تطورات حلب ومرور على مسار القوى المتدخلة في الشرق الاوسط (حوار اذاعة نينا مع اذر مدرسي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الحكمتي (الخط الرسمي))
اسو فتوحي: انقضت عدة ايام على سيطرة ائتلاف روسية-ايران- الاسد على مدينة حلب. يتشارك الجميع بان السيطرة على حلب تعد نقطة مهمة في تحديد ميزان القوى بين الغرب وحلفائه من طرف، ومن طرف اخر روسيا وايران في المنطقة. يطالب القطب المنتصر في هذا الحدث اليوم بحل سياسي لازمة سوريا، اما القطب المهزوم فشرع بدعايات عاصفة ضد الجرائم المرتكبة في حلب.
ان التصوير الذي يرسمه الغرب حول حلب هو كما لو ان الحرب قد بدأت تواً في هذه المدينة وان حلب في هذه الحرب الجديدة، قد انتزعت، عبر القصف الشديد لحكومة الاسد، من بين ايدي مقاومة الجماهير والتحرريين. بي بي سي ايضاَ، وعلى لسان جماهير حلب، توجه نداءات التظاهر امام السفارة الايرانية والروسية واحتجاجاً على المجازر في المدينة. من جهة اخرى، استدعى بوريس جانسون وزير الخارجية البريطاني، سفراء ايران وروسيا ليبلغهم بعدم ارتياح الحكومة البريطانية وقلقها العميق من خطوات كلا البلدين في المدينة. للحديث عن حلب ودورها في توازن القوى بين الاقطاب العالمية، سياسة كلا القطبين المتصارعين في هذه الحرب، السيطرة على حلب وتاثيرات ذلك على حياة الجماهير في سوريا، واخيرا، دور ايران وتأثيرات السيطرة على حلب على مكانة الجمهورية الاسلامية في المنطقة او ايران على السواء، التقينا اذر مدرسي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الحكمتي (الخط الرسمي).
اذر، نود ان نشكركم على المشاركة في هذا البرنامج. لننطلق من السؤال التالي: تحررت حلب ام سقطت؟ ان هذه تعكس رؤيتين لهذا الحدث، كيف ترون انتم الامر؟ وما صلة تسليم حلب بالحياة الواقعية للجماهير في سوريا؟
اذر مدرسي: مثلما اشرتم، يسعى كلا القطبان المنخرطان في هذه الحرب، كل من ناحيته، الى تسمية سيطرة الاسد على مدينة حلب استناداً الى مكانته في هذا الحدث، واستناداً الى تأثير هذا الحدث على مكانته. وبالتالي، فان مفاهيم من مثل "تحررت حلب!" او "سقطت حلب!" هي مفاهيم يستفاد منها ويوظفها طرفا الحرب. اذ يطلق ائتلاف روسيا-اسد- ايران عليها "تحرير حلب"، ويسعى الى تبيان كيف ان الناس يودون ان يخرجوا من جلدهم غبطة وفرحاً، وانهم موالون لسلطة الاسد وهبوا لاستقبال مايسمى بالقوى المحرِرة. يطبلون لـ"تحرير حلب من قيود التيارات الاسلامية مثل جبهة النصرة". فيما يعلن الطرف المقابل "ان حلب قد سقطت"، ويتحدث عن سقوط حلب. انهم يعرضون صورة كما لو ان جماهير حلب قد مورس القتل بحقها وتدفع التضحيات جراء قصف روسيا وايران وسوريا فقط. يريدون، باسم الدفاع عن جماهير حلب، الضغط على ائتلاف روسيا-ايران-الاسد، ويتحدثون عن سقوط حلب والمصائب التي فرضت على جماهير حلب في الاشهر الستة الاخيرة، بوصفهم منقذوا ومخلّصوا البشرية وجماهير حلب، وينشدون التدخل في سوريا.
فيما يتعلق بجماهير حلب، فانها لم تتحرر قبل اربعة اعوام من دكتاتورية الاسد وتتمتع بحياة حرة وسعيدة ولم تتحرر من ايدي التيارات الاسلامية التي تحكمت اربعة اعوام في المدينة. لم تسقط حلب قبل اربعة اعوام، ولم تتحرر اليوم. ان التغير في من يسيطر على حلب له تاثير دون شك على المكانة الداخلية والعالمية لطرفي الحرب، له دور جدي في تقوية مكانة نظام الاسد دون شك، له تاثير جدي دون شك في تقوية وترسيخ مكانة ايران وروسيا في المنطقة. وعلى هذا الاساس، يتحدثون عنها بوصفه نصر ومسألة اعادة ورقة في ازمة الشرق الاوسط لصالحهم. من المؤكد ان لهذا الحدث دور جدي في اضعاف مكانة الغرب في سوريا والشرق الاوسط وحلفائهم المحليين، من السعودية وتركيا وصولاً الى جبهة النصر وجيش سوريا الحر وحتى داعش و....
اسو فتوحي: يعني تعتقدون ان الدفاع عن حياة جماهير حلب والمكانة التي هم عليها اليوم، هي فقط حجة بيد الطرفين المنخرطين؟
اذر مدرسي: انها حجة دون شك. برأيي هناك رياء كبير خلف تعاطف رؤساء الدول الغربية واعلامهم فيما يخص جماهير حلب. ان الاستيلاء على حلب يترك تأثيراً دون شك على توازن قوى القوى الرجعية المنخرطة في سوريا والمنطقة. بيد ان هذا الاستيلاء هو ليس نقطة انتهاء اعمال القتل ومصائب جماهير حلب. ان جماهير حلب تئن تحت مطرقة وسندان التيارات التي هي صنيعة الغرب من امثال جبهة النصرة وجيش سوريا الحر وحشد الشام والتيارات السنية صنيعة السعودية والغرب ومن جهة اخرى نظام ديكتاتوري، جيش سوريا الذي اطلق سراح السجناء في سوريا كي يقاتلوا جنبا الى جنب حزب الله وسائر التيارات الشيعية الموالية للجمهورية الاسلامية وقصف جيش سوريا.
"تحرير جماهير حلب" مصطلح عديم القيمة يستفاد منه طرفا الحرب. احدهما يعلن اني حررت جماهير حلب، واخر يدعي السعي من اجل تحرير جماهير حلب.
انتزعت حلب من ايدي التيارات القومية والدينية والرجعية صنيعة الغرب لتسقط بيد سلطة استبدادية هي رجعية بالقدر ذاته وحلفائها الرجعيين. في كلا الحالتين، جماهير حلب هي من هُزِمَتْ وخسرت في هذه الحرب.
اسو فتوحي: ماذا يحل بمكانة ائتلاف اسد-ايران-روسية بعد السيطرة على حلب؟ اي تغيرات استراتيجية ستجري في المنطقة ارتباطاً بهذا الحدث؟ ماهو مصير الطرفين المنخرطين في هذه الحرب؟ ماهو مصير الطرف المنهمك بالدعاية الحربية وحقوق الانسان والدفاع عن جماهير حلب؟ هل يقبل الغرب هذه التغييرات؟ هناك احاديث عن حرب جديدة يشنها الغرب على الاسد في سوريا وحتى في الشرق الاوسط؟ كما يتحدث الغرب عما يسمى بخطر التقارب المتعاظم لروسية وايران وتركيا، ماذ سيعمل الطرف المنتصر والمهزوم في هذه الحرب برايكم؟
اذر مدرسي: قبل ان اتناول رد فعل الطرفين، من المناسب ان اذكَر بنقطة. ينبغي ان لاننظر الى اي تغيير في ميزان القوى الراهن، اي تغيير في مكانة الاقطاب المنخرطة في الشرق الاوسط، على انه امراً ثابتاً وراسخاً.
من الناحية الواقعية، لا تتمتع اي من الدول والاقطاب المنخرطة في هذا الحدث باستراتيجية واضحة لمستقبل حضورها في الشرق الاوسط. ان هذه المعركة هي جزء من صراع لتحديد المصير النهائي وجزء من التغير في تركيبة القدرة الاكثر رسوخاً في العالم والمنطقة. وبالتالي، فالمسألة هي ان لانعتبر ان ترسيخ مكانة ائتلاف ايران-الاسد- روسيا بعد السيطرة على حلب قد حسمت وانتهت.
لازالت الاقطاب النهائية سواء في المنطقة او العالم في حالة تشكل وصياغة. اذ لازالت القضايا في الدول الغربية واقطاب ذلك التغيير في التركيبة والالاعيب الجديدة جزء من القضية الاساسية. اذ لازال مصير الناتو ومستقبله، مصير الاتحاد الاوربي، سياسات امريكا المقبلة في الشرق الاوسط، سياسة اوربا ودرجة قربها وبعدها عن امريكا وروسيا، التكتلات الاقليمية في الشرق الاوسط و....اي منها لم تحسم بعد. وعليه، لاينبغي النظر الى الحديث الذي نقوم به هنا بوصفه تحديد المصير النهائي.
ان هذه مقدمة اقولها، اذ لايعني حين نتحدث عن التحسن في مكانة كتلة ما على انه امر نهائي ومحسوم. قد تكون الخطوط العامة له واضحة، ولكن يمكن ان تجري تغيرات جدية وكبيرة في خضم انعدام الافق العام، وغياب استراتيجية واضحة ودائمة وراسخة لدى الغرب والقطب المنازع.
من هذه المقدمة، اعود الى سؤالكم. من الناحية الواقعية، ان السيطرة على حلب، قوَى من مكانة ائتلاف ايران-الاسد- روسيا في المنطقة، وكذلك مكانة روسيا على الصعيد العالمي. ان السيطرة على حلب هي نقطة نهاية "على الاسد ان يرحل"! بالسيطرة على حلب، رسخ الاسد مكانته بوصفه السلطة الحاكمة في سوريا الى حد كبير. اذ لايتحدث احد ما اليوم عن وجوب رحيل الاسد. لقد تم ترسيخ مكانة الاسد في سوريا. كما ينبغي ان لاننسى ان "على الاسد ان يرحل" كانت سياسة امريكا وقسم من الغرب وحلفائهم المحليين مثل السعودية وتركيا، هذه السياسة التي اركنت تدريجيا جانبا تحت ضغط عدد من الدول الغربية وروسيا. لقد قبل الغرب بامر ان يبقى الاسد، وان يجري اتفاق بين الاسد والمعارضة صنيعة الغرب. ان السيطرة على حلب قوّت من مكانة الاسد في مثل هذا النزاع، ومن هذه الزاوية، يعتبر نصراً لهذا التحالف.
هل يقبل الغرب بهذا الامر ام لا؟ ينبغي ان ننتبه الى ان الغرب ومنذ مدة ليس ظاهرة واحدة. ان مايسمى بالكتلة الغربية المعروفة تتعرض الى تشتت وتفتت داخلي، لاتتمتع باستراتيجية واضحة، وليست كتلة موحدة. اذ تنظر كل من دوله وحكوماته في هذه الكتلة الى الاوضاع بصورة براغماتية الى حد كبير. بيد ان ماهو واضح، ومايمكن رؤيته في دعاية الدول الغربية هي انها ليست على استعداد للقبول بسهولة بهذه الهزيمة، وتسعى الى تعويض هذه الهزيمة. ينبغي النظر الى هذه الدعايات الاعلامية، دعايات كما لو ان اعمال القتل قد بدأت في حلب منذ اسبوع والسيطرة عليها من قبل الاسد، بوصفها دعاية حربية ضد الاسد وهذا التحالف. دعاية لتهيئة الاجواء لصراعات اكبر. نرى ان قسم من الهيئة الحاكمة في البلدان الاوربية مثل بريطانيا ترفع رأسها من جديد وتنتقد لماذا صوَت البرلمان البريطاني قبل سنوات بعدم التدخل العسكري البريطاني والمشاركة في قصف جماهير سوريا. يسعون الى ممارسة ضغط انه ينبغي التدخل في سوريا اليوم. ان قسم من البرجوازية الغربية وهيئتها الحاكمة تستعد لتعويض هذه الهزيمة باكثر الاشكال دموية. الى اي حد سيتمكنوا من النجاح في تنفيذ هذا الامر؟ هذا موضوع آخر. بهذا الخصوص، ليس الامر بيد البرجوازية والحكومات الغربية، اي كيف وعبر اي سبيل، عبر حرب اخرى ام ممارسة الضغوطات السياسية والاقتصادية يمكن تعويض هذا الاخفاق. ان كانت ثمة امكانية لذلك، لايتورعوا هم عن تعويض ذلك عبر فرض اكثر الاشكال دموية.
اسو فتوحي: ارتباطا بالتوضيحات التي ذكرتيها، اود ان ابتعد قليلا عن الشرق الاوسط. اننا على الصعيد العالمي امام ظاهرة جديدة في الغرب نفسها. صعود ترامب، وفي الوقت ذاته، تنامي الاحزاب اليمينية المتشددة هي ظواهر نراها في هذه المرحلة، و قد اشرت انت الى بعضها. هل برأيكم ثمة صلة مابين ازمة الشرق الاوسط والحرب في الموصل وحلب مع هذه الاوضاع او الظواهر- اي في الغرب-. ماهو ردكم على هذه الاوضاع؟ هل ان البشرية امام مرحلة جديدة ومخاطر جديدة؟ كيف بوسع البشرية ان تتخلص من هذه الاوضاع؟
اذر مدرسي: ليس ثمة شك ان البشرية تمر بأكثر المراحل خطورة، ويمكن القول اكثر مراحل حياتها حلكة. لم تمر البشرية باي مرحلة، لا في الحرب العالمية الاولى ولا في الحرب العالمية الثانية، بهذا الحد من اعمال القتل المليونية. الحروب الصليبية، مرحلة تاسيس الدول الى الحربين العالميتين الاولى والثانية هي صغيرة جدا امام ابعاد الجرائم التي ترتكب اليوم. المسألة لاتتعلق بالحرب فقط. بل بالتراجع المفروض على المجتمع البشري الذي يعد اوسع واعمق واكثر اشكال التراجع رجعية قد فرضت عليه اليوم. ان البشرية تمر باكثر مراحلها حلكة وان ذلك يعود لاقتدار برجوازية مظلمة في العالم. ساتناول كيفية الخلاص من هذه الاوضاع، ولكن بدءا ساتناول اثار وتاثير معضلات الغرب على الشرق الاوسط والصلة مابين ازمة الشرق الاوسط والحرب في الموصل وحلب و...بوضعية الكتلة الغربية.
ان مصدر مايسمى بازمة الشرق الشرق الاوسط او الحرب الاهلية في سوريا وليبيا والعراق هو ليس سوى جر صراع الاقطاب المختلفة للرجعية العالمية لتغيير الهيكلية السياسية- الاقتصادية للعالم لتوسيع درجة نفوذها وقدرتها على الصعيد العالمي. على النقيض من دعاياتهم، انها ليست ازمة داخلية في الشرق الاوسط. ليس ثمة حرب اهلية في سوريا وليبيا والعراق. ازمة داخلية يدعي الغرب انها مهمة من مهامه وواجب من واجباته ان يتدخل لحلها. كما لو ان الغرب مجبر على التدخل العسكري لان القوى المنخرطة هي مسلحة وشنوا حربا في هذه المنطقة. الامر على النقيض من ذلك بالضبط. ان ازمة الشرق الاوسط والحرب في الشرق الاوسط ومجمل البلدان التي فيها حرب هي نتيجة مباشرة لتدخل الغرب واجواء من الصراعات العالمية الرجعية.
كان من الواضح انه، وبعد انهيار الكتلة الشرقية، فان تغيير التركيبة والهيكلية السياسية-الاقتصادية وحتى العسكرية للعالم قد وضعت على طاولة البرجوازية المنتصرة. بعد اخفاق النظام العالمي الجديد واخفاق ترسيخ هيمنة امريكا بوصفها راس القطب المنتصر، وبعد اضعاف مكانة امريكا بالاخص بعد هزيمتها في العراق وتنامي قوى اقتصادية مثل الصين وحلول روسيا مرة اخرى بوصفها قوى تنشد الاقتدار، فان قضية عالم متعدد الاقطاب، قبوله او عدم قبوله، وكيفية العودة الى عالم متعدد الاقطاب هي القضية الاساسية للبرجوازية العالمية، وبالاخص للقطب المنتصر في الحرب الباردة.
ان مانشهده اليوم هو ان عودة عالم متعدد الاقطاب ليس عملية سهلة وسلمية. على النقيض من ذلك، دموية الى ابعد الحدود. كانت نقطتها الاساسية هي الشرق الاوسط، بيد ان ابعادها تعدت الشرق الاوسط وبلغت الغرب نفسه. لقد فرضت هذه العملية تراجع سياسي-اجتماعي-ثقافي-قيمي عميق على مجمل ابعاد حياة الانسان. وهي سبب ومصدر اقتدار اليمين والقومية في العالم وتصاعد الهويات المزيفة القومية والاثنية والدينية في مجمل العالم. ان نقطة وجغرافيا حل هذا الصراع، الجغرافيا الاساسية لفرض هذا التراجع هو الشرق الاوسط، ولكننا نرى ان الامر تعدى ويتعدى الشرق الاوسط. يجب النظر الى صلة ازمة الشرق الاوسط، الحرب في الموصل واليمن والعراق وليبيا و... باوضاع العالم من هذه الزاوية. انها نتيجة مباشرة لهذا الصراع وهذا السعي لتغيير الهيكلية والتركيبة السياسية-الاقتصادية-العسكرية للعالم. ان حل هذا الصراع، ومثلما قلت، لايمكن دون فرض اوضاعا كالحة على البشرية. تبين عن نفسها في الشرق الاوسط على شكل حروب دموية وقومية ودينية في المجتمع، وفي الغرب على شكل صعود الترامبيين واللوبنيين والقوميين في بريطانيا، وان حرب هذا اليمين المتشدد والرجعي على البشرية في هذه المجتمعات تظهر على شكل هجمة على مكتسبات البشرية في الغرب.
ان المجتمع الانساني يعاني بسبب غياب حركة عظيمة ومقتدرة عمالية وشيوعية. بدون مثل هكذا حركة مقتدرة وبدون صف اجتماعي مقتدر بوجه فرض هذا التراجع، يجر للاسف الى مشاهدة ايام اكثر سوءا. تستفاد البرجوازية من عدم وجود هذه الحركة للهجمة اكثر. بالنسبة لنا، بالنسبة لاغلبية الجماهير في العالم، ليس هناك سبيل اخر لمجابهة والتصدي لسيناريو جر البشرية نحو المصائب والظلام سوى صعود حركة عمالية-شيوعية عظيمة ومقتدرة.
اسو فتوحي: ستناول بالتاكيد هذه النقطة. نتحدث عن اوضاع اكثر عامة واكثر عالمية والقوى المنخرطة فيها وتاثيراتها. نتحدث عن صعود القوى اليمينية في اوربا وامريكا، سعي قسم من البرجوازية البريطانية للتواجد العسكري في سوريا. ولكن حين تنظر الى الاستقطابات هذه والقوى المنخرطة فيها، تجد تناقضات. تجد على ألسنة الاوساط الحكومية الغربية وحلفائها مثل السعودية وتركيا واسرائيل احتجاج على ألحرب في حلب، وعلى اعمال القتل بحق هذه المدينة، وكذلك يشاطرهم هذا الاحتجاج قسم من الاحزاب اليسارية في ايران والعالم. في الوقت الذي يجري هذا في حلب. لكن حين تقوم حكومة العراق والبارزاني والحشد الشعبي باعمال القصف وقتل الجماهير الواسع لجماهير الموصل، حيث انهم يدعون انهم سوية يحاربون الارهاب ولكن ليس هناك ابسط خبر عما يحل بجماهير الموصل، اي ان الامر بالنسبة لهم يختلف كليا في الموصل ان قورن بحلب. فماهو سبب هذه الازدواجية، من عدم نشر الاخبار من جهة (الموصل) ونشر الاخبار لحظة بلحظة من جهة اخرى (حلب)؟
اذر مدرسي: ان هذا ايضاً جزء من الدعاية الحربية للطرفين. حين نتحدث عن الاعلام العالمي، يمثل الاعلام الغربي بصورة واقعية 90% من هذه الدعاية. وهنا ايضاً ان وسائل الاعلام الغربية، اساساً، ليس بوصفها مؤسسة دعاية حرب وغسيل الادمغة فحسب، بل انها لها دور حاسم بوصفها مؤسسة لتحديد سياسات الحكومات الغربية.
ان التناقض الذي اشرت اليه يميط اللثام عن رياء الغرب في تعريف المجتمع البشري بواقع وحقيقة مايجري. لقد اشرت الى ان جميع هذه القوى، تصطف جنب الى جنب بعض بوصفها قوى تحالف في حرب ضد داعش، وبالتالي فان، يفترض ان لجميع هذه القوى مصلحة بان لاتحدث اعمال قتل واسعة في الموصل. ولكن، وطبقاً لتقريرهم فقط القي في الاسابيع الستة الاولى فقط 50 الف صاروخ على جماهير هذه المدينة، وحتى لو كان قد راح فرد واحد ضحية كل صاروخ، فان 50 الف شخص قد راح ضحيتها. ان جميع القوى والحكومات المنخرطة في الموصل لها مصلحة في التستر على هذه الجرائم وحجب تسربها. زد على ذلك، ينبغي ان لايغيب عن بالنا ان على رأس هذه الحرب امريكا والتحالف الغربي، ومن هذه الزاوية، فان الحكومات ووسائل الاعلام الغربية مدركة لضرورة التعتيم على مايجري في الموصل لانتزاع مدينة الموصل من ايدي داعش عبر اعمال القتل الجماعية للابرياء وتدمير كل المدينة. الجميع لهم مصلحة في اشاعة فكرة ان هذه الحرب هي حرب بدون أراقة دماء، وان اريقت الدماء فان داعش هي التي تقوم بذلك، وليس الصواريخ الذكية لامريكا وحلفائها التي لاتقتل اي انسان بريء. يتشاطر الجميع التصور الذي يشيعوه وهو ان الجيش العراقي وقوى اقليم كردستان والحشد الشعبي وسائر التيارات المنخرطة في هذه الحملة هي ليست قوى تقوم باعمال قتل جماعية ضد الجماهير تحت حجج ومبررات باسم الشيعة، والسنة، العرب والكرد او المسيحية، وان لهم مصلحة في التستر على جرائم هذه القوى تحت اسم تحرير جماهير الموصل من جهنم داعش. اما فيما يخص اليمن ايضاً، وحيث ان من يمارس اعمال القتل الجماعي هي السعودية بوصفها الحليف الطبيعي للغرب وقوة في كتلة الغرب، نرى الامر ذاته، فانكم لاترون اي نوع من التشهير او ممارسة الضغط على السعودية جراء جرائمها في اليمن او اي سعي للدفاع عن الجماهير الابرياء والعزل. وان كانت هناك ذرة من التشهير في بلد مثل بريطانيا، فان ذلك بسبب ان الصورايخ صواريخهم وان استفادة السعودية منها هو امر غير قانوني وان السعودية ترميها بالاطنان على جماهير اليمن، صواريخ باعتها بريطانيا للسعودية وهي، اي الحكومة البريطانية، تحت ضغط الراي العام في بريطانيا نفسها. ولكن هذه المعايير المزدوجة في عكس الجرائم في الموصل واليمن وحلب، ناجمة فقط عن السياسة الرجعية للقوى المنخرطة في هذه الحروب والصراعات من امريكا وحلفائها الى ايران وتركيا واسرائيل وروسية، لحل معضلاتهم وفرض الحرب على جماهير الشرق الاوسط.
اسو فتوحي: ان السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تتقبل البشرية المعاصرة واقع الحال هذا من حكوماتها؟
اذر مدرسي: الى الحد الذي يرتبط بجماهير الشرق الاوسط، لاتتعلق المسالة بقبول هذا الامر من عدمه. لقد تم فرض سيناريوهات الحروب القومية والدينية على جماهير الشرق الاوسط، وليس بوسع جماهير الشرق الاوسط ممارسة ارادتها، ولم تدخل الجماهير هذه الحروب بقرارها وارادتها. وعليه، فان قبول واقع او عدم قبوله من قبل الجماهير في الشرق الاوسط ليس امراً ذا صلة. انه سيناريو تم فرضه على جماهير المنطقة، والتي عليها ان ترتب امرها تجاهه، وان ذلك يضعها امام خيارات، وهي اما ان تكون طعما ومادة قتل للقوى الرجعية او ان يتشردوا او ان ينضموا بصورة لامناص منها الى احد تلك القوى. لم يُترك مجال اخر لجماهير المنطقة.
بيد ان قبول واقع الحال بالنسبة لجماهير الغرب هو مسألة اخرى. تضع الحكومات الغربية جرائم داعش في اوربا امام المجتمع، وتحت ادعاء بان مدى هذا الارهاب سيمد اياديه الى اوربا والغرب اذا لم تتدخل عسكريا في الشرق الاوسط ولم تحارب، لذل فقد تمكنت الحكومات الغربية من اسكات الجماهير في الغرب بهذه الطريقة. الرعب من الامتداد الواسع لارهاب داعش الى البلدان الغربية هو سند استفادت منه الحكومات الغربية استفادة سياسية قصوى. ترى جماهير اوربا ان اتساع دائرة ارهاب داعش الى اوربا يعني تعريض امانهم وحياتهم للخطر، حين يقبلون بواقع الامر المزيف للحكومات الغربية، يقبلون ان هذه الحروب هي حروب ضد داعش وارهابها ومن اجل فرض التراجع على تطاول داعش على حياة الجماهير في اوربا والشرق الاوسط. يقبلون ان يقتل الناس، الناس الابرياء، في هذه الحروب. ان هذه هي الالية التي استخدمتها الحكومات الغربية في تلك المجتمعات والتي ادت الى اسكاتهم.
اسو فتوحي: حسناً، ان هذه لوحة عن الغرب. اعود الى حرب حلب. فيما يخص ايران، ماهو رأيكم اولا بتاثيرات السيطرة على حلب على مكانة الجمهورية الاسلامية؟ هناك احاديث عن ان امريكا اتخذت قرارات بحق ايران. هل ثمة خطر انذار امريكا لايران وذلك لدورها في النصر في حلب؟ اية تغييرات ستطرأ على مكانة الجمهورية الاسلامية في ايران نفسها وفيما يخص علاقتها بالجماهير؟
اذر مدرسي: فيما يخص مكانة ايران في المنطقة وصلتها بالغرب، على النقيض من المكانة التي تتحدث عنها ايران، فان مكانتها هي ذو حدين. فمن جهة، ايران مرتبطة استراتيجياً بالغرب والرأسمال الغربي. واستطاعت في المطاف الاخير من تهدئة صلتها المتشنجة الى حد بعيد بالغرب، وامريكا على وجه الاساس. وبالتالي، ازاحت خطر الهجمة العسكرية الذي كان يهددها، الغت المقاطعات، وحصلت على امتيازات مقابل الامتيازات التي اعطتها. ان احد الامتيازات التي حصلت عليها ايران هو ان يكون لها دور هام في قضية مايسمى امن الشرق الاوسط. وبالتالي، وعلى النقيض من دعايات الجمهورية الاسلامية نفسها، فان دورها في السيطرة على حلب لايعني ان اياديها مفتوحة تماماً في الشرق الاوسط. في العالم الواقعي لاتنشد الجمهورية الاسلامية العودة الى مرحلة العلاقات المتشنجة مع الغرب. انها تسعى لترسيخ مكانتها بوجه خصومها مثل السعودية وتركيا، وان ذلك لايأتي عبر تصعيد صراع صلتها مع الغرب، بل يجب ان لاتتلقى صلتها بالغرب ضربة. اما امريكا، فمن جهة اصدرت قراراً بمواصلة المقاطعة، ومن جهة اخرى من الممكن ان يكون ترامب خطراً. لاتعرف لحد الان البرجوازية الايرانية والبرجوازية العالمية والحكومات الغربية على السواء ماذا تعمل مع هذه الظاهرة (ترامب-م)، واية سياسة سيتخذ ترامب على وجه التحديد والى اي حد يعد تنفيذ وعوده الانتخابية امراً ممكناً؟
ان جملة من العوامل هذه تجعل مكانة الجمهورية الاسلامية ذات حدين فيما يخص مكانتها تجاه خصومها الاقليميين، تسعى بالاستناد الى التقدم الذي احرزته في العراق وسوريا واليمن الى ترسيخ تلك المكانة، وفيما يخص الغرب تسعى الى عدم استفزازه وان لاتعود الى المرحلة المليئة بالتشنجات مع الغرب وبالاخص امريكا.
فيما يخص صلة الجمهورية الاسلامية بالجماهير، استفادت الجمهورية الاسلامية اوسع الفائدة من اولاً انعدام الامن في المنطقة وثانيا، التقدم العسكري الذي احرزته. فعلى غرار مرحلة حرب العراق وايران، تسعى الجمهورية الاسلامية الى الاستفادة من الحرب في المنطقة وغياب امنها. ليس هناك حرب في ايران، ولكن الجمهورية الاسلامية، تسعى بصورة واعية لان تبين للمجتمع ان بوسعها، في منطقة الشرق الاوسط المبتلاة بالحروب، ان تصون الامان والاستقرار في ايران. يعد الامان اليوم اكثر المسائل اهمية في دعاياتها وعملها. تسعى الجمهورية الاسلامية اليوم الى الاستفادة اوسع مايمكن من غياب الامن في الشرق الاوسط، الامن الذي تعد الجمهورية الاسلامية نفسها اهم عناصر انعدامه. تسعى بشكل حثيث، رغم درجات الاستبداد، القمع، الفقر وانعدام الحقوق، لاخراس الجماهير بعنصر ومبرر مجتمع امن.
ان السؤال هو الى اي حد تتقبل الجماهير هذه الدعايات من الجمهورية الاسلامية، الا ان السؤال الاخر هو الى اي حد تتمكن الجمهورية الاسلامية من تهميش نضال الجماهير من اجل الحرية، الرفاه والعدالة الاجتماعية، والتي هي الخطر الاساسي. برأيي ان مجتمع ايران اكثر سياسية ووعياً من ان لايرى دور الجمهورية الاسلامية في انعدام الامان في المنطقة، وان لايرى استفادتها من هذه الاوضاع. المسالة الاساسية هي استعداد المجتمع تجاه هذه التحركات واستفادة الجمهورية الاسلامية من هذه الاوضاع. المسالة تتعلق بمدى وقوف المجتمع بوجه تعميق الاثنية، والقومية الايرانية، ومناهضة الجماهير عربية اللسان تحت اسم مناهضة السعودية وتهميش احتجاج الجماهير عليها. ينبغي علينا، بوصفنا قطب مناهض لها، ان لانسمح في هذه الاوضاع بتهميش احتجاج الجماهير من اجل الحرية، المساواة، الرفاه والعدالة الاجتماعية.
اسو فتوحي: اتعتقدين انه في هذه الاوضاع ثمة امكانية لتحول في ايران لصالح البشرية؟ تحدثتم عن استفادة الجمهورية الاسلامية من هذه الاوضاع. تحدثنا كذلك من الاوضاع العالمية وتنامي التشدد الى اوضاع الشرق الاوسط ووضعية ايران بوصفها احد الدول المنخرطة والمتدخلة فيها. الا يفسح المجال للجمهورية الاسلامية عبر تعميق وتضخيم المخاوف من ان تتحول ايران الى سوريا اخرى وتصبح الاوضاع اكثر حلكة ام على العكس، هنالك امكانية لتحول في ايران لصالح البشرية؟ تحدثتم عن مسعى الشيوعيين، اود، كسؤال أخير، ان توضحي لنا هل ان في هذه الاوضاع ثمة حظوظ للشيوعيين في ايران؟
اذر مدرسي: ليس هنالك شك في انه ينبغي ان لانسمح لمساعي الجمهورية الاسلامية ان تشيع مخاوف انعدام امن اجواء ايران، وان تستفاد دعايات انعدام الامن هذا. "تصبح ايران مثل سوريا" هو جزء من دعاية الجمهورية الاسلامية وسعيها للتصدي لاحتجاج الجماهير ضد سلطتها وحكمها وتستفيد اوسع الفائدة من تحويل الغرب لاحتجاج جماهير ليبيا وسوريا الى سيناريو مظلم. تشيع الجمهورية الاسلامية خطر ليبيا وسوريا بوجه الاحتجاج والثورة الراديكالية للجماهير ضد حكمها على انها مصير ومستقبل الثورة ضدها.
على الرغم من هذه الاوضاع، هل ثمة امكانية في ايران لتحول لصالح البشرية؟ ان هذا يستند على المدى الذي به يتمكن الشيوعيون من ان يكون لهم دورا في التحولات المقبلة. فيما يخص مجتمع ايران، ان مجتمع ايران، مقارنة بمجمل مجتمعات الشرق الاوسط، عاش اجواء الثورة وقام بثورة. مرت ايران بثورتين. وعلى النقيض من الدعاية الرجعية للقوميين الوطنيين، ليست ناجمة عن نزعة التميز العرقي الاري والايراني، بيد ان هاتين الثورتين اضفتا خصوصية على المجتمع، على صلة الجماهير بالسلطة الحاكمة، ثقة الجماهير باقتدارها وقوتها، مثل الخصوصية التي اضفتها الثورة الفرنسية على المجتمع مقارنة ببريطانيا والمانيا. من هذه الزاوية، قد تكون ايران البلد الوحيد الذي يكون له حظوظ في ذلك التحول الراديكالي والثوري لصالح البشرية وفي الشيوعيين. يتمتع الشيوعيون في ايران، بوصفهم تيارات تحررية، بتعاطف الجماهير ويتمتعون بسمعة طيبة. رأت الطبقة العاملة في ايران وجربت ولسنوات الشيوعية في احتجاجها. جربت الطبقة العاملة في ايران في ثورة 1979 قوة واقتدار الشيوعيين. من هذه الزاوية، اعتقد اذا كان هناك بلد في الشرق الاوسط بوسعه ان يكون مبعث تغيير لصالح البشرية فهو ايران، وذلك للتحولات الاجتماعية الهائلة والعميقة التي جرت فيها، تحولات تركت تاثيرها وبصمتها على سايكولوجية المجتمع، ثقة المجتمع بنفسه وبقدرته، الاطاحة بالسلطة والاقتدار والثورات التي جرت فيه وجراء الثقل الاقتصادي والاجتماعي الذي حققته الطبقة العاملة في ايران اليوم.
من المؤكد ان هذه الصراع ليس سهلاً، وتسعى البرجوازية سواء في ايران او على الصعيد العالمي الى عدم تحقق مثل هذا التحول وتتصدى له بمختلف الاشكال. ولكن لم تقف الطبقة العاملة ولا الشيوعيين مكتوفي الايدي. اعتقد ان الاستعداد اليوم بوجه مساعي البرجوازية من اجل بث وتعميق الفرقة مابين صفوف الاغلبية المحرومة التي تنشد غد انساني هو اهم الاعمال التي يجب ان توضع على اجندة حزب شيوعي.
ان اليمين المتطرف اليوم سواء في ايران او في العالم ربط نفسه ورهنها بالهوية الدينية بالاضافة الى الهوية القومية. ان التصدي لهذه الهويات القومية والدينية المزيفة هو اكثر الاعمال شيوعية التي على الشيوعيين ان يضعوها في مقدمة جدول اعمالهم. لقد اصبحت اكثر النزعات سببا في فرض انعدام الامان والحروب والتدمير في العالم. ينبغي التصدي لهذا السيناريو، وينبغي عدم السماح بتلويث راية النضال من اجل الحرية والرفاه والعدالة الاجتماعية بالقذارات القومية والدينية.
نظراً للعوامل التي ذكرتها، تتمتع ايران باكثر امكانية لتحول ثوري في المنطقة. ان تحويل هذه الامكانية الى تحرك اجتماعي عمل يقبّل ايادي الشيوعيين. شيوعيون ادركوا دوماً وخامة الاوضاع، ولم يتخذوا تاريخياً جانب اي طرف من اطراف صراع الاقطاب الرجعية، ولم يروا ان من الواجب عليهم ان يختاروا مابين السيء والاسوأ، وصانوا على طول الخط الصف العمالي والتحرري المستقل. علينا ان نسعى الى ترك بصمتنا اوسع مايمكن على الاوضاع والتحولات السياسية في ايران.
اسو فتوحي: نشكركم اذر مدرسي، ونشكر مستمعي البرنامج الكرام في اذاعة نينا. وهنا نختتم برنامجنا. والى برنامج اخر، نتمنى لكم جميعاً اوقاتاً طيبة.
جرت هذه المقابلة في 20 كانون الاول-ديسمبر 2016.
|