقايا تصاوير وتقاليد سابقة. ان ماضينا صان تاثيره على راهن الحزب بشكل لاحدود له. وباعتقادنا ان درجة تطور الحزب مرهون مباشرة بدرجة تحديد هذه التقاليد والتخلص منها. بيد ان هذا التحديد والتخلص هما قبل ان يكونا عملية ذهنية، هما مسالة عملية ينبغي ان تحدث في العالم الخارجي. انها بالنسبة لنا جرس انذار، لان بوسع هذا النقد ان يتم تحويله من بحث مرشد وهادي للسبيل الى انهماك وجدل داخلي، سعي لتزكية النفس، او عملية لاتنتهي من النقد والنقد الذاتي الاخلاقي واجمالاً الانشغال الذاتي والداخلي. انه لتقليد يساري غير اجتماعي ان يجر النقد الانكسار والبحث في نوازع الاخرين ودوافعهم، جلد النفس والانهماك بالنفس وترك العالم المحيط بالمرة. اذا كان النقد من المنظور الماركسي هو وضع الاصبع على جذر المسائل للرد على امر موضوعي، فانه في التقليد الرائج لليسار امراً "موضوعياً" فاقد لصلته المباشرة بالعالم. انه ينتزع مجمل السمة المرشدة للنقد الماركسي منه. ان شرط التقدم هو ابقاء القدم تطأ الارض الصلبة للموضوعية. ان هذا يعني بالنسبة لنا وجوب ان يدل الحزب، وفي سياق اوضاعه ومكانته التاريخية والاجتماعية، على سبيل تقدمه في صلب هذ الاوضاع. لقد قطع حزبنا شوطاً طويلاً في مدة قصيرة. ان هذا الحزب، ورغم كل نواقصه، ومثلما قلنا مراراً وتكراراً، اعز ظاهرة اجتماعية وسياسية في العراق. اشطبوا، ولو للحظة، هذا الحزب من الساحة السياسية، الثقافية، الفكرية والاجتماعية للعراق وبالاخص كردستان، حتى تشهد القذارة تبلغ اوجهها. ان الخندق الذي ارساه هذا الحزب بوجه الوحشية المنفلتة العقال للبرجوازية القومية-الدينية- العشائرية. رغم مجمل نقاط ضعفه لم ولايمكن ان يقوم به اي من المجاميع السابقة. براينا، ان امرء لايرى هذا، فانه يدلل على انه لايحس بنبض وقائع العالم الخارجي. ان امرء، ومن اجل تطوير الحزب، بحاجة الى الوقوف وابقاءه في "محل تعمير" الفكر والانشغال به، يدلل قبل اي شيء اخر على حقيقة ان الحزب بالنسبة له ليس اداة لمواصلة النضال اليومي المستمر، بل حلقة من حلقات صراعاته الذهنية. ليس ثمة انسان حصيف يدق طبول ايقاف العمليات وحل قواه ابان الحرب، والا فان الحرب كانت مندلعة فقط في عالمه الوهمي. على اية حال، ان السعي للتغلب على النواقص عبر اشغال الحزب بالنفس وحرف انظاره عن التحديات التي يجابهها في عالمه الخارجي، ليس امراً ماركسياً ولاحريصاً ولا مخلصاً. ان لبحثنا بالطبع جوانب نظرية، وان سبيل الخروج من الوضعية الراهنة يستلزم دون شك درجة من التوحد في الفكر وعمق نظري بين كوادر الحزب وقيادته. ولكن الاهم من ذلك، ان هذا الامر يستلزم توافق اوسع على التوجهات وخطة العمل التي ينجم التقدم فيهما التغيير في هذا الوضع والحال. لقد ذكرنا ان عملية تغيير المجتمع لايمكن فصلها عن عملية تغيير الحزب نفسه. اذا كان ممكنا فصل كلاهما من الناحية التحليلية، لانملك في الاوضاع الراهنة فرصة وامكانية مثل هذه. ليست قضيتنا تجديد تنظيم الحزب بالمعنى الفني للعبارة او تجديد العضوية بمعنى النظام الداخلي. بل مسالة توسيع حجم وجود الحزب بشكل ان ضمها لفعالية العامل والفعال الجماهيري الشيوعيين وتسهيل حركتهما تربط هذا الجزء من المجتمع بالحزب. ان ذلك يعني، قبل اي شيء اخر، ان يحول الحزب ميادين فعاليته وقضايا هذه الميادين الى ميدان لفعاليته وان يضع تشكيلها وهدايتها في صلب اولوياته. في هذه العملية، بوسع تنظيمنا بالطبع ان يتطابق خطوة خطوة مع هذه المتطلبات وينبغي ان تطراً عليه التغييرات اللازمة، وان تتطابق دعايتنا ايضاً مع مستلزماتنا، وسيتخذ حزبنا تكتيكات مؤثرة ، وستفتح ابواب على امكانات متنوعة امام الحزب. بالنسبة لنا، ان بحث استراتيجيتنا في كردستان، في الوقت الذي يحوز اهمية خاصة بذاته، فانه من الناحية النظرية يستند الى الاساس الذي ذكرناه، ومن هذا البحث تنهل، زد على ذلك ان طرح يرد في آن واحد على الحاجات الداخلية والخارجية للحزب وان حصيلته حزباً اكثر توحداً واجتماعية وفعالية ومؤهلاً للرد على الاوضاع الاجتماعية. انه حزام نقل بوسعه ان يجوش مجمل طاقة وابداع اعضاء الحزب وفعاليه في المسار الصحيح. ان حزبنا اليوم بحاجة الى هذه الطاقة والابداع والابتكار اكثر من اي وقت مضى. مصادر:
توضيحات المترجم * ان هذا البحث قدمه الكاتبان الى قيادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي بهدف القاء نظرية نقدية على الممارسة السياسية-الاجتماعية للحزب في حينه. هذا البحث هو مقدمة لـ"استراتيجيتنا في كردستان العراق"، استراتيجية الحزب في كردستان والتي اعدها كورش مدرسي وطرحاها امام الحزب لاقرارها في البلينوم الخامس للجنة المركزية. وقد ورد كملحق بالاضافة الى مقالة كورش مدرسي "الحزب الشيوعي العمالي العراقي؛ اولويات- (استنتاجات عام)" من تاسيس الحزب المنشور في العدد 2 من الشيوعية العمالية. للاسف لم تسعفنا الامكانية الفنية والعملية لنشر الملحقين هنا. ولكن هذا البحث، وبحد ذاته، له اهميته المستقله. ومن هنا قررنا نشره بمفرده. ** كوملة رنجدران، عصبة الكادحين، منظمة قومية يسارية كردية في اوائل السبعينات وحلت نفسها اوائل التسعينات داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب قومي كردي يتزعمه جلال الطالباني.
|